الجمعة 1 نوفمبر 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

فعاليات «فن أبوظبي» إبداع وتجارب تستحق التوثيق

فعاليات «فن أبوظبي» إبداع وتجارب تستحق التوثيق
20 نوفمبر 2011 02:22
نالت فعاليات فن أبوظبي، التي تتخذ من منارة جزيرة السعديات مقراً لها، إعجاب وتقدير الحاضرين، حيث كان الجميع في حراك بحثاً عن جرعة من الدهشة الصافية التي لا تسلس قيادها إلا للإبداع الفني المتأصل، تجارب تستحق التوثيق شهدها مبنى المنارة المرتمي في أحضان الجزيرة، ونتائج جديرة بأن تكون مثاراً للاعتزاز تمخض عنها ذلك اليوم الذي بدا لفرط روعته أقصر مما يجدر به أن يكون. بين الأنشطة التي تميز بها «فن أبوظبي» ورشة فنية للكبار محورها الطباعة الشمسية، وهي تقدم تقنيات متطورة في اليوم الثاني تتيح نقل الرسومات والصور إلى لوحة حساسة للضوء، وتسمح بطباعتها على ورق عادي، أهم ما في العملية المعتمدة أنها لا تمثل أي خطورة على القائمين بها، كذلك هي صديقة للبيئة لجهة عدم تدخل تركيبات كيمائية معقدة في مسارها، هي أيضاً لا تحتاج إلى خبرة فنية مسبقة، أي أنه بوسع المتدرب أن يأتي إلى الورشة صباحاً، وهو لا يعلم شيئاً عن مهارة الطباعة الشمسية، ليعود لاحقاً وفي جعبته لوحة أو أكثر دقيقة الصياغة، ومتقنة الإخراج، هذا ما حصل على امتداد الساعات القليلة التي استغرقتها الورشة بين الشرح النظري والتطبيق العملي، حيث خرج المشاركون، المشاركات على الأصح، حيث طغى العنصر الأنثوي بشكل مثير للتساؤل على الحضور، خرجن يحملن منجزاتهن اللونية بملامح من يصعب عليه التصديق، هو سحر، أو شيء يشبهه، وذلك هو الفن الحقيقي. نتيجة مرضية المشرف على الورشة جيمس مافيوز، وهو مدرس لمادة التربية الفنية، بدا معنياً في توصيل كل ما يمتلكه من مدارك وتقنيات إلى المشاركين، وقد أبدى حرصاً فائقاً على رصد وقع كلامه في أسماعهم، أما عندما بدأ التطبيق العملي، فقد راح يتحرك بدينامية مميزة بين الطاولات يراقب آثار جهوده، ويحاول أن يدفع المنفذين إلى بذل أقصى جهودهم الممكنة سعياً وراء النتيجة المرضية، وفي النهاية، كان ممكناً القول إن النتائج أتت متناسبة، مع الجهد ومتوافقة مع الطموحات، وكان بوسع مافيوز، وزميلته فاطمة سيف غزال تأكيد المقولة التي سبق لكل منهما طرحها، ومفادها أن الإبداع الفني قابل للاكتساب، وأن المطلوب لتحقيق ذلك هو مزيج متوازن من الرغبة والجهد. في سياق توصيفه لحيثيات عمله، أوضح مافيوز أن الطباعة الشمسية تعتمد على بلاكات نحاسية مغطاة بمادة حساسة لضوء الشمس، حيث يصار في البداية إلى نسخ الصورة أو الرسم المراد طباعته على قطعة من النايلون الشفاف، ثم يتم إسناد هذه القطعة إلى اللوحة النحاسية، حيث تخضع لعملية تلوين متقنة، توضع بعدها في الشمس، قبل أن تغسل بالماء. وتنظف النتوءات بفرشاة أسنان خشنة، ثم تأتي الخطوة الأخيرة والمتمثلة بوضع ورقة بيضاء فوق النحاس الذي يكون قد فقد نعومة ملمسه جراء التغييرات التي خضع لها، فالأجزاء التي تخضح لضوء الشمس تنحبس نحو الداخل، مما يجعل الأجزاء الملونة تبدو كما لو أنها في حالة انتفاخ، هذه التعرجات التي تعترض القطعة النحاسية تسمح باستنساخ الصورة على الورقة البيضاء، وذلك عبر الاستعانة بدولاب معدني تغمس أطرافه بحبر أسود، ثم يمرر جيئة وذهاباً فوق الورقة المستندة إلى البلاك النحاسي. عملية معقدة بعض الشيء، لكن نتائجها مبهرة حتماً، إذ كان يصعب التصديق في النهاية أن الأيدي الناعمة التي تخرج من تحتها اللوحات متقنة تنم عن احتراف متأصل، إنما هي تعود إلى أشخاص لم يسبق لهم التعامل مع هذه التقنية، بل إن كثيرين منهم لم يكونوا على علم بوجودها حتى. فك اللغز من جانبها، كشفت فاطمة سيف غزال، شريكة مافيوز في الورشة، وفي أنشطة كثيرة مشابهة، أن روعة العمل المنجز كثيراً ما تجذب كل من يسمع بتقنية الطباعة الشمسية نحو تعلمها، خاصة عندما يعلم أنها لا تحتاج وقتاً كثيراً، وإن كانت تستلزم تركيزاً ودقة، وهي تحيل النجاح المتواصل الذي يحققه المشاركون في الورشات إلى الرغبة العارمة التي تتولد لديهم في تعلم ما يكاد يكون بالنسبة إليهم لغزاً مغلقاً.. غزال تبدي حماسة في توصيف النتائج التي تثمر عنها تلك الدورات، فتؤكد بثقة أن بإمكانها تحويل الناس جميعهم إلى فنانين. صلة حميمة من جهتها، تقول الطالبة هيا القبيسي التي تشارك للمرة الأولى في ورشة مماثلة، إن الدافع وراء حماستها يكمن في ممارستها لهواية الرسم، إضافة إلى التصوير الفوتوغرافي، قد سبقت المشاركة في مسابقة للمصورين، هذا الاستعداد المبدئي أثار الفضول لدى القبيسي لخوض غمار التجربة، وهي خرجت راضية عنها. اختارت هيا صورة ضوئية لفتاة تسير وحدها على شاطئ البحر كي تتولى طباعتها شمسياً، وعن سبب الاختيار تقول إن المشهد أثار اهتمامها، فهي تلجأ أحياناً إلى مثل هذا التصرف سعياً وراء الهدوء النفسي. والأرجح أن لمسألة الاختيار دوراً حاسماً في خروج النسخة النهائية من الصورة المطبوعة على درجة من التميز، ذلك أن من شأن حميمية الصلة بين المبدع ومنجزه أن تعزز من نوعية الإنتاج. مطرح للشغف بدورها، تقول الطالبة شيماء الموسوي انها ترتبط بصلة راسخة مع الرسم الذي اختارته كمادة دراسية، لذلك فإن مشاركتها في الورشة تعبر عن ذلك الشغف، وتأتي استجابة لنزوع دائم نحو تطوير الهواية والتملك من أدواتها المعرفية. الصورة التي اختارتها شيماء هي مسجد الشيخ زايد، وتقول في معرض تعليلها للاختيار أن إعجاباً متجذراً يتملكها حيال هذا المسجد، وما يمثله من قيم حضارية وإنسانية وعمرانية يصعب إحصاؤها. كذلك توضح الطالبة مهرة الهاشمي أنها تمارس الرسم بالفحم كهواية، وهي لم يسبق لها أن شاركت في دورة عن الطباعة الشمسية، وإن كانت تملك فكرة نظرية عنها.. الصورة التي اختارتها مهرة تمثل طفلاً في حالة تأمل، وهي ليست محايدة في اختيارها، إذ تبدي من خلاله انحيازاً نحو مملكة الطفولة الفائقة الغنى، وقد أمكن لذلك التوق نحو البراءة أن يمنح صورتها اتقاناً لافتاً. نحو السماء اليازي المهيري، خريجة جامعية، وهي درست التاريخ من توقها الفني كان طاغياً، لذلك تعلمت عزف البيانو، ومارست الرسم، وتميزت في الخط العربي، طموجها الفني دفعها للتتلمذ على أيدي الفنان التشكيلي اللبناني وجيه نحلة، وقد كان لتلك التجربة أن حصنت قدراتها الفنية، ومنحتها أفاقاً جديدة. عن مشاركتها في ورشة الطباعة الشمسية، تقول اليازي إنها تجربة مثيرة لللاهتمام، وهي اختارت صورة لأحد الصقور كي تتولى طباعتها، وبالتأكيد، فإن الأمر ليس منفصلاً عما يحمله الإماراتيون في نفوسهم من شغف بالشواهين المحلقة باعتزاز في مدارات السماء. نحو الأوراق المطبوعة انتهى الوقت المخصص لورشة الطباعة، وبينما كان الحاضرون يلملمون أوراقهم كانت الأنظار تتجه خلسة نحو الأوراق المطبوعة، كما لو أنها تحاول الارتواء من تلك الكائنات الإبداعية التي تكاثرت في زمن قياسي، المرحلة الثانية خصصت لورشة في تصميم الأثاث، تولاها المتخصص خالد شفر. ومجدداً شخصت الأبصار نحو الرجل وهو يقدم لأعمال ورشته، فيما امتلأت الطاولة أمامه بأشياء لا تمت بصلة إلى مملكة الأثاث: محارم ورقية، ملاعق بلاستيكية، صحون ورقية، حبال غسيل، أوراق صحف، ومصاصات مخصصة لشرب المرطبات، الأمر يشبه وليمة أعدت على عجل، لكنها وليمة تستلهم الذائقة وتستهدف الوجدان. وقد برع شفر في ابتداع نماذج مدهشة اعتماداً على مواد أولية لا تمت لها بصلة، معتمداً في ذلك على أنامل ماهر تجيد تدوير الأشياء وإعادة صياغتها وفقاً لطاقاتها الكامنة وليس اعتماداً على ما منحتها إياه الوظيفة المتعارف عليها فقط، أما السر الذي يعتمد عليه المبدع في استخراج المدهش من رحم المألوف، فقد حدده خالد بالقول: إنه في تلك القدرة على حسن قراءة المقاييس والأبعاد المختلفة للشيء الواقع بين أيدينا، وحينها سيكون ممكناً تغيير وجهة استعماله.
المصدر: أبوظبي
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©