23 نوفمبر 2011 21:12
فقد والدته في سن مبكرة، لهذا، شكل والده محور حياته، حتى أنه عندما دخل المدرسة الابتدائية، وبدأ يتعلم الحروف الهجائية، حرص أن يتعلم الحروف التي يتكون منها اسم أبيه، وحين طلب منه أخوه تكوين كلمة، قام بترتيب حروفها لتصبح اسم أبيه، زايد، سالت دموع الأب، واحتضنه بقوة، ومنذ ذلك الوقت، وصورة الأب مثالية لدى الروائي السعودي عبدالله زايد، الذي يقول عن أثر تلك الحادثة في حياته: “لم تشدني أي من حروف هذه الأبجدية إلا ما توافق نغمته مع نغمة أسم أبي، لذا لم أحفظ وقتها سوى الحروف التي تشكل اسمه وما عداها لم تكن تعني لي شيئا لا من قريب ولا من بعيد، ومنذ ذلك الحين وأنا لا اكتب إلا ما يشدني وما يؤثر في داخل نفسي، لا اكتب من أجل ان أشعر بالراحة، ولا اكتب من أجل أن أخرج شيئا ما يعتلج في صدري، بل كتابتي تأتي عندما أقرر أن أعذب نفسي، عندما أرغب بالبكاء، عندما أجدني بحاجة ليغمرني الحزن وتغطيني الكآبة.. ومن الغريب أنني هكذا اشعر براحة وتحرر، وهدوء...”.
وقد أثرت هذه التنشئة في حياته الاجتماعية فيقول: “إنني شبه منعزل، فلا صداقات لدي، كنت فاشلا في هذا الجانب، ويبدو أنه حتى الآن تلازمني عقدة الفشل في إقامة علاقات صداقة مع الآخرين، أحدهم أرجع هذا إلى مرض نفسي أسمه “الرهاب الاجتماعي”، ويفسر كثيرون سلوكي بطريقة خاطئة، فيتهمونني بالتكبر والغطرسة، والحقيقة غير هذا تماما، اعتقد أنه فشل في التواصل مع الآخرين لا اكثر...”. والتقط الناقد الإسباني توماس نفارو هذا الأثر الاجتماعي في رواية عبدالله زايد الأولى وكانت بعنوان “المنبوذ”، فكتب عنها: “إن الحب الحلمي العام في الأدب العربي المعاصر، يحيا من خلال حب أبوي، هو نتاج علاقة لازمة بين الأب والابن، تتضمن قيما إنسانية تهز العواطف والمشاعر، وفاء واحتراما لشخص الأب، ولم يستطع الكاتب الإفلات من هذه الديناميكية الناطقة بل على العكس، فقد استعملها كوسيلة ليطلعنا على أحداث الرواية المنطلقة من واقع مجتمعي عربي، حدده الكاتب جغرافيا في شبه الجزيرة العربية الشاسعة”.
تلك الانطوائية والانعزال، زرعت في عبدالله زايد التأمل وحب تأليف القصص منذ طفولته، ويقول: “كانت قصصي في تلك المرحلة تدور حول إعادة تشكيل الواقع الذي أعيش فيه للأفضل، ولم تكن الكتب متاحة لي، لكنني بعد فترة زمنية بدأت رحلة القراءة وهي عشقي الأبدي وملاذي ومتنفسي، ومن اكثر الكتب التي تأثرت بها كتاب: لوعة الغياب لعبدالرحمن منيف”.
قصة الرواية الأولى
والروائي عبدالله زايد، صاحب روايتي “المنبوذ” و”ليتني امرأة”، له قصة مهمة تتعلق بنشر روايته الأولى “المنبوذ” التي صدرت بعد أربع سنوات من إنجازه لها، ويقول عنها: “بعد ان فرغت من تأليف رواية “المنبوذ”، قمت بإرسالها لدار نشر عربية، فطلبت مبلغ 3000 دولار، فقلت ان أطفالي أولى بهذا المبلغ، ثم عرضتها على شخصية ثقافية مشهورة بكتابة الشعر والرواية ليكتب لي مقدمة لعلها تكون جواز سفر لدور النشر لطباعة الرواية مجانا، لكنه اعتذر حتى عن إلقاء نظرة عليها، لذا تأخرت في نشر هذه الرواية، حتى قامت صديقة من أصول عربية تقيم في اسبانيا، بطلب إرسال نسخة من الرواية على “الوورد”، وبعد أن اطلعت عليها قامت بترجمة بعض صفحاتها الى اللغة الاسبانية، وعرضتها على الروائية الاسبانية روسا ريغاس، مديرة المكتبة الوطنية في مدريد، التي تبنتها وكتبت مقدمتها، فطبعت “المنبوذ” باللغة العربية ومن ثم تم ترجمتها الى اللغة الاسبانية”.
وإضافة إلى اشتغاله في الرواية والقصة القصيرة والمقالة الأدبية، يعمل عبدالله زايد في الصحافة، وقد صدرت له عدة كتب في هذا الإطار، ففي عام 1998 صدر له كتاب بعنوان: “الجرح الآخر”، وهو عبارة عن مشاهدات صحفية للوضع الإنساني المؤلم في كشمير المتنازع عليها بين الهند وباكستان. وفي عام 2002 صدر له كتاب آخر بعنوان: “لأنك إنسان”، وكتب عن كتابه الأخير الناقد الدكتور عبدالعزيز المقالح، مقالة بعنوان “الكتابة خارج قضبان الاجناس الادبية المألوفة” ومما جاء في تلك المقالة: “في زمن البحث عن الحرية، هذا الحاضر الغائب، يجد الأديب نفسه في حال بحث مستميت عن حرية ثانية لا تقل أهمية عن الحرية الأولي، حرية الخلاص من قضبان الأشكال الأدبية التي تخضع لها المبدعون قرونا طويلة”، وكتب المقالح أيضا: “أعذب ما في نصوص هذا الكتاب لغتها القائمة على صناعة الجمال من الكلمات، وهو جمال مشحون بالمعنى والغضب المتمرد والمفارقات المتميزة: (سقط الطير الصغير من على الغصن فمات.. سقط شعب.. ليتنا مثل العصافير نحزن فقط بصمت فقط!! هذا اليوم متردد في الظهور.. في الإعلان عن نفسه... والشمس تشرق على استحياء... في خجل عفوي من نظرات البؤساء والمعدمين... مات احدهم جوعا... مرضا... هما... بكاه الصمت... وجدران الخرائب المهدمة... ومزابل المدينة وقطط الشوارع التي شاركته الفاقة!!). بمثل هذه النصوص التي يمتزج فيها الشعر بالنثر، والانطباع بالقص، يتقدم الكاتب إلى قارئه باسطا (ذنبه) أعني شوقه الذي قال عنه في التقديم إنه ليس يخفيه”.
آراء وأصداء
أما بالنسبة لرواية “المنبوذ” التي صدرت في العام 2007 باللغة الإسبانية وصدرت طبعتها الثالثة في العام 2009، فيقول عنها الناقد الجزائري الدكتور جمال الحضري، في مقالة نقدية طويلة “في المنبوذ: الروائي يدشن تقنية مبتكرة قد تخدمه وقد تخونه، ومما قاله: التقنية السردية في “المنبوذ” حديثة وفيها قدر من الجدة، أراد السارد فيها التلاعب بخيط السرد، فأبدله من يد إلى يد، أقصد من شخصية إلى أخرى عبر عملية استرجاع زمني تبعد أحيانا وتقترب أخرى، فقد أسند الولد مهمة السرد منذ بداية الرواية إلى والده...”.
وفي العام 2008، صدرت الرواية الثانية لعبدالله بن زايد بعنوان “ليتني امرأة”، وكتب عنها الناقد الأردني سيمر أحمد الشريف في جريدة “الدستور” الأردنية في عددها الصادر في 18 حزيران 2010 مقالة نقدية بعنوان: “ليتني امرأة: النص الذي قضى عليه عنوانه”، مما جاء في تلك المقالة: “النص السردي القصير، ليتني امرأة لا يندرج تحت مسمى الرواية بتعدد أشخاصها وتشابك حيواتهم، ولا يشكل المكان فيها شوارع المدينة الخلفية ولا عوالمها المخفية، ومن هنا فهي أقرب فنيا للنص السردي القصصي النوفيلا، وقد منع هذا الكتاب من معرض الرياض للكتاب، وسحب من رفوف المكتبات بسبب شبهة العنوان الذي فهم خطأ على عكس ما رمى إليه النص وقصد منه الكاتب، فرواية “ليتني امرأة” صرخة ضد الإقصاء والظلم والتهميش والقراءة السطحية، ويفضح عبر صفحاته السبعين محطات العسف التي تواجهها المرأة طفلة وزوجة وأما، من الزوج والأب والأخ والابن الذين اتفقوا جميعا على النظر لها قاصرا، لا تملك أمرها وحريتها، اتكاء على مفاهيم مغلوطة من تفاسير للتراث قام بها أناس انطلقوا في استنطاق النصوص من خلفيات وآراء مسبقة توارثوها، وأحكام كرسها المجتمع والعادات ضد المرأة بعيدا عن حقيقة ما ينادي ويأمر به الدين، وينتقد النص بهدوء ويحاجج بموضوعية تفسير آيات الله المغلوطة في حق المرأة ص 40 ويوجه الإفهام إلى حقيقة وضع المرأة في الشريعة مكرمة حرة مستشهدا بالتاريخ ووقوف المرأة مسعفة وخطيبة وشاعرة وقاضية”.
الكتابة بالقلم الأخضر
هذا ما قاله النقاد عن عبدالله بن زايد، ولكن ماذا يقول عن نفسه، عن طريقته في الكتابة، وطقوسه، والأقلام التي يستخدمها، هنا بعض التفاصيل الخاصة:
? كلما قطعت شوطا في الرواية كلما انتظم وقت الكتابة بشكل تلقائي ودون ترتيب محدد أو تدخل شخصي، فتجدني على سبيل المثال أتوجه للكتابة بعد الساعة الحادية عشرة مساء حتى الثانية صباحا، ثم أحافظ على هذا التوقيت حتى انتهي من الرواية، ومن الغريب أنه عند تفويت هذا الموعد أشعر بعدم ارتياح، والذي أريد أن أوصله من خلال هذه الكلمات أن اختيار الوقت والزمن الذي أمضيه في الكتابة يحدد تلقائيا ودون تدخل مباشر، لكنني أحاول المحافظة على التوقيت الذي اختارته روحي في الكتابة.
? يمكنني الكتابة في أي مكان، ولا أجد أي تأثر بتغير المكان.
? لا أفوّت وقت الكتابة سواء كان بالقلم أو بالحاسب، وفي أحيان أكتب بالقلم وعند نقلها للحاسب أحسن فيها وأضيف وأحذف.
? أنا أحب الكتابة بالقلم الأخضر، وبالأقلام السائلة (الحبر).
? أكثر ما أحتاجه عند الكتابة الهدوء التام، لذلك اختار الكتابة في آخر الليل، لكن الغريب أن هذا الشرط يتلاشى عندما أكون جالسا أمام البحر، وتعصف بي أصوات أمواجه وتلاطمها، هذه الحالة وحسب هي الاستثناء كما أعتقد.
? “المنبوذ” كانت تجربتي الأولى في مجال التأليف الروائي وقد خرجت من هذه التجربة بحصيلة كبيرة من الخبرات والمعارف.
قد لا تصدق أنني أنهيت هذه الرواية قبل نشرها بأربعة أعوام، واعتبر هذا من أهم أخطائي في الحياة، فقد تأخرت كثيرا جدا في نشرها، وحين كنت أكتبها أكثر من مرة، كنت أصل إلى طريق مسدود من الأفكار والاقتناع، فأقوم برميها وبعثرة أوراقها، وبعد فترة من الزمن أعود لجمعها ورقة ورقة.
? رواية “ليتني امرأة” كتبتها عدة مرات، حتى ظهرت بصورتها الراهنة، وكان هذا على حساب فصول أخرى لا تقل أهمية عن الفصول الموجود حاليا فيها، وهي الفصول التي لم يكتب لها أن ترى النور حتى الآن.