30 نوفمبر 2011 23:24
اكتملت أخيراً الأعمال الشعرية لقسطنطين كفافيس في الترجمة العربية، وصدرت في 670 صفحة من القطع الكبير، عن الهيئة العامة لقصور الثقافة في القاهرة، وقد أنجزها وقدم لها الشاعر المصري رفعت سلام.
وتضم ترجمة الأعمال الكاملة، التي تصدر لأول مرة باللغة العربية، المجموعات الشعرية الخمس التي أنجزها كفافيس، ولم يصدر منها قبيل رحيله أية مجموعة، فيما توالى صدور المجموعات واحدةً تلو الأخرى، بعد الرحيل، إلى أن اكتملت في السنوات الأخيرة، بنشر آخر مجموعة منها وهي “قصائد غير مكتملة”.
وتشمل الترجمة مجموعات: القصائد المنشورة، وهي مجموعة القصائد التي تضمنتها طبعة عام 1935 من قصائده، باعتبارها الطبعة المَرضي عن قصائدها من قبَل كفافيس نفسه، والتي كان قد أعدها للنشر قبل وفاته. وتضم المجموعة 154 قصيدة، سبق ترجمة الكثير منها إلى العربية، وترجمها كاملة الدكتور نعيم عطية تحت عنوان “ديوان كفافيس”، الذي لم يضم أية قصيدة من خارج المجموعة. وهي نفس المجموعة التي عكف عليها من قبل مترجمي كفافيس إلى العربية، في إصدارهم لمختارات متفاوتة، في الكَم والكيف، من أعماله. وبالفعل، فهي تضم أهم وأفضل قصائد كفافيس التي صنعت أسطورته الشعرية ومكانته الرفيعة في شعر الحداثة العالمي.
والمجموعة الثانية هي “القصائد غير المنشورة”، وتضم 66 قصيدة لم تتضمنها طبعة عام 1935 من قصائده، التي نشرت بعد عامين من وفاته، وقد استبعد قصائدها كفافيس من عملية النشر التي كان يعد لها في السنوات الأخيرة من حياته.
والمجموعة الثالثة هي “القصائد الأولى”، وتضم 33 قصيدة من قصائد البدايات الكفافية، التي استبعدها كفافيس من أية عملية نشر، بل أوصى بالخلاص منها ماديًّا، وعدم نشرها أبدًا. لكن الأوصياء على ميراثه الثقافي لم يستطيعوا مقاومة تسرب نصوصها إلى فضاء النشر بالمجلات الأدبية والترجمات اللاحقة.. إلى أن سلَّموا بالأمر الواقع.
والمجموعة الرابعة هي “القصائد غير المكتملة”، وتضم 34 قصيدة لم يمهل الزمن كفافيس لإنهائها خلال السنوات الأخيرة من حياته. وقامت بتحقيقها ريناتا لا انيني أستاذة الدراسات اليونانية والبيزنطية بجامعة باليرمو الإيطالية، وصدرت خلال التسعينيات من القرن الماضي في أثينا باليونانية.
أما المجموعة الخامسة، فهي “قصائد النثر”، التي تضم 4 قصائد، لا تتوفر نصوصها إلا في بعض ترجمات كفافيس، وغالبًا ما يتجاهلها المترجمون إلى الإنجليزية والفرنسية، لأسباب غير معلومة، فضلاً عن المترجمين العرب، الذين لم يبحثوا عنها أو يرصدوا وجودها في التراث الكفافي، رغم الدلالة والقيمة الإبداعية البالغة لها.
ولم تجتمع هذه المجموعات الخمس في كتاب واحد، في أية لغة، حتى الآن، سوى في هذه الترجمة العربية، بما يمثل اكتمالاً غير مسبوق لأعمال كفافيس في اللغة العربية.
ولم يكتف الشاعر رفعت سلام بالأعمال الشعرية لكفافيس، بل قدم تأملات كفافيس النثرية، التي تنشر أيضًا لأول مرة بالعربية، عن “الشعرية والأخلاق”، وتكشف عن تصورات أحد مؤسسي الحداثة الشعرية العالمية في تحديد ماهية كل من “الشعرية” و”الأخلاق”، والعلاقة أو اللاعلاقة بينهما. وقدم المترجم في صدارة الكتاب السيرة الذاتية والشعرية لكفافيس، ومصادر الترجمة، وآلية العمل على نصوصها.. فيما أضاف ثلاثة مقالات إلى المقدمة، كتبها كل من الروائي البريطاني الشهير إ. م. فورستر (الذي اكتشف كفافيس وقدمه إلى الدوائر الثقافية والأدبية الغربية)، والشاعر البريطاني الأميركي أودِن الذي فتنه الشاعر اليوناني، والأكاديمي الأميركي باورسوك، فيما يتعلق بالأبعاد المختلفة لتجربة كفافيس الشعرية.
وتكشف المقدمات مجتمعة عن السمات الأساسية في شعرية كفافيس: تخليصه النص الشعري من الرطانة اللغوية والإنشائية، والعاطفية؛ مراقبة العالم بلا اندماج ذاتي فيه، تخليص الذات من الأوهام في علاقتها ونظرتها للعالم، واكتشاف الحضور الإنساني العميق في هوامش التواريخ الرسمية لا المتون، لدى الشخصيات المغمورة المنسية أو المجهولة، أو لحظات انكسار وهزيمة “البطل” التاريخي.. فضلاً عن كسر دائرة التحريم الأخلاقي.
وفي خاتمة الكتاب، قدم المترجم “إضاءات” تأريخية وثقافية للقصائد المختلفة التي تضمنتها الترجمة، دون أن يغفل عن تقديم ملف بعنوان “وجوه كفافيس”، شمل الصور الفوتوغرافية والكاريكاتورية لكفافيس، التي أنجزها مصورو ورسامو النصف الأول من القرن العشرين.
وقد استغرقت ترجمة “الأعمال الشعرية الكاملة” لكفافيس قرابة العشر سنوات، تخللتها زيارات من المترجم إلى اليونان، والإسكندرية، والتفتيش في الإصدارات الإنجليزية والفرنسية عن مصادر ومراجع للترجمة. واكتملت النسخة الأولى من الترجمة نحو عام 2001، قبل أن يعثر رفعت سلام على “قصائد النثر” المنسية لكفافي، وعلى مقالة فورستر “التاريخية” عنه، ويضيف الكثير من الملاحظات المضيئة للنصوص والقصائد والعالم الشعري والذاتي له، ويقوم بالمراجعة الأخيرة المدققة، قبل النشر.
وقد سبق للشاعر رفعت سلام أن قدم ترجمة عربية لأطروحة دكتوراه تحمل عنوان “شعرية كفافيس”، لجريجوري جوزدانيس، الأستاذ حاليا بإحدى الجامعات الأميركية، والتي صدرت في التسعينيات ضمن “المشروع القومي للترجمة” بالمجلس الأعلى للثقافة، في نحو 300 صفحة. وهو الكتاب الذي منعه، حسب ما يقول في مقدمة “الأعمال”، من تقديم دراسة مستفيضة في أعماله الشعرية، معتبرًا كتاب “شعرية كفافي” أفضل مقدمة لائقة بـ”الأعمال الشعرية الكاملة”.