عصام أبو القاسم (الشارقة)- شهدت فعاليات الدورة الحادية عشرة من مهرجان الشارقة للشعر العربي الذي ينظمه سنوياً “بيت الشعر” التابع لدائرة الثقافة والإعلام بحكومة الشارقة تحت رعاية كريمة من صاحب السمو الشيخ الدكتور سلطان بن محمد القاسمي عضو المجلس الأعلى حاكم الشارقة والتي اختتمت مؤخرا حضورا لافتا للشعراء، حيث استقطب المهرجان هذه السنة شعراء من خمس عشرة دولة عربية تناوبوا في الصعود إلى منصة القاعة الكبرى بقصر الثقافة في الشارقة، وقدموا نصوصا شعرية مختلفة في أسئلتها الجمالية وفي شواغلها الفكرية وكانت القصيدة العمودية هي سيدت المشهد في المهرجان. كما شارك الشعراء بفعالية ملحوظة في الجلسات النقدية التي ناقشت قضايا متنوعة تحت المحورين الأساسين: “القراءة الثقافية للشعر” و”راهن المشهد الشعري العربي”.
“الاتحاد” التقت محمد البريكي مسؤول بيت الشعر وعدد من المشاركين، واستطلعت آراءهم حول الدور الذي يسهم به المهرجان وفعاليته بخاصة مع ما تشهده الساحة الثقافية العربية من انحسار للمناسبات المماثلة، وعن الحضور الطاغي للقصيدة العمودية.
تنوع
وبداية عبر الشاعر محمد البريكي عن غبطته بالحضور الكثيف الذي شهدته أمسيات المهرجان، وقال “إن ذلك يؤشر على أن ذائقتنا الشعرية لا زالت بخير”؛ وأضاف “أردنا أن نخرج بالناس من أجواء التوتر والارتباك والرتابة إلى الحياة؛ الحيوية، والجمال”.
وتابع البريكي “نشعر أننا وفقنا في اختيار قائمة الشعراء وقد عمدنا إلى أن تضم المخضرمين والشباب معا، سواء في منصة الشعر أو في منبر النقد”.
ورداً على سؤال حول غلبة الأصوات التقليدية، قال البريكي “ليس صحيحاً القول بأن هناك تحيزا للشعر التقليدي؛ ثمة تنوّع وهو واضح جدا في مشاركات الشعراء فلقد تابعنا شعراء التفعيلة مثلما تابعنا شعراء القصيدة العمودية وهو أمر فكرنا به حين أعددنا المهرجان وقصدنا ان نتيح المجال للجميع ومن دون تحيز لأية فئة”.
من جانبه، دعا الشاعر طلال سالم مسؤول “نادي الشعر” باتحاد كتّاب وأدباء الإمارات إلى فتح المجال لقصيدة النثر وقال “نحتاج إلى أصوات من هذا اللون الشعري الجديد على رغم ان هذا المكان يخص الشعر العمودي أكثر من سواه، ولكني أدعو الشعراء الإماراتيين إلى الحضور وإلى تقديم انفسهم بدلاً من الانزواء، فغيابهم يحرمنا منهم ويحرمهم منا”.
وقال صاحب “برزخ الريح 2012” في رده على سؤالنا عن رأيه في الحضور الإماراتي فوق منصة المهرجان قال “إن الشعراء الإماراتيين الذين شاركوا معظمهم جدد وهذا توجه جميل يهدف إلى تقديم أصوات جديدة مهما كان مستواها فهي تمثل حالتنا الشعرية وعلينا ان نلح عليها”، وشدد سالم إلى أهمية إزالة الحواجز بين أنواع الشعر على اعتبار ان وجود كل التيارات والتوجهات الشعرية في مناسبة كهذه هو ما يكسبها ألقها وجمالها النابع من الاختلاف والمغايرة.
القصيدة التقليدية
بيد أن الشاعر الأردني راشد عيسى بدا مصرّاً على ان مثل هذه المهرجانات تخص شعراء القصيدة التقليدية وليس سواهم وقال “أعتقد جازماً الشعر في أساسه انشاء، أي منبريّ وقيمته الحقيقية في أن يُسمع لا في أن يُقرأ”، وأضاف “لأن بلاغة السمع أقوى من بلاغة البصر، حيث يستطيع المستمع ان يتفاعل مع التلوين التعبيري في صوت الشاعر وكذلك الأداء التمثيلي بينما في القراءة لا يسمع القارىء صوت الشعر انما يكتفي بما تقدمه العين”.
على ان عيسى يأخذ على بعض الشعراء المنبرين تحويلهم قصائدهم إلى “ نوع من الخطابة ويجعلون الشعر دورا اجتماعيا وسياسيا فيفسدونه لأن الموسيقى الشعرية إذا ارتفعت صارت مزعجة..”
وثمن عيسى دور بيت الشعر في الشارقة بخاصة إقامته لهذا المهرجان المهم والذي يضيف إلى الشعر تجارب شعرية جديدة ومتجددة تغني الساحة الثقافية العربية بشكل عام؛ كما ان الشعراء يفيدون أيضا في لقاءاتهم هنا بتبادل الخبرات ومد جسور التواصل وهنا تتجسد القيمة الجمالية والإنسانية لهذا الملتقى السنوي.
تجارب مهمة
وعن تجاور تجارب شعرية من أزمنة مختلفة تكلم الشاعر العراقي عمر عنّاز وقال إن تلك سمة مهمة في مثل هذه اللقاءات الشعرية وتابع “في تقديري إن اللجنة المنظمة للمهرجان أفلحت في انتقاء تجارب شعرية مهمة من أقطار مختلفة في الوطن العربي من حيث آليات الاشتغال والموضوعات التي تجلت في قصائد الشعراء ولعل الأمر الإيجابي الذي تبدى بشكل جلي هو الوصول بالمهرجان إلى هذه الدورة الحادية عشرة وفي ذلك ما يؤكد حرص الشارقة على ان تكون حاضنة للفعل الثقافي العربي وفيه ما يؤكد قدرتها العالية وإيمانها بأن هذا النشاط هو السبيل إلى التطور والارتقاء في كافة الصعد”.
أفق مفتوح
“كلما انغلقت آفاق القصيدة .. تفتح لنا الشارقة أفقاً جديداً” هكذا بدأ الشاعر اليمني عبد العزيز الزراعي إفادته، وتابع المبدع الفائز بجائزة شاعر المليون “في السنوات الأخيرة فتحت دولة الإمارات مجالها الثقافي واسعاً أمام العديد من الطاقات الابداعية العربية وخصوصا من البلاد المهمشة ثقافيا فجاء شعراء وقصاصون ونقاد وشاركوا بالمسابقات والملتقيات والمهرجانات واحتفوا كثيرا بحفاوة أهل الإمارات واستمرار مثل هذه المبادرات كفيل أن يزيد من مكانة هذا البلد وينهض به كثيراً وهذا ما نتمناه وأود ان اأشكر للشارقة تبنيها للأصوات الشعرية العربية الشابة سواء عبر مسابقاتها أو برامجها الأخرى كما أشكر القائمين على المشاريع الثقافية الكبرى في أبوظبي”.
تحديث
وأخيراً قال الناقد المغربي رشيد بنحدو عن دور المهرجان انه “تقليد لا يمكن للمرء إلا إن يثمنه وخصوصا في هذا الوقت، ولكن آمل إن يتطور المهرجان في السنوات المقبلة أكثر وأقصد بذلك ان يبحث عن أسماء جديدة وألا يقع في التكرار كما يجب أن ترافقه ندوة نقدية لأن النقد مهم لإضاءة التجارب الشعرية والفرز بينها” ودعا الناقد المغربي إلى إجراء تحديثات على فضاء الإلقاء الشعري بإدخال عناصر موسيقية أو”كويوغرافية/ راقصة” لإضفاء جمالية معاصرة على المشهد.