أعد الملف:
دينا جوني
مريم بوخطامين
إبراهيم سليم هزاع أبو الريش
تستعد وزارة التربية والتعليم للخمسين سنة المقبلة، بنظام تعليمي يؤسس لجيل ابتكاري ومهاري، يسهم في استدامة التطوير والعمل لتحقيق مكتسبات وطنية إضافية، وينسجم هذا الهدف مع الرؤية الشاملة لمئوية الإمارات التي تستهدف التركيز على العلوم والتكنولوجيا المتقدمة والفضاء والهندسة والابتكار والعلوم الطبية والصحية، والعمل على تدعيم وتثبيت القيم الأخلاقية والوطنية وتعزيز الإيجابية، وتعليم الطلاب مبادئ استشراف المستقبل، وغرس ثقافة الانفتاح لدى الطلبة عبر تعليمهم تاريخ وثقافات وحضارات الدول الأخرى، وتدريسهم لغات جديدة كاليابانية والصينية والكورية، ووضع آليات لاستكشاف المواهب الفردية للطلبة منذ المراحل الدراسية الأولى، والتركيز على تحويل المدارس إلى بيئة حاضنة للطلبة في مجال ريادة الأعمال والابتكار، وتحويل المؤسسات التعليمية في الدولة إلى مراكز بحثية عالمية، وتعزيز منظومة التعلّم المستمر، وضمان وجود جامعات إماراتية ضمن قوائم أفضل الجامعات عالمياً، تكون جاذبة للطلبة والأكاديميين والباحثين من مختلف أنحاء العالم.
كشف معالي المهندس حسين الحمادي، وزير التربية والتعليم، عن تخصصات جديدة تطرحها الوزارة قريباً، تواكب رؤية 2071 ومئوية الإمارات، مشيراً إلى أن هذا التخصصات مختلفة عن المطروح حالياً في مؤسسات التعليم العالي، وأن الوزارة تعمل حالياً مع الجامعات على دمج وتكامل منظومتي التعليم العام والعالي بما يخدم أهداف دولة الإمارات.
وأشار معاليه في تصريحات خاصة لـ «الاتحاد» إلى أن الوزارة تستعد للخمسين سنة المقبلة، بنظام تعليمي يؤسس لجيل ابتكاري ومهاري، يسهم في استدامة التطوير والعمل لتحقيق مكتسبات وطنية إضافية، علاوة على مناهج دراسية تعزز تنوع المسارات التعليمية، وتوفر بيئة تعليمية ترتكز على التكنولوجيا المتقدمة.
ولفت إلى أن الوزارة تعمل على بناء المهارات المستقبلية للطلبة، من خلال استراتيجية المهارات المتقدمة التي أطلقتها عام 2018، وتهدف إلى تنمية وتطوير رأس المال البشري وتوجيه الكادر الوطني نحو المهارات المستقبلية، ليتمكن من التكيف مع المتغيرات المتوقعة في سوق العمل، وتحويل التحديات إلى فرص، وتجهيز جيل المستقبل وفق أرقى التوجهات العلمية والاحترافية، من خلال ترسيخ مبدأ التعلم مدى الحياة، وتحقيق مستهدفات مئوية الإمارات 2071.
ولفت إلى أن الوزارة تنظر إلى المستقبل من زاوية المهارات التي يحتاجها الطلبة في المستقبل، وتعمل وفق رؤية تقوم على تطوير قدرتهم على إدارة عملية التعليم بأنفسهم، وترسيخ مبدأ التعلّم مدى الحياة كبديل عن أسلوب التعلّم التقليدي.
وأكد أن الوزارة أدرجت مواد حديثة في منظومة المدرسة الإماراتية لتطوير هذه المهارات والقدرات، مع إعداد برامج تدريبية للمعلمين لتزويدهم بالمهارات، ومن ثم نقلها إلى الطلبة خلال منظومة المدرسة الإماراتية، حيث لا تركز الوزارة فقط على تطوير القدرات الأكاديمية للطالب، إنما أيضاً الثقافية والاجتماعية التي تمكنه من الانفتاح والتعامل مع المجتمع العالمي. وأضاف معاليه: «لا تكتمل حلقة التطوير من دون البيئة المدرسية المحفزة للطلبة، إذ راعت الوزارة في المجمّعات الحديثة التي تبنيها مرونة التصاميم لكي تتم الاستفادة منها للخمسين عاماً المقبلة وأكثر، وهي تضم مجموعة مختلفة من المختبرات الحديثة والأماكن المتنوعة لتفاعل الطلبة مع بعضهم بعضاً»، مشيداً بالمشاركة الكبيرة من الجهات المحلية التي تتمتع بقدرات تقنية ومختبرات أكثر تخصصية من تلك الموجودة في المدارس، والتي أبدت استعدادها لاستقبال الطلبة لإجراء التجارب عندها.
واعتبر معاليه أن كل هذه التكاملية الموجودة في دولة الإمارات ستمكن الوزارة من خلق جيل المستقبل الذي سوف ينتقل بالإمارات إلى الاقتصاد المعرفي، ودائماً نسعى إلى الأفضل. ولفت إلى أن الحراك الثقافي والتعليمي والتربوي الشامل في دولة الإمارات يبشر بنهضة تعليمية سيكون أثرها إيجابياً في تمكين الدولة من تحقيق نجاحات وإنجازات في المستقبل.
جامعة محمد بن زايد.. فن صناعة قادة الذكاء الاصطناعي
قال معالي المهندس حسين الحمادي، وزير التربية والتعليم، إن جامعة محمد بن زايد للذكاء الاصطناعي التي تستقبل الدفعة الأولى من الدارسين في سبتمبر 2020، تسعى إلى تمكين جيل جديد من قادة الذكاء الاصطناعي من خلال تعليم استثنائي ونموذج فريد من الكوادر الأكاديمية، وتقدم مجموعة من برامج الدراسات العليا، مع التركيز على التخصصات الأساسية لعلوم الذكاء الاصطناعي، وتستقطب الجامعة أهم العقول في هذا المجال إلى دولة الإمارات، وتسعى إلى دعم مسيرة البحث العلمي وخلق المعرفة ونقل واستخدام الذكاء الاصطناعي من خلال درجات علمية وشهادات تشمل الماجستير والدكتوراه.
وتساهم في بناء الطلاب للوصول إلى المستوى الفكري المطلوب في بيئة حديثة ومتميزة، مشيراً إلى أن الوزارة تسعى لتأهيل أبناء الإمارات للالتحاق بهذه الجامعة، والاستفادة من القدرات والإمكانيات المتاحة فيها.
«التخصص المركب» و«أنسنة الحلول» يفتحان أبواب المستقبل
يقول الدكتور عبد اللطيف الشامسي، مدير مجمّع كليات التقنية العليا: «إن الشهادة الجامعية تفقد أهميتها إذا لم ترتبط بالمهارات ومتطلبات سوق العمل، خصوصاً أن قطاعات العمل تستقطب أصحاب المهارات والمبدعين في أسلوب التفكير، والتنافسية العالمية قائمة على الإبداع والابتكار»، مؤكداً أن الكليات بدأت تأخذ بعين الاعتبار متغيرات المستقبل وتقدم للطالب شهادة الخبرة العملية مع شهادة جامعية.
وشرح أن مؤسسات التعليم العالي في المستقبل ستبتعد شيئاً فشيئاً عن الأستاذ الجامعي خريج المسارات التقليدية لمصلحة القادرين على ربط الشهادة الأكاديمية والدراسات العليا مع متطلبات الصناعة وسوق العمل، والمنفتحين على قضايا المجتمع المحلي وإيجاد الحلول لمشاكلها من خلال البحوث التطبيقية، لذلك تبذل كليات التقنية العليا جهوداً كبيرة لتوجيه طلبتها المتميزين للعمل 3 سنوات في مجال تخصصهم قبل الدراسات العليا، بهدف الوصول إلى النضج المهني، والاستعداد لوظائف المستقبل.
ويضيف الدكتور عارف الحمادي، نائب الرئيس التنفيذي لجامعة خليفة للعلوم والتكنولوجيا: «في المرحلة القادمة تظهر وظائف جديدة متعلقة بالذكاء الاصطناعي، لكن لن يكون هناك خوف على مستقبل الطلبة أيضاً إذا تسلّحوا بالعلوم الأساسية التي لا تتغير، مثل: الرياضيات والفيزياء والكيمياء، فهذه العلوم تشكل بدايات التعليم وتحتاجها الوظائف».
وأشار إلى أنه في كل دول العالم يتخرج من مؤسسات التعليم العالي طلبة بشهادة تطبيقية يمارسون عبرها وظيفة محددة، ومنهم من يتخرج بشهادة علوم عامة ويكون المجال مفتوحاً أمامهم لتغيير الوظيفة، لينتقل من العمل كمهندس على سبيل المثال إلى قطاع المالية أو الأعمال، لافتاً إلى أن اكتساب المهارات المركبة هو العنصر الأهم في وظائف المستقبل لكي تحافظ الشهادة الجامعية على قيمتها، مشيراً إلى أن جامعة خليفة، استشرفت المستقبل وبدأت بالفعل تطبيق ذلك، عبر طرح تخصص مركّب العام الجاري هو الرياضيات المقرون بالإدارة المالية.
أنسنة الحلول
ومن ناحيته، أكد محمد عبد الله، رئيس معهد دبي للتصميم والابتكار، أن برامج المعهد تهيئ الطلاب لتبدل نماذج الأعمال وانتشار التقنيات الإحلالية، حيث أصبحت مفردات الذكاء الاصطناعي والبلوك تشين والطباعة ثلاثية الأبعاد والروبوتات، مكونات أساسية في شتى القطاعات، والمعهد لا يقوم بتدريس التصميم بطريقة تقليدية، بل يعمل على مستويات عدة لتشكيل وعي مختلف بأهمية التصميم والذي له دور أساسي في خلق مدن ذكية تُعنى بالجودة والاستدامة، وحماية البيئة والتوازن بين التنمية الاقتصادية والاجتماعية.
وأضاف: «يتبنى المعهد من أجل تحقيق ذلك استراتيجيات عدة، أولها توفير اطلاع واسع على مجالات عدة، حيث يجمع كل طالب لدينا بين اختصاصين من التخصصات الأربعة التي نطرحها، وهي: تصميم المنتجات، تصميم الوسائط المتعددة، تصميم الأزياء، الإدارة الاستراتيجية للتصميم، ونعتقد أننا بالجمع بين هذه التخصصات على شكل ثنائيات متنوعة نساعد طلابنا على التميز، وأيضاً تزويدهم بآفاق أوسع تمكنهم من العمل في مجالات عدة».
وأشار إلى أنه بما أن نسبة كبيرة من الوظائف الحالية ستزول، وتأتي وظائف جديدة لم نعرفها بعد، يعمل المعهد على إعداد خريجين قادرين على العمل مباشرة حال تخرجهم، يمتلكون مهارات الابتكار والعمل والتفكير والتواصل الفعال.
ولفت إلى أننا نعلم اليوم أن التفكير الأخلاقي ضرورة، فهو مرتبط بالاستدامة والحفاظ على البيئة، وهي مواضيع يتبيّن يوماً بعد يوم أنها ضرورة في عالم يشهد ممارسات غير مسؤولة واستهلاك للموارد يهدد بنضوبها، والتسامح والتعاطف مع ما يحيط بنا من كائنات وأشياء هي قيم ذات مردود اخلاقي ومادي، لأنها الطريق الوحيد لأنسنه الحلول التي يقدمها المصمم للمشكلات التي تعترضه.
الطلاب يريدونها تكنولوجية
لا تغيب التكنولوجيا المتطورة عن السيناريوهات التي وضعها الطلبة لمستقبل المدرسة الإماراتية وتحولاتها، إلا أن وجود تلك التقنيات سيكون طاغياً خلال الخمسين عاماً المقبلة بنظر الطلبة لدرجة أن عملية التعلم ستتم من خلال شرائح ذكية مزروعة في الجسم تبث فيها المواد التعليمية. أما المعلم التقليدي فلن يتأفف بعد الآن من تكرار شرح المواد الدراسية، لأنه سيستبدل بروبوت يلازم الطالب، ويقدّم له ما يطلب من مساعدة من دون كلل أو ملل.
وقال الطالب سعيد شهاب أحمد الشميلي في الصف الحادي عشر متقدم من مدرسة شمل للتعليم الأساسي بنين بمنطقة رأس الخيمة التعليمية: «إن المعلم الذكي سيخفي معه فكرة المعلم التقليدي، إذ سيحتل مكانه الروبوت المبرمج وفق منهج وزارة التربية والتعليم الذي سيوفر بدوره الجهد والوقت على الطلاب، لأن عملية التعلم ستتم داخل المنزل من دون الحاجة إلى الذهاب للمدارس، وتكبد مصاريف التنقل».
وتوقع زميله الطالب حمد ياسر العرياني في المرحلة نفسها، أن يتم تعميم نظام التعليم عن بعد على المدارس وعدم اقتصارها على الجامعات والمعاهد، عبر أجهزة وتقنيات تتم من خلاله عملية التواصل ما بين المعلم والطالب، وأشار إلى أن فكرة المعلم الذكي ستكون أيضاً نقله نوعية في التعليم في الأعوام المقبلة، فالروبوت سيكون متوفراً طوال الوقت، وسيكرر شرح المادة للطالب متى شاء الأخير.
وتوقع الطالب عبدالعزيز علاي النقبي في الصف العاشر من مدرسة سعيد بن جبير للتعليم الثانوي بنين، بمنطقة رأس الخيمة التعليمية، أن المدرسة التقليدية الحالية لا وجود لها في المستقبل، وسيقتصر التعليم على مناهج ومواد محددة لا تتعدى الـ 6 مواد، واليوم المدرسي سيتقلص إلى 5 ساعات يومياً، واختصار سنوات التعليم المدرسي إلى 8 سنوات بدلاً من 12. وأشار إلى أنه وزملاءه في المرحلة نفسها يتوقعون أن تختفي المدارس في المستقبل، وتحل محلها شرائح ذكية تزرع تحت الجلد مع بداية كل عام، ويتم التواصل وبث المعلومات ومواد التعلّم طوال الوقت.
المناهج على شرائح ذكيـة
تؤكد خديجة الوالي «سبعينية»، أن الإمارات دولة لا تعرف المستحيل، منوهة أنها لم تتوقع قبل خمسين عاماً أن تظهر الأجهزة اللوحية الذكية الذي يمكن التحدث إليه كالإنسان الآلي، وقالت إنها شاهدت في أحد البرامج التلفزيونية توقعات باختفاء الكتب ويتم استبدالها بشرائح إلكترونية مثل شرائح الهواتف، وسيتم من خلالها تحميل المناهج المدرسية لكل مرحلة سنية، وسيتم اختبار الطالب عبر تلك الشرائح الإلكترونية الذكية، بلغات عدة حسب كل مادة.
التربية: مدارس ثلاثية الأبعاد
أوضح المهندس عبد الرحمن الحمادي، وكيل وزارة التربية والتعليم للخدمات المساندة، أنه في الوقت الذي تعمل فيه الوزارة على تطوير المنظومة التعليمية، تسعى إلى عكس هذا التطوير في مباني المدرسة الإماراتية وتخطيطها وتصاميمها وتوزيعها في عدد من مناطق الدولة وفقاً للخطة طويلة المدى التي وضعتها الوزارة.
وأكد أن إنشاء مباني المدارس بالاعتماد على تقنية الطباعة ثلاثية الأبعاد، ضمن التوجهات المستقبلية للمباني المدرسية، ليس فقط لمساهمتها في تخفيض التكلفة الإنشائية، وإنما لكونها تتوافر فيها أعلى معايير الاستدامة.
وأشار إلى أن الوزارة طورت 99 مدرسة من المدارس ذات العمر الافتراضي الجيد، لخدمة العملية التعليمية والمجتمع المحيط، وتعمل الوزارة على تطوير مدارس أخرى بتصاميم جديدة تواكب منظومة المدرسة الإماراتية، بالتعاون مع شركائها، كما سبق أن افتتحت الوزارة مجمع زايد التعليمي في الشارقة، وستدشن العام المقبل مجمّعاً آخر في رأس الخيمة يخدم 3300 طالب وطالبة، لافتاً إلى أن النموذج الجديد من المدرسة الإماراتية يضم 70 مدرسة، موزعة على إمارات الدولة وفق الخطة الاستراتيجية التي وضعتها الوزارة.
وأضاف: «تعكس مباني المدرسة الإماراتية البيئة المستدامة المحفّزة التي تأخذ بعين الاعتبار احتياجات الطلبة والهيئات التعليمية والإدارية، وتساعد على التطبيق الأمثل للمناهج الدراسية المطورة التي تشكل المشاريع العملية والمختبرات جزءاً أساسياً من اليوم المدرسي، بهدف تعزيز مهارات الطلبة في المجالات التي تركّز عليها رؤية الإمارات 2071، ليكون الطلبة قادرون على المنافسة في ساحة الاقتصاد المعرفي وسوق العمل في المستقبل». ولفت إلى أن المدارس الحاضنة في مجال ريادة الأعمال والابتكار بند أساسي في محور التعليم ضمن رؤية 2071، مؤكداً أن الوزارة ملتزمة بتوجيهات القيادة الرشيدة في أن يشهد عام الاستعداد للخمسين، وضع تصور في مختلف المجالات للتكيف مع متغيرات المستقبل وصياغة المشهد التعليمي بعد خمسين عاماً.
الواقع المعزز عماد العملية التعليمية
يقول التربوي عبدالله أحمد النقبي في منطقة رأس الخيمة التعليمية إن التعليم في الإمارات يمضي قدماً، ويتطور منذ سنوات، فكانت في البداية مدارس تعتمد على الأوراق، وتدرجت إلى مدارس خضراء مستدامة، حتى أصبحت اليوم مدارس إلكترونية تتعامل بالتقنيات الحديثة، وأشار إلى أنه بالإرادة والعزيمة سيكون الابتكار في السنوات الخمسين المقبلة عماد العملية التعليمية، وسيعتمد على التقنيات الحديثة مثل تكنولوجيا الواقع المعزز التي ستنقل الطالب إلى عمق عملية التعلم في عوالم افتراضية.
3 تحديات
أبرز التحديات التي تواجهها مؤسسات التعليم العالي في المستقبل هي مواكبة التكنولوجيا وإعداد الأساتذة للتدريس في الجامعات وجعلهم عنصراً محفزاً للطلبة من خلال ردم الفجوة بين الطرفين، وإكساب الدارسين مهارات سوق العمل، أما التحدي الثالث فيتمثل في إعداد مناهج لوظائف غير موجودة بعد.