الجمعة 18 يوليو 2025 أبوظبي الإمارات 34 °C
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

العلماء: الرحمة في ديننا تشمل الإنسان والحيوان والجماد

العلماء: الرحمة في ديننا تشمل الإنسان والحيوان والجماد
14 نوفمبر 2013 20:58
أحمد مراد (القاهرة)- الرحمة في الإسلام الحنيف قيمة أخلاقية وعملية تعبر عن تعاطف الإنسان مع أخيه الإنسان، بل هي رحمة تتجاوز الإنسان بمختلف أجناسه وأديانه إلى الحيوان، وإلى الدواب والأنعام، وإلى الطير والحشرات. والرحمة إذا تمكنت من قلوب أفراد المجتمع وبنيه، فسنراهم يرقون للضعيف، ويألمون للحزين، ويحنون على المريض، ويئِنون للمحتاج، وإن كان حيوانًا، وبهذه القلوب الحية الرحيمة يصفو المجتمع، ويبتعد عن الجريمة، ويصبح مصدر خيرٍ وبِرٍ وسلام لِما حوله ومَنْ حوله. ويوضح الدكتور محمد خليفة حسن الباحث في الدراسات الإسلامية أن الإسلام الحنيف جعل البر والرحمة دعامة الإخاء الذي قامت عليه الحضارة الإسلامية، وشملت الرحمة كل ما اتصل بحياة الإنسان والحيوان، وكان الرسول صلى الله عليه وسلم المثل الأعلى للإخاء في أسمى صور كماله، وهو إخاء محض بلغ غاية الإخلاص والسمو لا تشوبه شائبة، لأن العدل يتضافر فيه مع الرحمة، والإسلام إذ يضع العدل إلى جانب الرحمة يضع العفو إلى جانب العدل على أن يكون عفواً عن مقدرة ليكون مظهر الرحمة صريحاً وصحيحاً. المثال والأسوة ويقول: كان الرسول صلى الله عليه وسلم النموذج والمثال والأسوة في تطبيق الإخاء كأساس للحضارة، حيث كان إخاؤه لبني الإنسان جميعاً إخاء تاماً صادقاً، وكان إخاء المؤمنين عامة إخاء محبة لإصلاح دعامة حضارة الإسلام الناشئة، وأصبحت الحضارة الإسلامية الكفيلة حقا بإسعادها، فهي حضارة لا تعرف سيادة ولا تحكما، بل أساسها الإخاء الصادق والرحمة بالفقير والبائس والمحروم فيزول الشقاء وتسود السعادة، والإخاء هو أيضاً أساس التسامح بين البشر، وبخاصة حين يكون إخاء بين الناس كافة في مشارق الأرض ومغاربها يتضافر فيها العدل والرحمة، ويتساوى في الحق والفضل والخير، لقد بدأ الإخاء عند المسلمين رحمة، وانتهى إلى حضارة أساسها الإخاء والتسامح بين البشر لتحقيق سعادة الإنسان في كل زمان ومكان. وأكد أن القرآن الكريم أسس لعلاقة المسلمين بالنصارى على أساس من المودة الكاملة والرحمة الخالصة، حيث يقول الله تعالى: “لتجدن أشد الناس عداوة للذين آمنوا اليهود والذين أشركوا ولتجدن أقربهم مودة للذين آمنوا الذين قالوا إنا نصارى ذلك بأن منهم قسيسين ورهباناً وأنهم لا يستكبرون”، وقد عامل الرسول صلى الله عليه وسلم النصارى معاملة كريمة رحيمة، وتبدو مظاهر الرحمة في العديد من الأحداث ذات الصلة بالنصارى، منها ما رواه ابن جرير نقلاً عن ابن عباس: “إن رجلا من بني سالم بن عوف، يقال له– الحصين– وله ولدان مسيحيان وهو مسلم، سأل الرسول صلى الله عليه وسلم فيما إذا كان يجب عليه إكراه ولديه على اعتناق الإسلام، وهما يرفضان كل دين غير المسيحية فأنزل الله تعالى: “لا إكراه في الدين”، فالتسامح في الإسلام أصيل، فالقاعدة التى حددها الإسلام في علاقاته بأصحاب الديانات الأخرى هي تلك التي نص عليها القرآن الكريم. الطريق النموذجي ويتابع الدكتور خليفة: وكانت الرحمة كنتيجة للمؤاخاة الطريق النموذجي لتحقيق الوحدة الاجتماعية والاقتصادية والسياسية للمسلمين، وكانت في نفس الوقت نقطة الانطلاق إلى تحقيق الوحدة السياسية والعسكرية لمجتمع المدينة، حيث تم توحيد القبائل العربية في المدينة للدفاع الجماعي عن المدينة ضد أعدائها وأصبح الدفاع بهذا الشكل مسئولية جماعية وليس مسؤولية كل قبيلة على حدة، وقد أدت المؤاخاة إلى إمكانية الدخول في معاهدة مع اليهود، وقد تمخض هذا كله عن صدور صحيفة المدينة التي اشتملت على اثنين وخمسين بنداً تم فيها تحديد العلاقات بين أطراف المجتمع في المدينة، وكانت نقطة الانطلاق إلى تأسيس الدولة في المدينة التي يمكن القول: إنها تحولت بعد الوثيقة إلى مدينة ودولة تقوم على أساس من الأخوة والود. صفتا الرحمن الرحيم ويقول الداعية الإسلامي الدكتور راغب السرجاني: أول ما يلفت الأنظار في كتاب الله أن كل السور فيه- باستثناء سورة التوبة- قد صُدِرت بالبسملة، وأُلحِق بالبسملة صفتا الرحمن الرحيم، ولا يخفي على أحد أن تصدير كل السور بهاتين الصفتين أمر له دلالته الواضحة على أهمية الرحمة في التشريع الإسلامي، ولا يخفي على أحدٍ أيضا التقارب في المعنى بين الرحمن والرحيم، وكان من الممكن أن يجمع الله تعالى مع صفة الرحمة صفة أخرى من صفاته، كالعظيم أوالحكيم أوالسميع أوالبصير، وكان من الممكن أن يجمع مع الرحمة صفة أخرى تحمل معنى آخر يُحَقِّق توازنًا عند القارئ، بحيث لا تطغى عنده صفة الرحمة، وذلك مثل الجبار أوالمنتقم أوالقهار، ولكن الجمع بين هاتين الصفتين المتقاربتين في بداية كل سور القرآن الكريم يعطي الانطباع الواضح جدًّا، وهوأن الرحمة مُقدمة بلا منازع على كل الصفات الأخرى، وأن التعامل بالرحمة هوالأصل الذي لا ينهار أبدًا، ولا يتداعى أمام غيره من الأصول. ويضيف: وإضافة إلى ذلك كله فإن الله تعالى قد بعث رسول الإسلام رحمة للإنسانية ورحمة للعالمين، فقال تعالى: “وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلاَّ رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ”، وقد وضح ذلك في شخصه صلى الله عليه وسلم وفي تعاملاته مع أصحابه وأعدائه على السواء؛ حتى إنه صلى الله عليه وسلم قال محفِّزًا ومرغِّبًا على التَّخَلُّقِ بهذا الخُلُقِ وتلك القيمة النبيلة: “لاَ يَرْحَمُ اللهُ مَنْ لاَ يَرْحَمُ النَّاسَ”، وقد أقسم الرسول في حديث آخر قائلاً: “وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ، لا يَضَعُ اللهُ رَحْمَتَهُ إِلاَّ عَلَى رَحِيمٍ”. قالوا: يا رسول الله، كلنا يرحم. قال: “لَيْسَ بِرَحْمَة أَحَدِكُمْ صَاحِبَهُ؛ يَرْحَمُ النَّاسَ كَافَّةً”. فالمسلم يرحم الناس كافَّة، أطفالاً ونساءً وشيوخًا، مسلمين وغير مسلمين. وقال أيضًا: “ارْحَمُوا مَنْ فِي الأَرْضِ يَرْحَمْكُمْ مَنْ فِي السَّمَاءِ”. درس من سير الأولين أوضح الدكتور محمد خليفة حسن الباحث في الدراسات الإسلامية أن مبدأ المؤاخاة كان بديلاً في غاية الأهمية بالنسبة للمهاجرين الذين انقطعت علاقات الرحم والدم بينهم وبين أهاليهم بسبب قبولهم للإسلام، وكان من الضروري خلق رابطة أخرى قوية تضمن السلامة النفسية والاجتماعية للمهاجرين، وتكون في نفس الوقت ضماناً جيداً لاستمرارية مجتمع المدينة المسلم الجديد، ولا توجد رابطة أقوى من هذه الرابطة الروحية وهي رابطة الأخوة في الاسلام. وقال: حققت المؤاخاة هدفين في وقت واحد، حيث حققت الرحمة الكاملة لمشكلة قافلة المهاجرين وحاجتهم إلى الأهل والمال والطعام، وأشبعت حاجتهم المادية، وحققت بقاءهم على الحياة. كما حققت المؤاخاة في نفس الوقت القوة الروحية للمسلمين عن طريق الأخوة في الله والدين، وتعتبر هذه المؤاخاة حدثاً لا يبارى في تاريخ الإنسانية، وقد تجاوزت وتفوقت على علاقة الدم والنسب، والكرم الذي أبداه الأنصار وتضحيتهم أصبح مضرباً للأمثال في تاريخ المسلمين، بل وفي تاريخ البشرية، فالمهاجرون لم يكونوا مجرد ضيوف عليهم، ولكنهم أصبحوا شركاء لهم فيما يملكون من ثروة وأرض ومنازل. كما أنهت المؤاخاة على العدوات القبلية التي كانت موجودة بين الأوس والخزرج بما خلفته المؤاخاة من نموذج جديد للحياة الاجتماعية، وتحققت بذلك وحدة سياسية ونظامية لم تكن معروفة في شبه الجزيرة العربية من قبل.
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2025©
نحن نستخدم "ملفات تعريف الارتباط" لنمنحك افضل تجربة مستخدم ممكنة. "انقر هنا" لمعرفة المزيد حول كيفية استخدامها
قبول رفض