هناك أساليب عديدة لإدارة الغضب.. منها ما يعتمد على تشتيت الذهن عن طريق العد التنازلي، أو عقلنة الأمور، أو مقاومة هذا الشعور غير المرغوب، أو التفكير في العواقب السيئة.. كل هذا مفيد وفعال، ومن الضروري لكثير من الناس تعلمه بالفعل.. إلا أن تجربة علمية جديدة كشفت طريقة مختلفة لإدارة الغضب، لا تعتمد على مقاومته أصلاً!
الوعي الذاتي
في تجربة طريفة، نشرت نتائجها في دورية (مايندفولنيس)، قام بها باحثون أميركيون من جامعتي نورث إيسترن وساوثرن أوريجون، ديفيد ديستينو وزملاؤه، جاءوا بمجموعة من الناس، وقاموا بتدريب بعضهم على مهارات «اليقظة الذهنية» لمدة ثلاثة أسابيع، وهو نوع من التأمل يعتمد على التركيز في الحاضر، وعيش تفاصيل اللحظة الراهنة كما هي، دون إصدار أحكام عليها.. وبعد ذلك، طلبوا من المشاركين في التجربة أن يلقوا كلمة أمام الجمهور..
وبعد أن قاموا بذلك، أخبروهم أن أحد الحاضرين انزعج وانتقد بشدة أداءهم السيئ، كي يثيروا فيهم الشعور بالغضب! وفي النهاية طلبوا منهم أن يقوموا بإعداد طعام لهذا الشخص، وأعطوهم مكونات قليلة، كان من بينها صلصة حارة للغاية.. ليعرفوا ما إذا كان غضبهم هذا سيدفعهم للانتقام من هذا الشخص وإيذائه (بالإفراط بوضع الصلصلة الحارة) أو لا!
قد يبدو تصميم التجربة عجيباً، إلا أن النتيجة كانت مهمة.. إذ شعر المشاركون بالغضب من النقد السيئ بالفعل.. لكن الأشخاص الذين لم يتدربوا على اليقظة الذهنية، وضعوا قدراً أكبر من الصلصة الحارة.. ما معنى هذا؟ معناه أن اليقظة الذهنية لم تقض على الغضب، بل قضت سطوته على تصرفاتنا، وجردته من كونه مبرراً لإيذاء الآخرين!
دع الغضب يمر
حسب تقنيات التقبل والالتزام ACT، تتم إدارة الغضب عن طريق عدم اعتراضه أو كبته أو مقاومته.. بل تركه كما هو.. تأمله من بعيد كسحابة عابرة.. الاعتراف به كشعور موجود بالفعل.. لا تجعله يتملكك، بل حدد موضعه وأبعاده والشعور الجسدي المصاحب له بالضبط، وقم ببساطة بملاحظته وتأمل تأثيره.. حين يفعل الإنسان ذلك فإن الشعور غالباً ما ينتهي أو يخفت من تلقاء نفسه، ويفقد سطوته على سلوكنا.. ويبدو أن ممارسة تأمل اليقظة الذهنية يساعد في اكتساب هذه المهارة، فهو يدرب العقل علي اعتياد تصفية الذهن ومراقبة الأمور دون الحكم عليها أو تقييمها.. وهي ممارسة مفيدة عموماً لكثير من جوانب صحتنا النفسية والعقلية.