في هذا الزمن الجاف القاسي، تحتاج إلى شخص يرطب حياتك ويجعلها أكثر دفئاً وحميمية، إلى صدر رحب يضمك ويحتويك في أوقات الكدر، إلى بحر واسع تصب فيه كل ما يعتريك من ضيق وفرح، إلى إنسان يحبك ويخاف عليك··· تحتاج إلى صديق·
والصديق الحقيقي هو توأم روحك الذي ترتاح للحديث معه في جميع حالاتك، فهو يحبك كما أنت، ويقبل عذرك ويسامحك إذا أخطأت، يقف معك في السراء والضراء، في الغنى والفقر· يحبك بالله وفي الله دون مصلحة مادية أو معنوية، يؤثرك على نفسه ويسعى في حاجتك إذا احتجته دون أن تطلب ذلك·
إذا كنت تعرف شخصاً بهذه المواصفات فلديك كنز ثمين، حيث يرى كثيرون أن صداقات اليوم مرحلية، وتقوم على المصلحة بالدرجة الأولى، فهل أصبحت الصداقة الحقيقية عملة نادرة في زمننا؟ وما هي شروط وحدود هذه العلاقة الإنسانية؟·
تحقيق- فداء طه:
يقول غسان طوفان إن ''الصديق الحقيقي يظهر وقت الشدة، وهذا ما حصل معي، فقد تعرضت لمشكلة كبيرة وتوقعت أن يهب الأصدقاء لمساعدتي، لكن الجميع تخلى عني ما عدا واحداً منهم وقف معي وقفة لم يقفها أخي·· وهكذا، عرفت أنه الصديق الحقيقي بينهم، ولن أنسى موقفه هذا ما دمت حياً''·
ولا تنفي هنية فتحي، معلمة، وجود صداقات حقيقية لكنها تركز على ضرورة اختيار الصديق الجيد؛ لأن ''كل قرين بالمقارن يقتدي'' والصديق السيئ يؤثر على صديقه· ويخطئ من يعتقد أنه من الممكن أن يحصل على صداقات كثيرة لأن الصداقة الحقيقية تتحقق مع شخص أو اثنين أما الباقي فزمالة أو معارف·
المصلحة تغلب
من جهته يرى أحمد التركماني أن أهم شرط يجب أن يتوافر في الصديق هو كتمان السر، والوفاء بالوعد، وتقديم المساعدة لصديقه من دون أن يطلب منه، لكن هذه المواصفات لم تعد متوافرة كثيراً في وقتنا هذا الذي تطغى فيه المادة والمصالح، بيد أن هذا لا ينفي وجود الأصدقاء بقدر ما يعني أن فرصة الحصول على صديق جيد قليلة·
ويذهب أبوبكر خميس، أبعد من ذلك، فيؤكد أن صداقة المصلحة تشكل 95% من العلاقات، وأن الصداقة الحقيقية نادرة جداً، نظراً لكثرة مشاغل الناس واللهاث وراء المادة·
يضيف: ''وجود صديق واحد هذه الأيام نعمة كبيرة جداً، وأنا أحمد ربي أن لي صديقاً أئتمنه على مالي وأسراري، فالصديق الجيد أفضل من الأهل أحياناً''·
صداقة الإخوة
أما أخوه صالح خميس، الذي تربطه بأخيه صداقة وطيدة، فيرى أن الصداقة بين الإخوة هي أجمل صداقة، فهي تدوم إلى الأبد لأنها تقوم على المحبة الخالصة والثقة التامة· ''فأنت تعلم تماماً أن أخوك يحبك ويريد مصلحتك، وإذا أخبرك بأنك مخطئ فهو يريد لك الخير''·
من جانبه يقول محمد سلهب: ''كانت الصداقة فيما مضى تحمل معاني إنسانية كثيرة أما في هذه الأيام، في زمن العولمة والمادة، فقد تغيرت المفاهيم وصارت المصالح هي التي تحدد الصداقات، ومن كان لديه صديق واحد فهو يمتلك كنزاً· ومع هذا، لا يزال في الدنيا خير ولا يخلو الأمر من صداقات حقيقية تجدها غالباً بين الجيران، وصداقات مرحلة الدراسة الجامعية''·
واحد يكفي
وتؤمن ولاء طوقان بأن صديق واحد يكفي، قائلة: ''لي صديقة واحدة فقط وتكفيني، فالصديق هو الذي يعرف عيوبك ويتحملها، ويشاركك ضيقك وفرحك، ويتمتع بالأمانة وكتمان السر، ومن الصعب أن تجده هذه الأيام، وإذا وجدته فأنت محظوظ''·
وتؤيدها شقيقتها وفاء طوقان، بأنه ''من الصعب أن يجد الواحد هذه الأيام صديقاً حقيقياً ولكنه ممكن، وأنا لدي صديقة واحدة منذ أيام الدراسة، أحبها لأنها تفهمني وتعرف ما بي ولا تريد مني مصلحة على غرار ما تفعل كثير من الفتيات اللواتي يتقربن من الأخريات إما للتعرف من خلالهن على شخص آخر أو للمساعدة في شيء ما''·
شفاء للنفس
ويعرف جمال الطويل، اختصاصي علم اجتماع، الصداقة بأنها علاقة عاطفية إنسانية نبيلة فيها كثير من الحب والاحترام المتبادل بين طرفين يتفقان في كثير من الأمور المشتركة كالطباع، والذوق، والقيم، والأفكار، وغيرها، وقد اشتقت الصداقة من الصدق لأنه العامل الذي يحدد بناءها ونجاحها·
ويرى الطويل أن المرء لا يستطيع أن يعيش دون أصدقاء، ولكن علينا أن ندقق في اختيار هذا الصديق، بحيث تتوافر فيه صفات كالصدق، والإخلاص، فالصداقة الحقيقية علاقة ترتقي إلى درجة الحب، من حيث السمو والرفعة، فالصديق يغفر الزلات ويقدر الظروف، ينشر محاسنك ويخفي عيوبك، ويقف معك وقت الشدة، ويروح بعض علماء النفس إلى أنها شفاء من بعض الأمراض النفسية·
الاختبار يحدد نوع الصداقة وماهيتها، ولا بد أن توضع لها حدود من البداية، فهناك أمور يجب ألا تفشى لأحد مثل الأسرار الزوجية، وفي هذا الموضوع بالذات- يقول الطويل- أجد أن الصداقة بين الزوجين هي مفتاح الحل للكثير من المشكلات الزوجية، وأنا أنصح الأزواج بتحويل علاقاتهم الزوجية إلى صداقة، وهنا يصبح الزوج هو أفضل الأصدقاء، فلا تخجل الزوجة من البوح له بمشاعرها وهمومها مهما كانت، وهو كذلك، ولا تخشى من أن يفشي أسرارها لأنها وضعتها في مكان أمين·
إذا اكتشف المرء أنه مخدوع بصديقه، أو أنه أفشى أسراره، أو تخلى عنه في وقت الشدة أو بات يختلف عنه من حيث التفكير والسلوك، ينصح الطويل بالابتعاد عنه ولكن بهدوء، حيث تنقلب الصداقة إلى عداوة، والمثل يقول: ''احذر عدوك مرة واحذر صديقك ألف مرة''·