5 ديسمبر 2011 21:03
مع حلول فصل الشتاء، تبدأ أشباح أمراض البرد تحوم حول الأنوف والحناجر. فالأنوف قد تبدأ في السيلان، والآلام قد تتسرب إلى الأضلع والمفاصل، وقد يتداعى الجسد بالحمى. تتوجه لزيارة أقرب عيادة أو مستشفى، فتجده مكتظاً بعشرات المرضى ذوي الأنوف المزكومة والحلوق المجروحة والحناجر المحشرجة من أطفال وشيب وشباب، فيهون عليك مُصابك وتُدرك أنك لست الوحيد الذي يُعاني في موسم البرد والشتاء، موسم تنشط فيه الجراثيم والبكتيريا وتنتقل من شخص إلى آخر بسبب طول وجودنا بالقرب من بعض داخل الأماكن الموصدة، فيغدو كل شبر في هذه الأماكن وسيلةً لنقل الجراثيم، بدءاً بلوحات مفاتيح الحواسيب، إلى مقابض الأبواب، إلى الهاتف المستخدم بالمكتب، إلى مقعد الانتظار في البنك أو المشفى أو المقهى، إلى أزرار المصاعد، ووصولاً إلى عربة التسوق.
تنتشر الجراثيم بسرعة قياسية من خلال التماس بالأيدي، وملامسة سطح ملوث برذاذ عطسة شخص مصاب بالزكام أو السعال أو غيره من أمراض البرد الموسمية. ويبلغ معدل إصابة البالغين بالزكام ما بين مرتين إلى أربع مرات في السنة، في حين يرتفع هذا المعدل لدى الأطفال ليصل من ست إلى عشر مرات في السنة، غالبيتها في أشهر فصلي الخريف والشتاء. وتُفيد مراكز مراقبة الأمراض والوقاية في الولايات المتحدة الأميركية أن ما بين 5% إلى 20% من الأميركيين يُصابون بالإنفلونزا، منهم 200 ألف تستدعي حالاتهم بقاءهم في المستشفى.
ويقول جيف ديموند، المتحدث الرسمي باسم مراكز مراقبة الأمراض والوقاية، “إن الفرق بين الزكام المعروف والإنفلونزا يكمن في درجة حرارة الجسم. فالإنفلونزا تأتي عادةً مع الحمى والأوجاع والآلام وصعوبة التنفس الرئوي. أما الزكام، فيتصاحب أكثر مع صُداع الرأس، دون أن يُصيب باقي أطراف الجسد. لكن كليهما يُعتبر مُعدياً حتى قبل أن تظهر الأعراض”. ويبلغ متوسط المدة التي يجثم فيها الزكام على المريض ما بين أسبوع واحد إلى عشرة أيام. أما الإنفلونزا، فتمكث مدةً أقل، لكنها تُتعب الجسد أكثر. فهي تجثم على أنفاس الشخص من يومين إلى خمسة أيام، بيد أن المصابين بها يعانون أكثر بكثير من المصابين بالزكام، إذ قد يمتد شعورهم بارتداداتها من عياء وجفاف إلى أيام الأسبوع التالي.
الحرب على الجراثيم
يقول ديموند إن أول وسيلة وقاية ضد الأمراض ومحاربة الجراثيم هي غسل اليدين. “راقب حركة يديك جيداً ولا تُطلق لهما العنان. فلا تمسح أنفك بيدك ثم تلمس زر المصعد. واعلم أن أي فيروس يمكنه أن يعيش ست ساعات في زر واحد صغير من أزرار المصعد. وتخيل كم من شخص سيلمس ذلك الزر خلال ست ساعات، وكم من يد ستتلوث بهذا الفيروس ثم تنقله إلى آخرين عند المصافحة أو لمس متعلقاتهم الشخصية”.
وتوصي مراكز مراقبة الأمراض والوقاية بغسل اليدين جيداً من باطنهما وظاهرهما (راحة الكف وظهر الكف) بالماء والصابون كل مرة لمدة لا تقل عن 20 ثانيةً، ثم تجفيفهما بمنشفة شخصية نظيفة. ومن بين الحالات التي يؤكد الأطباء على ضرورة غسل اليدين قبلها وبعدها هي قبل الأكل وقبل إعداد الطعام، وبعد ارتياد الحمام، وإفراغ الأنف، وتغيير حفاضات الطفل، وبعد الانتهاء من العناية بشخص مريض.
وفي حال كان غسل اليدين بالصابون أمراً غير قابل للتطبيق بسبب عدم وجوده مثلاً، فيمكن الاستعانة بمعقم اليدين. فمعقمات اليدين أصبحت في وقتنا الحاضر موجودةً ومتاحةً في معظم الأماكن، وحتى إن لم تكن، فمن المهم اعتبارها من المستلزمات الشخصية التي يفضل للمرء أخذها معه أينما حل وارتحل.
وتقول آن ريكسينجر، أخصائية الأمراض المعدية، إن إفرازات الأنف عادةً ما تكون سالكةً في بداية الإصابة بالزكام، لكن هذه الإفرازات تُصبح أثقل وأكثر سماكةً كلما تفاقمت حالة المصاب. وتنصح ريكسينجر المصاب بالزكام بتوخي الحذر وعدم مسح العينين نظراً لأن قيامه بذلك قد ينقل الجراثيم إلى القنوات الدمعية ثم تصل بعدها إلى الجهاز اللمفاوي. وتضيف “لو افترضنا أن لا أحد من المصابين البالغين ينكش أنفه، فإن علينا أن نُعَلم الأطفال قواعد النظافة السليمة، وذلك من خلال حثهم على استخدام المحارم عند لمس أو نكش أنوفهم، والاحتفاظ دوماً بعبوات تعقيم اليدين”.
الابتعاد عن المصابين
توصي ريكسينجر بالحرص على الابتعاد بضع أقدام عن الشخص المصاب من زملاء العمل أو المتعاملين في مؤسسة ما، وتنصح بأن يقف الشخص ما لا يقل عن ستة أقدام بعيداً عن الإنسان المصاب حتى لا تنتقل إليه العدوى. وتُردف “يجب على كل شخص مصاب بالزكام أو الإنفلونزا أن يغطي فمه عند السعال أو العطاس. وإذا لاحظت أن ابنك في البيت أو زميلك في العمل لا يغطي فمه عند العطس، فلا تتردد في دعوته إلى فعل ذلك بلين ورفق، لكن لا يجب تغطية الفم عند العطس بأحد الكفين أو كليهما، بل بمحارم أو مخدة-في حال كان الشخص ملقى على السرير. فذلك أضعف أصول اللباقة والأدب”.
وينصح ديموند كل شخص مُصاب أن يُحاول قدر الإمكان المكوث في البيت وتجنب الذهاب إلى البيت أو العمل، وإلا فإن احتمالات نقله العدوى إلى الآخرين يُصبح أمراً مؤكداً أو حتمياً. وبالإضافة إلى ذلك، يوصي ديموند بمسح الشخص لكل الأسطح التي يلمسها من مكاتب أو طاولات أو هواتف أو مقود سيارة بمنظفات أو معقمات بشكل دوري.
التطعيم السنوي
إن أفضل حماية ضد فيروس الإنفلونزا هي تلقي تطعيم سنوي ضد الإنفلونزا. فالحصول على حقنة سنوية تكفي الإنسان شر المعاناة مع أمراض البرد كلما حل فصل الخريف أو الشتاء. كما أنها تمنع نقل الفيروس في حال الإصابة به إلى الآخرين من المحيطين به في العمل، أو العائشين معه في البيت تحت سقف واحد. ويقول ديموند إن تطعيمات الوقاية من الإنفلونزا متوافرة ومتاحة للجميع، لذلك يُفضل الإسراع بأخذها نظراً لأن مفعولها ليس فورياً، بل يحتاج إلى أسابيع عديدة حتى يُصبح نافذاً.
ويضيف ديموند “كل فصل يكون مختلفاً عن سابقه، فالسنة الماضية كانت خفيفةً من حيث شدة الإصابات بالإنفلونزا، أما السنة الحالية، فلا نعرف ما الذي ينتظرنا فيها. وفي الولايات المتحدة الأميركية لوحدها، توجد أكثر من 166 جرعة من تطعيمات الوقاية من الإنفلونزا. ولذلك فإنه يسهُل إيجادها في أي مكان داخل أميركا. وهي غير مكلفة واستخدامها آمن”.
ويفيد ديموند أن تطعيم العام الحالي يتكون من ثلاثة فيروسات إنفلوانزا هي H3N2، وبقايا H1N1، و”بي ستراين”. ومن المعروف أن الكثير من الناس يلتقطون الفيروسات بعد موسم العطلة، فهم يبتعدون عن أماكن إقاماتهم لقضاء العطل فيركبون الطائرات ويقصدون الأماكن المكتظة بالناس، وفي مثل هذه الأماكن يلتقطون الفيروسات التي تكون منتشرةً في هكذا أجواء وبيئات”.
إن الاهتمام بالصحة من خلال اتباع نظام غذائي صحي وممارسة التمارين الرياضية بانتظام وأخذ القسط الكافي من النوم تُساعد على تحصين الجسم من التقاط الفيروسات. فالناس القلقون والمتوترون، تقول ريكسينجر، هم أكثر عُرضةً للإصابة بالزكام وأمراض البرد.
لا علاج للزكام
قضى بعض الباحثين سنوات عدة في دراسة آثار فيتامين “سي” على أمراض البرد. وفي إحدى هذه الدراسات، قام باحثون أستراليون في سنة 2007 بإجراء 30 تجربة سريرية، فوجدوا أن مكملات فيتامين “سي” بجميع أنواعها فشلت في “تقليل مخاطر الإصابة بالزكام وأمراض البرد لدى الناس”.
وتُفيد بضع دراسات أخرى أن مكملات الزنك تُساعد على تقليل مخاطر الإصابة بالزكام والإنفلونزا في حال تناولها في البداية. ومن بين هذه الدراسات تلك التي أنجزها باحثون من كلية الطب بجامعة كيس ويسترن ريزورف. لكن هذه الدراسة لم تُحدد بعد مدة تناول هذه المكملات ولا كميتها. ولا يخفى على أحد أن الإكثار من استهلاك الزنك يمكن أن يتسبب في بعض المشكلات الصحية، بما فيها الحمى والإرهاق وآلام المعدة، ولهذا تُعد هذه الدراسة عديمة الجدوى ما لم تُحدد الكمية والمدة.
يقول ديموند “لا يمكنك علاج الزكام. فإذا أصابك فإنه لن يتركك إلا بعد أن يُكمل مدته. فلا توجد وسيلة توقف استمرار الإصابة بالزكام حتى وإن كانت مضادات حيوية. فالمضادات الحيوية- يقول ديموند- لا تنفع مع الزكام. ويضيف “إذا تناولت هذه المضادات الحيوية، فإنك تنشئ مقاومةً للمضادات، وإذا كان الأمر غير ما حسبته، فإنك تخلق مشكلةً صحيةً أخرى أشد وأصعب من الزكام”.
ويوصي ديموند بتناول دواء “أنتيهيستامين” الذي يمكن شراؤه دون وصفة طبيب، ويقول إنه لا بأس من تناول أدوية تخفيف الآلام والصداع. ولا بأس من تناول شوربة الدجاج وغرغرتها، فكمية الملح الموجودة بها تعمل بمثابة عنصر مضاد للالتهاب ومُثخن للمخاط السائل ومُحسن لضغط الدم. وتُشاطره ريكسينجر اللجوء إلى هذه الوصفة التقليدية، إذ تقول إن شوربة الدجاج هي مصدر غني بالصوديوم، ولذلك فهي دواء طبيعي لبعض أمراض البرد. وفي حال لم ينفع المصاب لا شوربة دجاج ولا عقار “أنتيهيستامين”، فما عليه إلا الانتظار وتمني أن لا يكون زائره الموسمي الذي لا يُقهر ضيفاً ثقيلاً عليه.
هشام أحناش
عن “واشنطن بوست”