23 نوفمبر 2011 23:22
يجترح معرض الصور الفوتوغرافية “تعابير إماراتية 2011” في دورته الحالية، وهي الثانية في سيرته الإبداعية، طرحاً إبداعياً مغايراً لما قدمه في دورته الأولى 2011، ففي هذا العام ذهب القائمون على المعرض إلى منطقة إبداعية لا تتعلق بالمنجز التصويري في حالته النهائية بل تركز على صناعة الصورة، فكرتها وتقنيتها، من دون أن يكون في الحسبان كيف ستظهر في شكلها النهائي.
بمعنى آخر، نحن أمام مختبر فني يتم عبره طرح السؤال على الذات أولاً ثم على الفن كماهية وغاية ثانياً، ثم على الأدوات الفنية التي يتم من خلالها صياغة الصورة أو إنجازها ثالثاً، والحال أن التجربة لم تأت هكذا عفو الخاطر ولا من بنات الخيال التي تراود المرء في بعض حالات الإبداع، بل تكمن وراءها إرادة واعية قررت عن سابق قصد وبصيرة أن تزج مجموعة من الفنانين الإماراتيين في معترك الإبداع الفني بنية الإسهام في إنضاج تجاربهم على نار متقنة وبأيدي فنانين ومصورين عالميين لهم قصب السبق في هذا المجال.
شـهيرة أحـمـد
في لحظة دخوله الأولى إلى المعرض تصافح عين المشاهد عبارة كتبت بخط بارز: “بداية، تجعل الكاميرا كل من يحملها سائحاً في نظر الآخرين، وفي نهاية الأمر، سائحاً في نظر حاملها”، والتوقيع هو لسوزان سونتاج.
بين مدلولات كثيرة تحتملها هذه العبارة التي تلخص علاقة المصور بذاته وبالآخرين عبر فهمه / فهمهم لما يفعل، تتوفر بشكل خاص على فكرة التوريط أو الزج المتعمد التي بدأت بها هذا المقال، والتوريط هنا يحمل على الالتزام بعملية الإبداع من حيث الاستمرارية والديمومة، أي الإقامة في الحالة الإبداعية وتطويرها والانغماس فيها يوماً بعد يوم وصورة إثر صورة، إذ يمكن أن يلتقط أياً كان مجموعة من الصور الجميلة، لكنه يظل هاوياً.. في حين أن ولوجه إلى عوالم الورشة الفنية ومصطلحات الحقل الإبداعي الذي يعمل به واستمراره في إنتاج مادته الإبداعية، وارتقاء أدواته هو ما يخرجه من موقع الفنان الهاوي إلى المحترف، وهذا في تقديري واحد من الأهداف التي توفرت عليها تجربة “تعابير إماراتية 2011”.
تضيف شركة التطوير والاستثمار السياحي التي تنظم هذا المعرض هدفاً آخر يتمثل في خلق حوار جديد، وتقول: “في دورة هذا العام من “تعابير إماراتية” تم توجيه الدعوة لعدد من الفنانين غير الإماراتيين، وكان الهدف من وراء هذه الخطوة هو خلق انقسام في أشكال التعبير بين من يصور واقعاً موضوعياً، ويعتمد تقنيات تقوم على نهج ميكانيكي، والآخر الذي يسعى لفك رموز اللغة الجديدة، من خلال عملية أكثر ذاتية، وستكون النتيجة انقساماً خلاقاً للأفكار والتعابير التي ستعمل بالتأكيد على خلق حركة جديدة وواقعاً فنياً مختلفاً”.
إن هذا النوع من خلخلة المفاهيم النمطية حول الصورة وطرق إنتاجها يتطلب بالتأكيد وقتاً طويلاً.. لكن طريق الألف ميل تبدأ بخطوة.. خطوة ربما بدت صغيرة جداً لدى البعض وأكبر لدى البعض الآخر.. وفي المجمل، يمكن النظر إلى المعرض بعين بصيرة ومستبصرة لقراءة ما أنتجه من أعمال إبداعية طرحت أسئلة غير قليلة حول الهوية، والمكان، والثقافة، والآخر، والمشاعر الشخصية، والفن... وغيرها مما حاول الفنانون الإفصاح عنه في أعمالهم.
قصة المعرض
تم إعداد الأعمال المعروضة في المعرض خلال سلسلة من ورشات العمل التصويرية، أقيمت على مدى الأشهر الأربعة التي سبقت المعرض، تحت إشراف المصور العالمي ستيفن شور.
والهدف، حسب الشيخ سلطان بن طحنون آل نهيان رئيس مجلس إدارة شركة التطوير والاستثمار السياحي وهيئة أبوظبي للسياحة وهيئة أبوظبي للثقافة والتراث، لا يقتصر “على توفير فضاء للفنانين الإماراتيين يعبرون من خلاله عن أنفسهم، بل يسعى أيضاً إلى تعزيز مشاركة الشعب الإماراتي على نطاق أوسع من خلال الفن الجماهيري، حيث التوسع في فكرة المعرض إلى ما وراء جدران قاعته، وعلى قدر مواز من الأهمية، يقدم “تعابير إماراتية” الفرصة للجمهور للاطلاع على الهوية الإماراتية، كما يروي قصة الثقافة الإماراتية من منظور الفنانين الإماراتيين الصاعدين والفنانين الضيوف على حد سواء”. ويذهب ستيفن شور إلى فكرته الأساسية التي اشتغل عليها مع الفنانين: “ابتكار تقاليد جديدة”، فهو يعتقد أن هذا المعرض الذي يظهر لحظة في المسارات الشخصية لعشرة فنانين إماراتيين إنما هو محاولة لاستكشاف الذات من جهة والبحث عن الأهداف الجمالية من جهة ثانية، ويؤكد أنه خلال استعراض الأعمال بحث “عن الأسلوب التقني، والفطرة البصرية، والإدراك وحس التعبير عن التراث الثقافي”.
ويرى أن الفنانين “الذين يتصفون بالذكاء والوعي والقدرة الفنية العالية، يحولون - بمعنى من المعاني - ما يحملونه من موروث تراثي، وما تعلموه من تجاربهم، وما أضافوه من خيالهم إلى تقليد حي، إنهم في واقع الأمر يبتكرون تقاليد جديدة”، هذه العبارة التي قالها سالم القاسمي للفنان ستيفن شون أثناء نقاش بينهما.
ثقافة «الأرابيش»
يثير مشروع الفنان سالم القاسمي سؤال الهوية الحضارية والثقافية في مستوى العلاقة مع الآخر، العلاقة بين الشرق والغرب، بين التقليد والحداثة، طارحاً طبيعة هذه العلاقة كما يراها هو. هي علاقة كانت مربكة بالنسبة للفنان ثم ما لبث أن أدرك أن التغير الاجتماعي حتمية لا بد من احتضانها.
يقول: “مع تدفق الثقافات الخارجية والعولمة الاقتصادية، تشهد دولة الإمارات عملية تحول كبرى في الهوية، وكوني نشأت في ذلك الوقت من التغيير السريع، فقد بات لدي نوع من الارتباك الثقافي إذا صح التعبير، درست في مدرسة الشارقة الأميركية الدولية، والجامعة الأميركية في الشارقة، وبعدها في كلية رود آيلاند للتصميم، ولدي على الدوام هذا التأرجح بين تقاليدي الإماراتية والإسلامية وطريقتي الأميركية في الحياة والتعليم.
وقد كنت - مثل العديد من أبناء وطني الإماراتيين - في حالة من النكران للهوية الجديدة التي تخلقها دولة الإمارات لنفسها، وشعرت بالتهديد من هذه الهوية، وكنت أخشى أن أتقبل عملية التحول الثقافي الجارية، أما اليوم، فإنني أرى هذا التحول باعتباره عملية حتمية لا بد من احتضانها. وأعتقد أن الإمارات لا تفقد هويتها وإنما تخلق هوية حية جديدة، ويمكن وصف هذه الهوية بمصطلح “الأرابيش” أي أنها ثقافة هجينة من العربية والإنجليزية”.
ويضيف: “يعد هذا المشروع تمثيلاً لثقافة “الأرابيش” واستعارة بصرية للانتماء الثقافي، وقد قمت بوضع كلمتي “هنا” و”هناك” في مناطق مختلفة من دولة الإمارات العربية المتحدة ومدينة نيويورك بإضافة حرف (T) لكلمة (here) والحرف (ك) إلى كلمة (هنا) تصبح الكلمتان (There) و(هناك).
قراءة المكان
في مشروعه “سلسلة يومياتي البصرية” يقدم عمار محمد العطار صورة شبه شاملة للمكان الإماراتي: القديم والجديد، وهو بهذا يرسم لنا عبر السرد طبيعة التغيرات التي شهدتها البلاد، إنه يوثق الماضي جنباً إلى جنب مع الحاضر.. ويستخدم الصورة لتكون شاهداً على اللحظات المتنوعة التي مرّت بها الإمارات.
بأعماله الذاهبة في جسد المكان، ومحتواه، وتفاصيله، ومشاهده، وطبيعته، ومعماره، وناسه، وشجره، وكل ما يشكله، يخلق العطار أرشيفاً مرئياً للوطن، تصبح الصورة هنا وسيلة لقول روح المكان وقراءة تفاصيله ومفرداته باستخدام الأفلام التناظرية التي تتيح له أن يستخدم التنسيق السلبي بين مكونات متعددة وجغرافيات مكانية متغايرة بعضها حديث وبعضها ما يزال محافظاً على أنماط الحياة والتقاليد الأصيلة.
يقول الفنان وجهة نظره في ما شهدته الدولة من تغيرات عبر الصورة، وهو بهذا يخرجها من مستوى التوثيق البسيط (تخليط لحظة بعينها) إلى مستوى آخر من الممارسة الفنية التي يختبر من خلالها نتائج متعددة لعمله الفني.
كل الأماكن هي موضع عناية كاميرته: الشوارع، البنايات، المساجد، الأسواق، الحداثة المعمارية، العمارة التقليدية، رسومات الجدران، المناطق الشعبية، الميادين وجمالياتها، الهدم، البناء، الأكل، وكل ما يمكن أن تقع عليه عينك في الحياة اليومية. والتقاط روح المكان والتغيرات التي يشهدها هو أيضاً ما تسعى إليه الفنانة لطيفة بنت مكتوم في أعمالها عن “ند الشبا” و”غزلان” و”منظر الجميرا” و”منظر ميدان” التي أنجزتها، حسب قولها، عبر تقنية الكولاج الرقمي.
تقول: “أتعامل مع صوري بنفس الطريقة التي أتعامل فيها مع لوحاتي، عندما أفكر بصورة ما، فإنني أختار الألوان بقدر ما يفعل الرسام عندما يبدأ برسم لوحة على قماش، ومن هناك، أصاحب الكاميرا في رحلة للبحث عن هذه الألوان في أماكن مختلفة، وعادة ما يكون ذلك في أوقات مماثلة من اليوم تحت الضوء الطبيعي، بهذه الطريقة، وعندما أقوم بالتجميع الرقمي للصور التي ألتقطها، تبدو الصورة النهائية أقرب ما تكون إلى الحقيقة”.
“(في) تجميل” وهو عنوان مشروع طارق الغصين يعالج عملية التحديث التي مرت بها الإمارات، وتغير المكان عبر العمران والزراعية وتحويل الصحراء إلى أراضٍ خضراء، ومن خلال مشاهد التعمير المتتابعة تحاول الصور تقديم شريط توثيقي وجمالي في الوقت نفسه، وبالاعتماد على تداخل الضوء والتفاعلات بين عناصر الصورة تستكشف الصور كيف تعكس مشاهد الإنشاءات الصراع من أجل صياغة هوية، وفي الوقت نفسه التخلي عن العناصر الأصلية التي تحدد طبيعة المكان.
المكان الخاص
أما ميرا القصير فتقرأ في مشروعها “بيت جدي” المكان الصغير أو الخاص، وعبر سلسلة من الصور الفوتوغرافية التناظرية تتجول بنا في أركان البيت ومكوناته المختلفة، متدرجة في روايتها الصورية (نسبة إلى الصور) من الكلي إلى الجزئي. تبدأ من المشهد العام للبيت: ممر على جوانبه تظهر الأبواب الجانبية، فيما يحتل عمق الصورة باب مغلق، ثم تصور لنا غرفة المكتبة، ثم تركز على التفاصيل الصغيرة في الغرفة حيث يظهر جانب من الأريكة بجانبها عصا الجد، وفي صورة ثانية تبدو الكنبة والستارة هي بؤرة الصورة ونقطة التركيز، ثم جزء من المطبخ وخزانته، ثم خزانة مغلقة، فجزء من خزانة أخرى تضم عطوراً وبخوراً ومشطاً ومسبحة وغير ذلك من المتعلقات الشخصية، ثم كرسي فارغ يحتل معظم الصورة، ثم صورة تضم دفتراً كتبت عليه بعض السطور ثم شطبت، وفي الأسفل بطاقة هوية، وبطاقة صحية وجواز سفر.
بهذا العمل الذي يقرأ التفاصيل الصغيرة تطرح ميرا القصير موضوعة الهوية في أعمال تتميز بالبساطة لكنها تحمل رسالتها إلى القارئ، فهل أرادت الفنانة أن تبعث لنا برسالة مفادها أن ما يشكل ملامحنا وهوياتنا الشخصية وحتى الثقافية والمجتمعية وجذورنا التراثية يكمن هناك، في تفاصيلنا الصغيرة؟.
القديم يتهدّم
القديم في سياق الحديث هو المفهوم الذي تشتغل عليه فاطمة اليوسف في مشروعها عن البيت القديم، وعبر سلسلة من الأعمال تقدم لنا صوراً لأنحاء البيت القديم المختلفة البيت الذي هدم ولم يبق منه سوى الصور التي خلدته في ذاكرتها. كل جزء في البيت يصبح بطلاً لإحدى الصور: حجرة الوالد (صورتين)، المكتبة، الممر (صورتين)، حجرة خليفة، مجلس الرجال، الحووي، غرفة الطعام (صورتين)، حجرة زيد (صورتين)، المطبخ، مجلس الحريم (صورتين).
تنقل لنا فاطمة اليوسف عبر صورها رائحة المكان، تفاصيله في حالة من التداعي، والشروخ، والأتربة، والغبار، هي حالة سبقت الهدم على ما يبدو، لكنها تؤكد لنا إنها لم تفقده رغم ذلك، لأن هذه الصور ما تزال بحوزتها.
الصورة إذن هي نقيض الغياب.. إنها الذاكرة التي تحارب لكي تحتفظ بمختزناتها بهية وحية، في الحقيقة، تكمن أهمية الصورة في أنها تضعنا في مناخها الخاص، هي قادرة على أن تدخلنا إلى عوالمها.
وتعود بنا في رحلة استرجاعية إلى الماضي، حيث الفقدان يتبدى في كيفيات ظهور الأشخاص / العنصر البشري في الصورة وحيثيات وأماكن هذا الظهور.
المكان غير الإماراتي
في الأماكن غير الإماراتية ترصد الفنانة هدية بدري عبر سلسلة من الأعمال الموسومة بـ”بلا عنوان” حضور الأيقونات والرموز التي يحرص الناس على تعليقها على الجدران ليس فقط بهدف توثيقها، كما تقول، وإنما في محاولة لاكتشاف الحوار القائم بين العناصر المختلفة، وكيف يتجلى هذا الحوار، في بعض الأحيان، في الفضاء الذي تشغله هذه العناصر أو الأشخاص الذين تحيط بهم.
من صور الطبيعة التي ربما تكون صور أوطان الأشخاص الذين صورت غرفهم، إلى متعلقات رمزية ذات دلالات خاصة، إلى صور شخصية أو بورتريهات، لرموز وطنية أو صوراً ثقافية أو دينية تقدم الفنانة لنا بحثها عن الرموز والأيقونات التي تلبي رغبة الناس في بحثهم عن تمثيل رمزي لمكان أو شخص أو أيديولوجية ما. تقول: “في مكان يشغله أناس من خلفيات متعددة ونوع من العمارة التي تسعى للانسجام مع السياق العام، يصبح تحديد التناقضات النسبية أمراً مثيراً للاهتمام سواء كان ذلك في المكان أو الأشخاص أو الأيقونات المستخدمة”.
أسق قوس قزح
في عملها الموسوم بـ”أسق قوس قزح” تحافظ عفراء الظاهري على وضوح الفكرة وبساطتها مع الحفاظ على الإطار المفاهيمي الذي تميل إليه كأسلوب في إنتاج أعمالها.
تدخل عفراء في عملها هذا إلى فكرة الاحتمال، فهي تقدم احتمالات اقتراحية متعددة لشكل واحد. إنها تعالج فكرة التنوع في إطار الوحدة وتقدم سلسلة من الأعمال الصغيرة في عمل كبير. هي محاولة لرصف المعنى الكلي عبر عدد من الأفكار الجزئية التي بدأت بيضاء ثم تلونت بألوان الطبيعة في نوع من التماهي بين الصورة التي يجري إبداعها والمحيط الذي تعرض فيه وهو الطبيعة، تتغير الألوان بين التشابه والافتراق، ثم تمزج بين القطع البيضاء والقطع الملونة في مشهد ثالث، ورابع، وهكذا...
في عملها الثاني “الرسامون الجدد” تواصل بحثها الفني في الثيمة نفسها: الأبيض والملون إلى جانب بعضهما أو التجاور والافتراق.. أو تغيير اللون في مجموعة ثالثة.
أما عفراء بن ظاهر فتستكشف أعمالها مفهوم الصور الشخصية في تحولاتها وتبدلاتها الفكرية والنفسية. في عملها “الدرس، بورتريه ذاتي” تناقش الفنانة فكرة المعرفة المرموز لها في اللوحة بسلسلة الكتب التي تحتل خلفية الصورة أولاً، وبالهدهد ثانياً.. الهدهد الذي سيرافقها في عملها الثاني “الارتقاء، بورتريه ذاتي”، فيما تستخدم عدد من سجادات الصلاة في عملها الثالث لتشير إلى المعرفة المتحققة عبر الدين.
سياقات نقدية
تغوص علياء الشامسي في أعمالها “تأملات في المجتمع” في حال الناس وأحوالهم وما يبدو من سلوكياتهم غير المفهومة أحياناً، أو المرفوضة بالنسبة لها في أحيان أخرى، وهي تدعونا إلى إعمال النظر فيما يجري حولنا من مشاهد ومظاهر باتت لمألوفيتها لا تثير حفيظتنا.. وإذ تقدمها لنا في سياق نقدي تفتح بصيرتنا على ضرورة التفكير فيها، وربما إدانتها.
تحمل أعمالها أفكاراً من نوع: توظيف الدين لأهداف دنيوية أو لغايات تجعل وجوده معها في غير محله، أو تناقش فكرة تسليع المرأة، أو طبيعة النظرة الاستهلاكية التي تحكم نظرتنا إلى الموجودات وعلاقتنا بها، وهي تخضع الخطاب الإعلامي إلى مرآة وعيها، بحيث تنبهنا إلى ضرورة تنظيفه مما علق به من أفكار غير سوية، أو تحثنا على إعادة النظر في معنى فكرة الوطنية، والنظرة إلى الرجل والمرأة في علاقة المتاح والممنوع. إنها باختصار، تناقش وتتأمل تمظهرات الحياة المجتمعية والإعلامية والثقافية وتسلط عليها ضوء الوعي في محاولة لإشراك المتلقي وتشجيعه على التفاعل البناء مع أفكارها.
وبعيداً عن الجانب التقني يمكن القول إن الأعمال نجحت في تحريك الراكد والساكن في دواخلنا، وزجت بنا في صورة ما يجري حولنا ويشغلها وينبغي أن يشغلنا أيضاً.
ضوء التراث
باستخدام ماسحة ضوئية مسطحة تقوم ميثا دميثان باستكشاف العالم، وبها تستعيض عن الكاميرا في ابتكار الصور لا سيما مع عدم وجود عمق وأشكال ثلاثية الأبعاد، صوراً توثيقية، وصفها الكتيب الخاص بالمعرض بأنها “مدهشة”.
تقول ميثا: “غالباً ما تستند أعمالي على مشاعري وأحاسيسي وتجاربي الشخصية. عادة ما تستخدم الماسحة الضوئية المسطحة لإنتاج صور ثنائية الأبعاد أو وثائق أو إعداد نسخ عن الأصل. بالنسبة لأعمالي، أقوم بمسح موضوع ما بأجزاء متساوية لا تقل عن خمسين جزءاً، وبعدها أشرع في تجميع الصور رقمياً في لوحة تركيبية وأحياناً أنفذ هذه الصور على الخشب يدوياً. استخدم يدي لوضع الصور على الخشب بدلاً من وجود شاشة بيني وبين عملي. ومن خلال تجميع كل عملية مسح سواء يدوياً أو رقمياً، فإنني أخوض في حالة من التأمل”.
قدمت ميثا ثلاثة أعمال منها منارة التي تظهر فتاة في أجواء حلمية، تحمل في يدها سراجاً (فنر) ربما تبحث من خلاله عن الضوء الذي يسقط بشكل واضح على جانب وجهها وبقعة من ثوبها فيضيئهما. والحال، أن الصورة تطرح هي الأخرى موضوع الهوية في حال اعتبرنا الثوب المطرز بنقوش قريبة من الزي الإماراتي رمز من رموز التراث والهوية، وأما (الفنر) كمفردة تراثية فهو مصدر المعرفة الذي ينير لنا طريق وعي التراث وعلاقته بالهوية.
صورة الغلاف عمل بعنوان «سجادات صلاة بورتريه ذاتي» للفنانة عفراء بن ظاهر