أكد كريستيان فولف رئيس جمهورية ألمانيا الاتحادية أهمية تعزيز العلاقات الاقتصادية مع الإمارات، لاسيما في مجالات السياسة والأعمال والعلوم والثقافة.
وقال فولف خلال الملتقى الإماراتي الألماني للأعمال الذي نظمته دائرة التنمية الاقتصادية بأبوظبي، وغرفة تجارة وصناعة أبوظبي أمس بمقر الغرفة، إن الإمارات تعد الدولة الوحيدة في المنطقة التي تجمعها شراكة استراتيجية مع جمهورية ألمانيا الاتحادية.
وأضاف “مع استمرارية اتساع نطاق هذه الشراكة، فإنها ستبقى من الأولويات بالنسبة إلينا في المستقبل”.
وتابع “العلاقات الاقتصادية المتميزة التي تربط البلدين، تعتبر العلامة الأكثر وضوحاً للعيان ضمن شراكتنا، إذ تعد دولة الإمارات، الشريك التجاري الأول لجمهورية ألمانيا الاتحادية في منطقة الخليج، مع نمو التعاون وازدهاره، لاسيما في مجالات الأعمال والتجارة، وهو ما يبين مدى متانة الأساس الذي تقوم عليه العلاقات الاقتصادية الوطيدة ما بين بلدينا، كما يبين ماهية الفرص الفريدة السانحة أمامنا للمضي قُدُماً معاً”.
حضر الملتقى معالي الشيخة لبنى القاسمي وزيرة التجارة الخارجية، ومعالي ناصر أحمد السويدي رئيس دائرة التنمية الاقتصادية في أبوظبي، وعبدالله المسعود رئيس مجلس الأعمال الإماراتي الألماني، ومحمد ثاني الرميثي رئيس اتحاد غرف التجارة والصناعة بالدولة رئيس مجلس إدارة غرفة تجارة وصناعة أبوظبي، وعدد من رؤساء ومديري الشركات العاملة في إمارة أبوظبي، وممثلو الشركات الألمانية المرافقة للرئيس الألماني.
وقال الرئيس الألماني “الظروف ملائمة لتطوير العلاقات بين البلدين، لاسيما أن اتفاقية منع الازدواج الضريبي والتي تم تحديثها، تتيح وضوحاً بشأن قضايا الضرائب، كما تذهب اتفاقية حرية النقل الجوي إلى نطاق أبعد مما اتفقنا عليه مع دول أخرى”. وأشار فولف إلى رغبته في المزيد من توثيق العلاقات بين البلدين، مشيداً بنشاط المجلس الألماني الإماراتي المشترك للصناعة والتجارة، والذي تم تأسيسه منذ عامين، فضلاً عن اجتماع اللجنة الاقتصادية المشتركة كل عامين، وانعقاد ملتقى الأعمال الألماني الإماراتي في ألمانيا كل عام.
وذكر أن نحو 750 شركة ألمانية تحتفظ بمكاتبها في الإمارات أو لديها حضور بشكل ما، فضلاً عن وجود رغبة لدى الكثيرين من أعضاء الوفد الألماني من كبار رجال الأعمال الألمان، للعمل في الإمارات.
وذكر أن دولة الإمارات وضعت لنفسها أهدافاً طموحة، ولديها الرغبة في تعزيز قطاعها الصناعي وتوسيع نطاق قاعدتها الاقتصادية، وهذه الأهداف قابلة للتحقيق، من خلال الديناميكية الاقتصادية للدولة، وأيضا من خلال تكثيف التعاون الاقتصادي مع جمهورية ألمانيا الاتحادية، حيث تقدم الشركات الألمانية الجودة العالية والتقنية المتميزة الجديرة بالثقة والاعتماد عليها، لاسيما في مجالات تطوير البنية التحتية أو الهندسة الميكانيكية.
الطاقة المتجددة
وأوضح أن الطاقة تعتبر مجالاً رئيسياً آخر فيما يخص التعاون المستقبلي ببين البلدين.
وقال “نواصل اليوم التعامل مع مرحلة انتقالية إلى نظام اقتصادي عالمي جديد، ويتوجب لإمدادات الطاقة أن تواكب سرعة التحول الصناعي والموارد الأكثر ندرة والاحتياجات المتزايدة للطاقة”.
وأضاف “من المهم تأصيل جذور الطاقة في الاستدامة وحماية البيئة، ودولة الإمارات على دراية تامة بهذا رغم امتلاكها سادس أكبر احتياطيات النفط وسابع أكبر احتياطيات الغاز الطبيعي في العالم”. وذكر أن دولة الإمارات تحتضن مقر الوكالة الدولية للطاقة المتجددة (آيرينا) وتوفر له الدعم والمساندة، كما أن الإمارات تضطلع بدور رائد في المنطقة من حيث مفاوضات الحد من التغير المناخي العالمي، مشيراً إلى توافق البلدين إلى حد كبير في هذا المجال.
وأشاد الرئيس الألماني بالخطوات التي قامت بها الإمارات لحماية البيئة وتوسيع استخدامات الطاقة البديلة لتخفيض الانبعاث المرتفع لغاز ثاني أوكسيد الكربون، لافتاً إلى اهتمامه بزيارة “مدينة مصدر” للاطلاع على المزيد عن التطور الحاصل في المشروع ذي الاعتماد الكلي على الطاقة النظيفة، لاسيما أن شركة سيمنز الألمانية العالمية تعد شريكاً استراتيجياً في المشروع خالي الانبعاثات.
وقال “عند الحديث عن حماية البيئة والطاقة المتجددة والحلول الإستراتيجية لتطبيق التقنيات النظيفة في أنظمة تزويد الطاقة، فإنه ينظر لألمانيا باعتبارها أحد أهم قادة التطور التكنولوجي في هذا المجال، وهو ما يمثل فرصة كبيرة للمزيد من التعاون للحصول على طاقة مستدامة”.
الأزمة الأوروبية
أكد الرئيس الألماني أن النفوذ الاقتصادي والسياسي لدول الخليج يكبر يوماً بعد يوم وهذا ما كان جلياً في قمة دول العشرين الأخيرة، في كان، حيث شاركت الإمارات في القمة للمرة الأولى.
وذكر أن قمة دول العشرين انتهت بخطط طموحة بعد أزمة اقتصادية عالمية حيث برزت هذه الخطط كجزء من الإدراك من أن تحرر الأسواق المالية تجاوز المعقول.
إلا أنه استدرك بالقول إن آخر قمة لدول العشرين في “كان” لم ينتج عنها التقدم الذي يحتاجه العالم بشدة.
فعلى سبيل المثال، فإن مراقبة وتنظيم القطاع المالي لم يتم كما يجب، وكذلك بالنسبة لخطوط توجيه لأنظمة متعلقة ببنوك رئيسية، وكل التوجهات التي عمل بها إلى الآن لا تتماشى مع حجم المشاكل التي أظهرتها الأزمة.
وقال الرئيس الألماني “ألمانيا تعد أكبر اقتصاد في أوروبا لديها ارتباطات دولية وتنافسية قوية ولدينا قوتنا الصناعية والتقنية، ولكن اقتصادنا غير منيع في مواجهة ما يحصل من تطورات على الساحة الدولية”. وأوضح أن الدين الكبير وفقدان التوازن الاقتصادي وضعف التنافسية في العديد من الدول أضعف الثقة في أسواق المال العالمية، وبالطبع فإن هذه الظاهرة غير مقتصرة على أوروبا.
وقال الرئيس الألماني “ينظر إلى أوروبا اليوم باعتبارها منطقة ذات مشاكل كبيرة، ولكني أؤكد لكم أن قادة أوروبا السياسيين يعملون بجهد لحل أزمة الديون السيادية وحماية اليورو، ولكن هذا بالطبع تحد عالمي يحتاج إلى جهود العديد من الدول حيث تم تضخيمها من قبل الأزمة المصرفية كنتيجة للمجازفة الزائدة وحجم التبادل التجاري”.
وأضاف “تعمل أوروبا على تقوية إطار الاتحاد النقدي إضافة إلى إدخال إصلاحات اقتصادية واسعة وإلزام الموازنات في المناطق التي تحتاجها بشكل كبير، كما أن ألمانيا تقود اتحاداً مالياً ثابتاً”.
وقال “أرحب باتفاق منطقة اليورو على اتخاذ خطوة مهمة في هذا المجال مع نهاية الأسبوع الماضي، حيث تم تحديد ظروف أطر العمل”.
وأعرب الرئيس الألماني عن تفاؤله الكبير بمستقبل علاقات التعاون بين دولة الإمارات وألمانيا، مشيراً إلى أن البلدين قادران على تقديم المساعدة لمواجهة التحديات العالمية.
التبادل التجاري
من جانبه، ذكر معالي ناصر أحمد السويدي رئيس دائرة التنمية الاقتصادية في أبوظبي، أن واردات الإمارات من ألمانيا بلغت نحو 13,1 مليار درهم (2,7 مليار يورو) خلال النصف الأول من عام 2011، كما ارتفعت الصادرات الإماراتية إلى ألمانيا لاسيما من الألمنيوم.
وقال السويدي، خلال كلمته بالملتقى، إن التبادل التجاري والاستثماري بين البلدين، ساهم في تحويل الإمارات إلى بوابة لألمانيا في منطقة الخليج، وجعل من ألمانيا بوابة للخليج في أوروبا.
وأوضح السويدي أن توقيع البلدين عدداً من الاتفاقيات الاقتصادية، مثل اتفاقية حركة الملاحة الجوية، واتفاقية منع الازدواج الضريبي، واتفاقية تشجيع وحماية الاستثمار، يهدف لزيادة وتشجيع الاستثمارات بين الجانبين.
وأشار إلى أن ألمانيا تحتل المرتبة الرابعة على قائمة الشركاء التجاريين للدولة.
وقال السويدي “العلاقات الاقتصادية بين ألمانيا ودولة الإمارات ترجع إلى عام 1972، وهي السنة التالية لقيام الاتحاد الذي نحتفل بعيده الأربعين حالياً، وهي علاقات بُنيت على الشراكة والتعاون، وتميّزت بالمتانة التي تضمن تحقيق مصالح البلدين”.
وأشار السويدي إلى أن دولة الإمارات تولي الاهتمام بتعزيز التعاون مع ألمانيا، كونها ذات ثقل على المستوى الاقتصادي العالمي، حيث تمتلك أكبر اقتصاد بين دول الاتحاد الأوروبي، ورابع أكبر اقتصاد في العالم، ولديها خبرة واسعة وتقنيات متطورة، وتمتلك تأثيراً كبيراً في القرارات العالمية، وتؤدي دوراً ريادياً في الاتحاد الأوروبي.
وذكر أن المناخ الاستثماري في ألمانيا يتميز بالبنية التحتية المتطورة، والكفاءة العالية لأسواق رأس المال، كما تحظى المنتجات الألمانية بثقة كبيرة لجودتها العالية. وأشار السويدي إلى أنه وبهدف تعميق العلاقات بين البلدين دخلت الإمارات وألمانيا في شراكة إستراتيجية عام 2004، وازدهرت من خلالها العلاقات الثنائية بين البلدين، وأصبحت دولة الإمارات حالياً أهم شريك تجاري لألمانيا في منطقة الشرق الأوسط.
ولفت إلى تأسس المجلس الألماني الإماراتي للصناعة والتجارة في مايو 2009 لتوثيق التعاون التجاري والصناعي بين البلدين الذي يُعد مرحلة متقدمة من التعاون والتنسيق على أعلى المستويات بين ألمانيا والإمارات، لاسيما أنه يعتبر أداة للتعاون الدولي في مختلف المجالات الاقتصادية بين البلدين، ومنصة اقتصادية تعمل على تطوير العلاقات الاقتصادية والتجارية، وتبادل الاستثمارات والخبرات.
وأضاف أن المجلس يهتم كذلك بتنمية الموارد البشرية والتدريب المهني، وخاصة المهن الصناعية والتقنية، إضافة إلى دعمه المشاريع الصغيرة والمتوسطة التي تحظى بأهمية كبيرة في كلا البلدين، بما يساهم في تطوير العلاقات الاقتصادية والاستثمارية بين المؤسسات والشركات التابعة للبلدين، وإتاحة الفرص للمزيد من الاستثمارات، وتحقيق مكاسب ومنافع اقتصادية لكلا البلدين.
وأوضح السويدي أن الشراكة الاقتصادية الاستراتيجية بين البلدين تأتي نتيجة تنوع وكثرة المشاريع المشتركة بين البلدين في قطاعات الصناعة، والتجارة، والسياحة، والطاقة المتجددة، والبيئة، والطيران، وتحلية مياه البحر، والتطوير التكنولوجي والبحث العلمي.
وقال “نظراً لما تتمتع به ألمانيا من ريادة على مستوى العالم في مجال الطاقة المتجددة، فهي تسهم في تطوير مشروع مدينة «مصدر» في أبوظبي، كما أن هناك آفاقاً واسعة من الإمكانات لتوسيع العلاقات القائمة، والمساهمة في تعميق الشراكة الاستراتيجية بين البلدين”.
وأضاف أن الشراكة الألمانية الإماراتية، تشمل استثمارات إماراتية في ألمانيا، مثل استثمارها في شركات بناء أحواض السفن في شمالي ألمانيا.
وذكر أنه ومن خلال التعاون مع السفارة الألمانية في أبوظبي، والقنصلية الألمانية في دبي، إضافة إلى وكالة التجارة والاستثمار الألمانية، يتم تنظيم لقاءات مستمرة لإطلاع الشركات الألمانية العاملة في الإمارات على التطورات الاقتصادية فيها، ولإتاحة فرص التعارف والتعاون بين المستثمرين ورجال الأعمال من الجانبين، ويُعد هذا الملتقى فرصة كبيرة للقاء رجال الأعمال الألمان والإماراتيين وصناع القرار، للتعرف على الفرص والبيئة الاستثمارية في كلا البلدين.
تعزيز الاستثمارات
من جانبه، أكد عبدالله المسعود رئيس مجلس الأعمال الإماراتي الألماني عمق ومتانة وقوة العلاقات الاقتصادية بين دولة الإمارات وألمانيا، مشيراً إلى أن مجلس الأعمال الإماراتي الألماني المشترك يعمل على تفعيل وتنشيط التعاون بين الشركات الإماراتية والألمانية ويحث الشركات الألمانية على تعزيز استثماراتها والاستفادة من الفرص الاستثمارية التي توفرها الجهات المعنية في إمارة أبوظبي.
وتم خلال الملتقى تقديم عرض عن رؤية أبوظبي الاقتصادية 2030 قدمته نورة النويس مدير إدارة الأعمال الدولية في دائرة التنمية الاقتصادية.
وأشارت النويس إلى معالم خطة التنويع الاقتصادي في أبوظبي والتي يتم تنفيذها منذ سنوات قليلة عبر تأسيس مشاريع صناعية عملاقة في قطاعات الطيران والبتروكيماويات وغيرها بما سيؤدي إلي تقليص نسبة مساهمة النفط في دخل الإمارة. كما قدم خالد سالمين نائب الرئيس التنفيذي للمناطق الصناعية في شركة أبوظبي للموانئ، عرضاً مفصلاً عن مشاريع مدينة خليفة الصناعية “كيزاد” والفرص التي توفرها للمستثمرين والشركات الأجنبية.