21 نوفمبر 2011 21:28
في كل عام نرى جموع الحجيج يقفون على جبل عرفات ونشاركهم ذاك اليوم بالصيام والدعاء، ليكون هذا اليوم مميزا لدى كل مسلم لما فيه من ميزات لا تكون في غيره من الأيام فهو أفضل الأيام عند الله عز وجل، وبينما ننظر إليهم عبر شاشات التلفزة تدمع عيوننا وتكاد تتفطر قلوبنا شوقا وحنينا لنكون معهم ونؤدي فريضة الحج التي هي خامس أركان ديننا الحنيف، أجل نغبطهم ونتمنى لهم القبول والسلامة في عودتهم لأهاليهم وأوطانهم، ونتوجه بالدعاء إلى الباري سبحانه ليرزقنا حجة مباركة كحجتهم.
إدارة حملة الحج
ومن المهن التي يحتاج أداؤها بأمانة ومصداقية وتفان وخبرة لإنجاح حملة الحجيج بدءا من خروجها من أرض الدولة وعودتها إليها، هي مهنة المدير التنفيذي لحملة الحج والعمرة، ومن أجل تسليط الضوء عليها والتعرف على مهامها التقينا المهندس عبدالرب صالح الحارثي مؤسس ومدير تنفيذي لحملة في أبوظبي.
حيث يتحدث الحارثي عن سبب دخوله لميدان الحج والعمرة على الرغم من دراسته لهندسة الطيران ويقول: «درست هندسة الطيران في الولايات المتحدة الأميركية وعملت في ذات المجال متنقلا بين طيران الاتحاد والخليج، وأثناء ذلك خرجت لأداء فريضة الحج مع إحدى حملات الحج والعمرة في أبوظبي عام 1989 وعانيت من قصور في الخدمات المقدمة لي كحاج من حيث السكن ونوعية الطعام المقدم والمواصلات ونحو ذلك، والذي يعود سببه باختصار لسوء الإدارة فالإدارة هي أساس نجاح الحملة أو فشلها، هذا بدوره دفعني لإجراء عملية حسابية قارنت عبرها المبلغ الذي دفعته مع الخدمات التي حصلت عليها وصرت أسأل الفندق عن أسعاره وأسعار المواصلات ...الخ، وراودتني فكرة أنه لو كنت مكان هذا المقاول صاحب الشركة الذي خرجت للحج معه لقدمت خدمات أفضل بنفس السعر وربحت في نفس الوقت، شيئا فشيئا استهوتني الفكرة وحولتها إلى واقع ملموس عبر تأسيسي لشركتي الخاصة التي عالجت بها عيوب غيري وذلك عام 1991»
ويستطرد: «عملي كمهندس طيران لم يتعارض مع عملي كمدير تنفيذي للشركة، حيث كنت أذهب خلال الفترة المسائية لأتابع الأعمال الإدارية للشركة وأحرص على أن تكون إجازتي السنوية خلال فترة الحج ورمضان ليتسنى لي مرافقة الحجاج والمعتمرين إلى الديار المقدسة، لكنني منذ 4 سنوات ارتأيت التفرغ التام لحملات الحج والعمرة وتقاعدت من عملي السابق».
سمعة طيبة
ويلفت الحارثي إلى أن سر نجاح عمل شركات الحج والعمرة يتوقف على أمور عدة أهمها الإدارة الناجحة من قبل مدير الشركة، الذي يحرص على متابعة كل كبيرة وصغيرة بنفسه، ويرافق الحجاج والمعتمرين في رحلتهم ويطمئن على راحتهم ورضاهم عن الخدمات المقدمة لهم، ويستمع لشكواهم ويعالجها في ساعتها ويلتزم بالإيفاء بالخدمات المنصوص عليها في العقد المبرم بينه وبين الحاج والمعتمر، فتكسب بذلك الشركة سمعتها الطيبة المرتبطة بحسن معاملتها ومصداقيتها للمتعاملين معها من الحجاج والمعتمرين.
ويفيد الحارثي أن شركته متخصصة في النقل الجوي فقط وصنفت من قبل إدارة الحج بالدولة تحت ما يسمى بالفئة الخاصة وهي أحسن الفئات وأكثرها عددا من حيث الحجاج الذين يقصدونها، وعلى الرغم من أن الحارثي يمكنه أن يأخذ أكبر عدد ممكن من الحجاج من أجل زيادة الكسب المادي لكنه يرفض أن يتجاوز عدد حجاج حملته السنوية الـ 300 حاج ويعلل السبب بأنه وجد أن هذا العدد هو الأنسب لتقديم خدمات مثالية للحجاج وإن زاد العدد عن هذا الحد فقد تتأثر جودة الخدمات وبالتالي ستتأثر سمعة الشركة التي هي رأس مالها الحقيقي.
خدمات حقيقية
وحول العقود التي تبرمها بعض الشركات مع الحجاج وتعدهم بخدمات مثالية تختلف تماما عن الواقع الذي يتفاجأ به الحاج لدى وصوله، يبين الحارثي الأساليب التي أعدتها إدارة الحج في دولة الإمارات العربية المتحدة لحماية الحاج وضمان حقوقه قائلا: «في بداية تجهيزنا نحن كشركات للحج نختار السكن المناسب ونحدد نوعية الطعام وجودة المواصلات التي سنقدمها للحاج ونتقدم بها إلى إدارة الحج التي لا تمنحنا الموافقة على فتح باب تسجيل طلبات الحجاج وإبرام العقود معهم حتى تقوم بكشف ميداني على جميع الخدمات التي نود تقديمها للحجاج، وتقارنها مع ما هو مكتوب في العقد الذي نود توقيعه مع الحاج لتتأكد من مدى اتفاقهما، فإذا ما قامت الشركة بتغيير السكن مثلا دون علم إدارة الحج وقام الحاج بإبلاغهم بذلك تخالف الشركة وتعوض الحاج مباشرة، كما يوجد بعثة رسمية من الدولة مكونة من طاقم طبي وإعلامي ووعظي إرشادي وأمني متواجد في مكة والمدينة والمشاعر من أجل خدمة الحجاج والاستماع لشكواهم ومعالجتها وعمل جولات تفتيشية على مساكن الحجاج وسؤالهم لحظة وصولهم عن مدى رضاهم عما قدم إليهم من قبل الشركات ومدى تقصيرها معهمبالإضافة إلى أن الهيئة العامة للشؤون الإسلامية والأوقاف قامت بتأسيس نظام إلكتروني منذ عدة سنوات تتحمل كل حملة فيه مسؤولية تعبئة بيانات لكل حاج مشتملة على اسمه وعمره وفي أي فندق سينزل و..الخ مرفقة مع صورة عن العقد حتى يحفظ حق الحاج لو قصر فيه عبر وجود عقود موثقة فيما لو اشتكى عن قصور ما في الخدمات المقدمة له، ويمكنني القول أن مخالفات الشركات بفضل هذا النظام الالكتروني انخفضت كثيرا والذي يشكل جهة رقابية بحد ذاته».
جوانب مضيئة
وعلى الرغم من أن عمل الحارثي ينطوي على الكثير من المتاعب والضغوطات النفسية نتيجة التوتر على حال الحجاج والرغبة في إرضائهم ومشقة في السفر، لكنه يحمل الكثير من الجوانب المضيئة الجميلة بحسب تعبيره، إذ اكتسب من خلال عمله الكثير من الصداقات والعلاقات الاجتماعية الطيبة واكتسب الصبر وحسن التواصل مع الناس مهما تباينت طباعهم وطريقة تفكيرهم.
ويبتسم الحارثي لدى سؤاله عن موقف مضحك في رحلاته في الحج والتي يبلغ عددها 19 رحلة ويقول: «بينما وصلت بالحجاج إلى الفندق واطمأننت عليهم بأن كلا منهم مرتاح في غرفته الفردية أو الجماعية، فإذا بـ 3 نساء ينزلن من الغرفة متضايقات ويطلبن أن يتم نقل المرأة الرابعة الموجودة معهن من غرفتهن إلى غرفة أخرى.
ولدى استفساري عن السبب تبين أن تلك المرأة كانت تكلمهن عن الموت مرارا وتكرارا حتى يجتهدن في حجهن، ولما سألنها عن عملها فقالت إنها تغسل وتكفن أمواتا فأصبن بالذعر وطلبن نقلها، وعندما حاولت نقلها فإذا بجميع النساء الأخريات يرفضن ضمها لغرفتهن لذات السبب، فما كان مني إلا أن وضعتها في غرفة لوحدها وتحملت تكلفة ذلك.
المصدر: العين