3 فبراير 2012
(القاهرة) - سمعت وقرأت وعايشت كثيراً حالات ونماذج النكد بين الأزواج، وكلها تدور أسبابها، حول افتقاد الحب بين الطرفين أو كثرة مطالب الزوجة، أو تقصيرها في حقوق زوجها، أو شؤون المنزل، أو معارضته في الرأي وعدم الاستجابة للزوج، وكنت أرى أنها جميعاً قد تكون مختلقة أو بسبب ضغوط الحياة، وأيضاً لاختلاف الطباع والأهواء، ويمكن بقليل من العقل والتريث تفاديها والارتقاء فوقها، ولا مشكلة بلا حل أمام التفاهم والنقاش الهادىء.
أعلم علم اليقين أنه لا يخلو بيت من خلاف، ولكن في حدود، لذا فقد كنت مستعداً لذلك، وأنا مقبل على الزواج، وحسبت حسابه وأعددت له العِدة، بداية من اختيار شريكة حياتي الذي هو الأساس في بناء الحياة الزوجية، ومن أهم مواصفاتها الهدوء وقلة الكلام إلا فيما يفيد، والاعتدال في الأمور، وأعرف ذلك فيها وتأكدت منه قبل الإقدام على طلب يدها، لكن عاداتنا وتقاليدنا لا تسمح بخلوة المخطوبين حتى لو تم عقد قرانهما، أقصى ما هو مسموح أن يراها وتراه، ومن ثم لم أعرف عنها إلا ذلك الهدوء، ورأيت أن ما بعده يستمد منه ويؤسس عليه، ولا أغفل أنني لست حكيم الزمان، واعترف بأن لي أخطاء مثل كل البشر، لكن في نفس الوقت أحاول أن أصلح منها ولا أكررها.
رأيي في زوجتي لم يتغير، بعد أن انتقلنا إلى عشنا، وكانت نظرتي فيها صحيحة بنسبة كبيرة، ولأن كلاً منا مجهول للآخر، فقد استطعت أن أوصل إليها رسالة واضحة بالحسنى، مفادها أن حياتنا تخصنا وحدنا ولسنا نسخة من أي أشخاص آخرين، ومن المهم إلا نقلد أحداً أو نتشبه به أو نحاكيه، ولا حتى ننظر إلى ما في يده، ووجدت منها قبولاً واقتناعاً بما أقول، بل واستجابة وتأكيداً، مع الأخذ في الاعتبار أن الخلاف في الرأي أو في الأمور والشؤون الحياتية وارد، والأهم هو ألا يخرج من باب مسكننا ولا يصل إلى أُذن أي شخص مهما كان من أسرتينا، ونعمل على حله فيما بيننا.
بعد الأسابيع الأولى من شهر العسل وعودتي إلى عملي، وجدت من زوجتي شكوى من الوحدة، حيث إنها لا تعمل ولديها وقت فراغ كبير وتصاب بالملل، وطلبت بأن تقضي بعضه عند أمها التي تقيم على مقربة منا، ولم يكن لديَّ مانع، فالأمر عادي خاصة أن زوجتي ليس لديها ما يشغلها بعد أن تنتهي من الأعمال المنزلية، وأيضاً لا يضيرني ولا أرى فيه بأساً، غير أنه مع مرور الأيام أصبح هذا حقاً مكتسباً، وتعدى ذلك كأنه واجب أن تذهب إلى أمها وتقضي معها معظم وقتها حتى لو كان ذلك على حساب راحتي وحقوقي، وكاد ذلك يكون نواة لأول مشكلة بيننا لولا أنني تراجعت وتغاضيت عنه حتى لا يبدأ الشقاق والخلاف لسبب تافه.
عقدت الأمل على أن تعود إلى صوابها وإلى بيتها مثل كل الزوجات عندما تنجب وتستقر في دارنا، خاصة أنها أصبحت تقيم مع أمها بشكل دائم بسبب آلام الحمل ومتطلباته وأنها غير قادرة على خدمتي أو خدمة نفسها، وأيضاً لم أجد مانعاً في ذلك وتمسكت بالصبر إلى أن يتم الوضع ورزقنا بطفلة جميلة تعلقت بها أكثر مما كنت أتوقع، غير أن زوجتي استمرت في الإقامة في بيت أبيها بحجة أن هذه أول تجربة أمومة لها ولا تعرف كيف تتعامل مع الصغيرة التي تحتاج إلى خبرة أمها فيها، ولم أجد مانعاً من الموافقة لأن في كلامها إقناعاً، وإن كنت لا أرضى عن هذا كله، خاصة وأنه استمر حتى بعد زوال أسبابه، وأصبحت زوجتي لا تستطيع أن تقيم في بيتي بشكل دائم مثل كل الزوجات، أصبحت هذه الحجج وسيلة لاستدراجي للانصياع لما تريد.
كان أوَّل إخلال من زوجتي الوديعة أن حاولت الوقيعة بيني وبين أسرتها، عندما طالبتها بالعودة إلى المنزل فاتهمتني بأنني لا أحب أهلها ولا أريد التعامل معهم وفوق ذلك أسعى لمنعها من زيارتهم، وهي تعلم أن ذلك كله لا صحة له جملة وتفصيلاً، وعندما عاتبتها قالت إنها لا تجد تفسيراً لموقفي إلا ذلك، لأنه لا يعقل أن أمنعها من زيارة أهلها، ولم أستطع أن أوضح لها الحقيقة الظاهرة مثل ضوء الشمس، لأنها أغلقت عقلها ولا تريد أن تفهم أو تقتنع إلا بما في عقلها.
أدركت أنني ربما أكون أخطأت في تقديري من البداية عندما سمحت لها بما فعلت وبما جعلها تتجاوز مطلبها وحقها البسيط إلى أن أصبح ما تفعله حقاً وهو القاعدة وما غيره هو الاستثناء، قررت أن أضع النقاط فوق الحروف، ولابد من وقفة حاسمة تعيد إلى بيتي طبيعته، وقررت ألا تذهب إلى أمها إلاّ معي أو عند الضرورة، وإن خالفت لا تعود مرة أخرى، وعندما لاحظت الجدية في كلامي استجابت، لكنها أصبحت في حالة بكاء شبه مستمر، لازمتها الكآبة والنكد، تتفنن في خلق الخلاف والشقاق بكل السبل، اكتشفت أن لديها قدرة فائقة على افتعال واختلاق المشاكل حتى في المواقف السعيدة والمناسبات السارة والأفراح.
ومن مبدأ أن خير وسيلة للدفاع الهجوم، استمرت زوجتي في ممارسة هوايتها النكدية، بأن تشكك في كل تصرفاتي، إذا فعلت شيئاً تحاسبني لماذا فعلته وأيضاً إذا لم أفعله، لم لم أفعله، على سبيل المثال إذا اشتريت لها هدية، فإنها ترى أنني فعلت ذلك للتكفير عن خطيئة ارتكبتها وهي لا تعرفها، وإذا لم أفعل، تلومني على أنني لا أهتم بها، لو عدت مبكراً ساعة من عملي، فربما أكون من وجهة نظرها لم أذهب إلى العمل أصلاً في هذا اليوم، وإذا تأخرت يوماً أكون قد قضيت هذا الوقت مع امرأة أخرى أو على الأقل مع شلَّة الأنس في الكلام واللهو وعلى المقهى، وإذا هاتفتني إحدى زميلاتي في العمل فلابد أنني على علاقة بها وسأتزوجها، أما صديقي فهي ترى أنني أتعامل معه لأنني أعتزم الزواج من أخته وهي تعلم أنها مخطوبة، ولا تفسير عندها لكل علاقاتي إلا من هذا القبيل.
ألغت زوجتي عقلها أو فقدته تماماً وهي تواصل هذه التصرفات الحمقاء التي أعياني دواؤها، نكثت عن كل وعودها وما اتفقنا عليه في بداية حياتنا الزوجية، ولا أبالغ إذا قلت أنها تتعمد أن تفعل ذلك لأنها تعلم أنه يضايقني ولا أرضى عنه، وكل ذلك من أجل أنها تريد أن تقيم مع أمها بشكل كامل، والأغرب من ذلك أن أسرتها توافقها على مطلبها وهم لا يعلمون ما تفعله معي لأنني لم أعلم أحداً بما تفعل لأنني لا أحب أن يعرف أحد أي شيء عن أسرار بيتي، ومن ناحية أخرى عملاً بما اتفقنا عليه من قبل.
تحوَّلت حياتي إلى مستنقع من النكد، يفور ويتكاثر، وجحيم مقيم لا قبل لي بالتعامل معه أو إخماد جذوته، ما كان لي أن أتحمل هذا كله إلا من أجل بناتي الصغيرات اللاتي لا أريد لهن أن ينشأن يتيمات بعيداً عن أحدنا ونحن على قيد الحياة، في حالة الطلاق، وتخيلوا بعد هذا كله ما فعلت زوجتي عندما كنت مسافراً في مهمة عمل لمدة أسبوع بعيداً عن المدينة التي نقيم فيها فبعد يومين فوجئت بعدد من رجال الشرطة في المكان الذي كنت فيه وهو شبه صحراوي، وقد جاءوا من أجل إنقاذي، لان زوجتي قدمت بلاغاً إلى البوليس بأنها تلقت اتصالاً هاتفياً من مجهول يخبرها بأن عصابة اختطفتني وتطلب فدية لإطلاق سراحي، وإلا فإنهم سيتخلصون مني، وكما قالت في بلاغها فإنها تخشى أن يصيبني مكروه، إلا أنه بالتحقيق كانت المفاجأة أو المصيبة الكبرى والخدعة التي لا ترد على فكر إبليس نفسه، أنها فعلت ذلك لأنها تشك أنني لست في مهمة عمل وأنني مع فتاة وربما أكون أتزوج، فأرادت أن ينكشف أمري بشكل رسمي وتستطيع أن تعرف الحقيقة الكاملة.
أما عن مطالبها فحدث ولا حرج، لا تعرف شيئاً اسمه القناعة، تنظر إلى كل ما في أيدي الناس، وفي يقينها أننا أقل البشر حظاً في الدنيا، مع أننا من أواسط الخلق ونعيش في ستر وإن كنا لسنا في رغد، وتكثر في الطلب عندما تعرف أنني في حالة ضيق أو في نهاية الشهر ولم أحصل على راتبي بعد.
حتى الصغيرات نالهن قسطاً كبيراً من هذا النكد الذي يلقي بحممه على الجميع، فتوجه لهن الدعوات بالمرض والموت والفشل وتتمنى اليوم الذي تتخلص فيه منهن بأن يذهبن في أي مصيبة، وهذه أخف كلمات قاموسها معهن، فهن من وجهة نظرها ابتلاء لا تستطيع أن تتحمله، ولا يفوتها أن تعرج عليّ بذلك، ولكن عن طريق التورية وتوجيه الكلام مباشرة إلى إحداهن بينما هي تقصدني.
قناعاتي وحكمتي واحتياطاتي لا محل لها ولا قيمة أمام منبع النكد والتكدير، أرفع الراية البيضاء بالاستسلام، أعترف أنني كنت واهما عندما كنت ألوم المختلفين من الأزواج والزوجات، قدراتي لا تستطيع تقويمها، وإمكاناتي لا يمكنها التحمل، فأنا بين نارين، إما الاضطرار لقبول الأمر الواقع مع قسوته، وإما الانفصال، وهنا فإن بناتي البريئات هُنَّ أوَّل من يتحملن العبء الأكبر من خطأ اسمه الزواج ارتكبته أنا وهن يدفعن الثمن.