20 نوفمبر 2012
أصدر مشروع “كلمة” للترجمة، التابع لهيئة أبوظبي للسياحة والثقافة، كتاباً جديداً بعنوان “التوابل.. التاريخ الكوني”، للمؤلف فريد كزارا، وترجمة إيزميرالدا حميدان.
يتناول الكتاب قيمة التوابل، ورفاهيتها على كل مائدة، كونها تضيف سحراً وألقاً وتميزاً إلى طعامنا، إذ كم من مرة تساءلنا من أين تأتي هذه النكهات الرائعة وكيف تصل إلينا؟ وربما شرد فكرنا متجولاً في أماكن نموها وأشكال نباتاتها، ولكن لعل القليل منا من فكر إن كان لها تأثير على أمور غير الطعام.
تعرض فصول الكتاب لمسار التوابل عبر التاريخ بدءاً من العصور القديمة فالعصور الوسطى مروراً بعصر الاكتشافات، وانتهاءً بالقرن العشرين، ويشرح الكتاب دور الحضارات والدول في حركة التوابل من الشرق إلى الغرب، وأثر كل منها على انتشار التوابل وتجارتها، والحملات العسكرية التي ترافقت مع اكتشاف مناطق جديدة لزراعتها.
يبدأ الكتاب استعراضاً مثيراً للتوابل فيتحدث عن أسمائها وأنواعها وأصولها، ويذكرنا بمدى غرابتها وارتفاع قيمتها ثم يستعرض لنا التوابل الرئيسة التي ستشكل محور هذا الكتاب، وهي: القرفة والقرنفل وجوزة الطيب والفلفل والفلفل الحار، حيث كانت هذه التوابل الخمسة محور الأساطير التي نسجت حول التوابل بشكل عام.
تدور جميع فصول هذا الكتاب حول التوابل الخمسة الرئيسة، وتأثير كل منها في كتابة تاريخ البشرية، والطرق البرية والبحرية التي سلكتها التوابل، لتصل إلى مختلف أنحاء العالم، وما ورد في الآداب والفنون المحلية من تغنٍ بالتوابل وآثارها السحرية وفوائدها الطبية، وكيف غيرت خريطة ومسارات التجارة العالمية، لتصبح السلعة الأثمن والأغلى، والتي اعتمدت كبديل للنقود في بعض الأحيان، وأدت إلى نهوض مدن أوروبية، وقيام ممالك تجارية.
عَبَرت التوابل من شرق آسيا إلى أوروبا، مخترقة المنطقة العربية، وحاملة معها الرخاء والازدهار لكل من عمل في هذه التجارة من مختلف الأعراق والأديان، وبعد انتهاء الحروب الصليبية فضل الغرب البحث عن أماكن زراعة التوابل بدلاً من انتظار العرب والفرس ليزودوه بها، وهكذا بدأ عصر الاكتشافات، حيث سيرت كل دولة حملاتها بحثاً عن أماكن زراعة التوابل، ونشأت المنافسة بين الهولنديين والإنجليز والإسبان والبرتغاليين على طريق التوابل، وتسارعت الاكتشافات، فالجميع يسعى للوصول إليها واحتكار تجارتها.
وفي سبيل تحقيق هذه الرغبة ارتكبت مذابح بحق الشعوب الأصلية في الجزر التي تنتج التوابل وتم احتلالها بالكامل أو إخضاع سكانها للهيمنة الغربية، ونشط القراصنة في سرقة السفن التجارية المحملة بالتوابل، والتي غرق الكثير منها بسبب الحمولة الزائدة، واختلفت الثقافات وتصارعت على أرض التوابل وطريقها ولعب الجميع من دون استثناء، من أوروبيين وعرب ومسلمين وهنود وصينيين وغيرهم، دوراً ما في انتقال التوابل وما رافقها من مآس وازدهار. فقد نشأت شركات جديدة وتحولت لتصبح إمبراطوريات تجارية بسبب التوابل، واستعبد البشر ليعملوا في زراعة التوابل وحصادها، وانتقلت التوابل من الشرق إلى الغرب، وأصبح لها المكان الأثير في قلوب الجميع.
إلا أن التوابل لا توجد في الشرق فقط، فقد انتقل الفلفل الحار من الأميركيتين في الغرب نحو الشرق، ليصبح من التوابل الأساسية في المطابخ الآسيوية، ويعرف باسم البابريكا، وهكذا يوضح لنا الكتاب تداخل الثقافات والحضارات الذي سببته التوابل.
ويختتم الكتاب استعراضه لتاريخ التوابل بالحديث عن آثارها على الصحة، ومشاركتها في العصر الحديث، ودخولها إلى مجال الصناعة، وانتشار التوابل العضوية، والغش الذي تتعرض له التوابل، وأساليب الحفاظ على جودتها.
لم يخطر في بال الكثيرين أن هذه التوابل التي تضيف لمسة من السحر واللذة إلى أطعمتهم ومشروباتهم قد سحقت في طريقها حياة آلاف من البشر، واستعبدت عشرات الآلاف، وسببت حروباً وصراعات لا نهاية لها، ولكن في النهاية، استحقت التوابل موقعها على قمة الهرم الغذائي للبشر.
كتاب أكثر من جدير بالقراءة، فهو يلقي الضوء على أسرار خفية ومعلومات قيمة، إلى جانب احتوائه على صور نادرة، تضيف متعة الاكتشاف أثناء القراءة، لنشاهد أثناء قراءتنا له كيف فتحت تجارة التوابل أول أبواب العولمة، ودفعت البشر للاختلاط ببعضهم بعضاً، وحركت جشعهم وطمعهم.
يعمل فريد كزارا، مؤلف الكتاب، مستشاراً في التعليم العالمي والدراسات الاجتماعية والتعلم عن طريق مشاركة الاختصاصات، وهو أستاذ مساعد في مادتي جغرافية العالم وتاريخه في جامعة سانت ماري في ماريلاند الأميركية، وقد ألّف وساعد في تأليف سبعة كتب.
أما المترجمة إيزميرالدا حميدان، فقد تخرجت في كلية اللغة الإنجليزية وآدابها في جامعة دمشق، لها ترجمات عدة، منها كتاب “الغراب” من تأليف بوريا ساكس، و”الحكايات الشعبية لقبيلة زوني” من جمع فرانك كاشينغ، وغيرها.
المصدر: أبوظبي