30 يناير 2011 19:22
(الشارقة) - تزخر مدينة الذيد بإرث كبير من المواقع التاريخية المهمة، وتختزل في مكوناتها تاريخ المنطقة منذ القدم، لتعبر عن حياة الذين سكنوا المنطقة منذ قرون عدة، كل تفاصيلهم الثقافية والاجتماعية، ولعل أبرزها القلاع والحصون والأبراج التي شكلت زخماً تاريخياً للمدينة أصبحت بمرور السنوات رسماً عريقاً يحكي للأجيال الحالية عن صمودها وشموخها منذ مئات السنين.
بعد أن قمنا بجولة في منطقة حصن الذيد أو ما تبقى منه، تم التواصل مع علي مصبح الطنيجي مدير عام بلدية الذيد، للحصول على المزيد من المعلومات حول تاريخ الحصن والقلاع في مدينة الذيد، ولم يدخر جهداً في توفير تلك المعلومات التي يجب أن تحفظ وتؤرخ.
يقول علي الطنيجي: حصن الذيد من أقدم المباني التاريخية في المنطقة، وقد شهد ملامح تأسيس الذيد، لأن تاريخ الحصن يعود إلى النصف الثاني من القرن الثامن عشر الميلادي حوالي 1750 ميلادية.
يتابع الطنيجي: كانت الحصون والقلاع التي بناها أهل المنطقة بمثابة أبراج دفاعية عن التجمعات السكنية ومحطة للحماية والمراقبة، كما كان الحصن استراحة للحاكم في أثناء قدومه لرحلات القنص أو المصيف، وكذلك لاستقبال الزوار، وكانت القلاع تضم غرفاً مخصصة للحاكم، والبقية منها للحاشية والحرس، ويتولى حراسة الحصن عدد كبير من الحراس الذين ينتمون إلى منطقة الذيد، بالإضافة إلى عدد من العمانيين، فالحصن مبنى تراثي يرمز إلى أهمية مدينة الذيد، مؤرخاً حقبة زمنية من تاريخ المنطقة الأثري.
مدخل الحصن من الناحية الشمالية ويقابل فلج الذيد أو الشريعة (وهو مجرى مياه في جوف الأرض يتوسط الحصن تقريباً) تتوزع حوله مجموعة من مزارع النخيل من جهة الشمال كون مخرج قناة الفلج في هذا الاتجاه، وكان لحصن الذيد الكثير من الأهمية السياسية، حيث عقدت فيه اجتماعات سياسية بين شيوخ المنطقة وبين مندوبي الدول المجاورة، وشهد أيضاً الكثير من المعارك الحربية.
يتابع الطنيجي: القلعة الثانية تقع شمال الأولى قرب طوي أو بئر «اليفر»، وهي مدورة أيضاً تتكون من جزءين، والقلعة بلا باب وهذا الشكل من الأبراج يوحي أن طابقه الأرضي استخدم كسجن، وتقع القلعة الثالثة في الركن الغربي من الحصن وهي مربعة الشكل، وتتكون من جزءين مشكلة طابقين، أرضي وأول مع شرفة، وهي مخصصة للدفاع عن الحصن لما تمتاز به من فتحات في جوانبها الأربعة، أما القلعة الرابعة فهي مربعة الشكل ومن ثلاثة أدوار، وللحصن سور يصل القلاع بعضها بعضاً ويكون ملتصقاً بالأبراج المدورة والمربعة.
ويؤكد الطنيجي: «كان أحد أبراج الحصن ترفع عليه راية القواسم، وكان في الحصن عدد من المدافع لحمايته من الغارات، وكان يتم تعيين والي الحصن من قبل حاكم الشارقة، وهو الذي يشرف أيضاً على ممتلكات الحاكم الموجودة في مدينة الذيد، وكثيراً ما كان يستخدم للتحصن فيه من الغارات والغزوات بين القبائل في العهود السابقة، قبل استتباب الأمن والتطور والازدهار الحالي». تحوي مدينة الذيد أيضاً أبراجاً أثرية أخرى، أبرزها برج في الطرف المطل على مزارع النخيل وآخر يطل على وادي الذيد، وبالجوار مخازن التمور، إلى جانب مسجد قديم مبني من الطين وسط مزارع النخيل، وقد كان حصن الذيد استراحة للحاكم أثناء قدومه لرحلات القنص أو المصيف، وكذلك لاستقبال الزوار أي ما يمثل دار الحكومة، وكان عدد غرفه يزيد على أربع، أكبرها كانت مخصصة للحاكم والبقية للحاشية والحرس.
ضم الحصن ساحة من الرمل المخلوط بالطين بهدف تماسكه، وكان به بعض الأشجار المحلية المعمرة، ولا تزال بعض تلك الأشجار متوافرة في المنطقة، أما ما تبقى من الحصن فيمكن مشاهدته خلف السياج بجانب فلج الشريعة، وتم وضع السياح حفاظاً على ما تبقى من العبث، ويتكون الحصن قبل تهدمه من أربع قلاع ضخمة. أُولى هذه القلاع مدورة وتتكون من ثلاثة أجزاء مبنية من الطين المستخرج من اليرف أو الجرف الموجود في» اليارح» وهي لفظه تعني أطراف الوادي، ووجودها بهذا الشكل يهدف إلى تحصينها الدفاعي، لأن معظم الهجمات والغارات تكون آتية من الجهة الجنوبية، حيث الكثبان الرملية.
يتابع الطنيجي: يقع الجزء الثاني من القلعة في الركن الغربي، وهي مربعة الشكل، وتتكون من طابقين، أرضي وأول مع شرفة، وهي مخصصة للدفاع عن الحصن، وتمتاز بفتحات في جوانبها الأربعة وقد بنيت في عهد الشيخ صقر بن خالد القاسمي أحد حكام الشارقة، وبالنظر إلى هندسة الحصن والقلاع يمكن ملاحظة أن الواجهة دفاعية الطابع وبسيطة المكونات، وهي عالية الارتفاع تتميز بالفتحات الاستكشافية متعددة الاتجاهات بدافع المراقبة والمواجهة.
صممت بطريقة تسمح بسيطرة الداخل على الخارج، كما تحتوي على فتحات صغيرة الحجم تسمى مرامي، بحيث يستخدمها الأشخاص المعنيون بالدفاع عن المنطقة وقت العدوان، وفي أثناء الحركات العسكرية في ذلك الوقت، وتتميز المرامي التي تتوزع على محيط الواجهة بتشكيلاتها المخروطية في المستوى الأفقي، بما يضمن أكبر مساحة للرؤية من الداخل إلى الخارج، كما تحتوي على أدوار أو طوابق بالداخل وأماكن مخصصة لاستراحة الحراس، والدور الآخر والعلوي للحراسة والدفاع ولاستكشاف المحيط الخارجي للمنطقة.
كانت التهوية والإضاءة الطبيعية تتم بفضل الساحة الداخلية الواسعة للحصن، التي كان يحيطها السور الخارجي الذي يحتوي على باب رئيسي، يستخدم للدخول إلى الحصن وآخر ثانوي مثبت على جدار الحصن، وتتكون مواد البناء التي استخدمت قديماً من قبل أهل المنطقة، بما يتناسب والبيئة الخاصة التي ينتمون لها، حيث كانت من الطين والجص المجفف الذي كان يجلب من منطقتي كدره ومليحة.
كانت المواد تنقل في «الجفير» وهو سلة مصنوعة من سعف النخيل على ظهور الجمال، كما تم الاستفادة من خوص النخيل، وهو سعف النخيل وجذوعه، المتوافرة بكثرة، في بناء الأسقف وتدعيم الحصن والقلاع، كما استخدم الجص كمادة أساسية بعد خلطه بالطين النقي المجلوب من قيعان الأودية، ويتم تجفيفه في الشمس ليصبح أشد مقاومة وأكثر تماسكاً، فالمواد التي بنيت بها الحصون والقلاع من اللَبَن المجفف في الشمس والطين وجذوع النخيل، وهي جميعاً مواد متوافرة في البيئة المحلية