الثلاثاء 6 مايو 2025 أبوظبي الإمارات 34 °C
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

الكتابُ الأنيسُ·· قَبسٌ من طَرائفِ الأخبارِ المَاتِعَة المُؤنِسَة

الكتابُ الأنيسُ·· قَبسٌ من طَرائفِ الأخبارِ المَاتِعَة المُؤنِسَة
21 مارس 2009 00:56
تضمّ خزانة الكتب العربية مئات المُصنفات في مختلف المعارف والعلوم والآداب والتاريخ والفكر والفلسفة التي تمثل خزين التراث العربيّ الإسلامي عبر العصور المتعاقبة من تأليف مبدعي حضارتنا الزاهية، والذي لابُد من إحيائه ونشره بين العامة ليكونوا على إطلاع بيِّن لتلكم الإبداعات والاشراقات المُبدعة· لقد كانت هناك ضوابط وعادات وتقاليد اتبعها الادباء والكُتّاب والنسّاخون والخطاطون والمجلِّدون والمزوقون والرّسامون وغيرهم لإنتاج كتبهم، وهي ما تُسمى اليوم ''طقوس الكتابة''· فمن عادات الأدباء والكُتاب العرب أن يخطوا على متنّ مؤلفاتهم عبارات أو كتابة أبيات شعر معينة· ونقرأ من ذلكم أنّ أحمد بن يوسف الأزرق التنوخي قال: أنشدنا أبو أسعد داود بن الهيثم بن البهلول لنفسه، وكتبها على ظهر دفتر، جمع فيه أخباراً وأشعاراً جعلها ترجمة له: نُتفٌ من طرائف الأخبار وشذور المُقطعات القصار نزهةٌ للقلوب فيها رياضٌ زينتها بدائعُ الأشعار ويروي الدكتور يحيى الجبوري في ''الكتاب في الحضارة الإسلامية'' نماذج واستشهادات عن ذلك، منها أن نصر بن علي الجهضمي قال: أهدى أحمد بن المعدل إلى أبي يحيى عيسى بن أبي حرب، دفتراً فيه دُعاءً، وكتب إليه قوله: فيه دُعاءٌ إذا ما الأمرُ أعضلني واستحكم الهمُ في قلبي فأرّقني ناديتُ مُعتمدي في كل نائبةٍ فلم أتممهُ حتى هو يخلصني كما يُروى في هذا الباب ـ ما يُكتب على ظهر الدفتر ـ أي الكتاب، عن علي بن عبدالله بن الحسن الهمذاني، قال: سمعتُ أبا الطيب محمد بن جعفر الورّاق يقول: قرأتُ على ظهر كتاب لأبي يعلى أحمد بن علي بن المثنى الموصلي قوله: هذا كتابُ فوائد مجموعةٍ جُمعَت بكدِّ جوارحِ الأبدانِ جُمِعَت على بُعْد المشقّة والنَّوى والسيرِ بينَ فيافيَ البلدانِ وقال القاضي أبو القاسم علي بن المُحسن التنوخي، أنشدني أبو الحسن النصيبي مؤدبي لنفسه، وترجم به كتاباً: كتابٌ يحتوي جُمَل السرور ويكسُو القلبَ أنواعَ الحُبُور به أنسُ الوحيد إذا تخلى بلوعته وبالدمع الغزير أهديت··· دفتراً طريف المعاني ثم كتب محمد بن خلف المرزبان، قال: كتب بعض الأدباء إلى صديق له، وأهدى لهُ دفتراً: ''قد أهديتُ لكَ من فنون كلامي، وعيون مقالي، دفتراً طريف المعاني، شريف المباني، صحيح الألفاظ، يلذُّ بأفواهِ الناطقين، ويلين على أفواه الصامتين''· وقال ابن المرزبان: أخبرني علي بن الحسن الكاتب، قال: أهدى بعض أهل الأدب إلى بعض الكتاب، في يوم نوروز، كتاباً فيه أخبار وآداب، فاستصغره واستقلّهُ، فكيف إليه المُهْدى: هديّةٌ تصغرُ لكنّها في عينِ مَن يعرفها تكْبُرُ بعثتُها كالروضِ في حُسنِهِ أنوارها مشرقةٌ تزهرُ كالعِقْدِ في النظمِ حوى جوهراً ما مثلُهُ في حُسنِهِ جوهَرُ جَوْنَةُ عطّارٍ إذا استُفْتِحَت يفوحُ منها المِسْكُ والعَنْبَرُ كالوشيِ في الحُسْنِ ولكنّهُ أحسنُ ما يُطوى وما يُنتشرُ لا تحقًرِ الدفترَ وانظُرْ إلى ما قَد حوى مِن علمِهِ الدفتَرُ مِن نادرِ الأخبارِ أو مُحكم ألـ أشعارِ أو مكرمةٍ تُؤثرُ كالدرِّ في الأصدافِ ما ضمّتِ الأوراقُ ممّا خطّتِ الأسطُرُ وروى الجبوري عن الخطيب البغدادي في ''تقييد العلم'' قوله، إنّ القاضي أبو القاسم علي بن المحسن التنوخي، أنشدني أبو الحسن النصيبي مؤدبي لنفسه، وترجم به كتاباً: كتابٌ يحتوي جُمَلَ السرورِ ويكسُو القلبَ أنواعَ الحُبورِ بهِ أنسُ الوحيدِ إذا تخلّى بلوعتهِ وبالدمعِ الغزيرِ اقتناء الكتب أما عن اقتناء الكتب والحرص والمحافظة عليها فيستشهد عن موسى بن عقبة أنّه قال: وضع عندنا كُرِيْب حِمْلُ بعير من كُتب ابن عباس، فكان علي بن عبدالله بن عباس، إذا أراد الكتاب كتب إليه: ابعث إليَّ بصحيفة كذا وكذا، فينسخها ويبعث بها· وقال بعض أهل العلم في ذلك المقام: ينبغي للمرء أن يذخر أنواع العلوم، وإن لم تكن له بمعلوم، وأن يستكثر منها، ولا يعتقد الغِنَى عنها، فإنّه إن استغنى عنها في حال، احتاج إليها في حال، وإن سئمها في وقت، أرتاح إليها في وقت، وإن شُغِلَ عنها في يوم، فرغ لها في يوم، وأن لا يسرع ويعجل، فربما عجل المرء على نفسه بإخراج كتاب عن يده، ثم رَامَهُ فتعذر عليه مرامه، وابتغى إليه وصولاً، فلم يجد إليه سبيلاً، فأتبعه ذلك وأنصبه، وأقلقه طويلاً وأرّقه، كالذي حُكِي عن بعض العلماء، قال: بعتُ في بعض الأيام كتاباً ظننتُ أنّي لا أحتاج إليه، فلما كان ذات يوم هَجَسَ في صدري شيء كان في ذلك الكتاب، فطلبته في جميع كتبي فلم أجده، فاعتمدت أن أسأل عنه عالماً عند الصباح، فما زلت قائماً على رِجْلِي إلى الصباح، قيل: فهلاّ قعدت؟ قال: لطُول أرقي وشدّة قلقي! وقال بعض أهل العلم في ذات المقام بأنه: ينبغي للمرء أن يذخر أنواع العلوم، وإن لم تكن له بمعلوم، وأن يستكثر منها، ولا يعتقد الغنى عنها، فإنه إن استغنى عنها في حال، احتاج إليها في حال، وإن سئمها في وقت، ارتاح إليها في وقت، وإن شُغِلَ عنها في يوم، فرغ لها في يوم، وأن لا يسرع ويعجل، فربما عجل المرء على نفسه بإخراج كتاب عن يده، ثم رامه فتعذر عليه مرامه، وابتغى إليه وصولاً، فلم يجد إليه سبيلاً، فأتعبهُ ذلك وانصبهُ، وأقلقه طويلاً وأرّقهُ''· ألاّ يبيع كتاباً أبداً؟ ثم قال آخرون عن اقتناء الكتاب وحرصهم عليه من الفقدان والضياع: ''بعتُ في بعض الأيام كتاباً ظننتُ أنّي لا أحتاج إليه، فلما كان ذات يوم هَجَسَ في صدري شيء كان في ذلك الكتاب، فطلبته في جميع كتبي فلم أجده، فاعتمدتُ أن أسأل عنهُ عالِماً عند الصباح، فما زلتُ قائماً على رجلي إلى الصباح، قيل: فهلا قعدت؟ قلتُ: لطول أرقي وشدة قلقي''·! وهذه حكاية رجل آخر في المعنى ذاته، حيث باعَ كتاباً، ظنّ أنه لا يحتاج إليه مع صاحبنا الآنف الذكر، ثم إنّه احتاج إليه فألتمس نسخة به، فلم يجدها بعارية ولا ثمن، وكان الشخص الذي ابتاعه قد خرج إلى بلده فشخص إليه، وسأله الإقالة وارتجاع الثمن منه، فأبى عليه، فسأله إعارته لنسخِ الكلمة منه، فلم يجبهُ، فأنكفأ قافلاً وآلى على نفسه ألاّ يبيع كتاباً أبداً! ومثله أيضاً، فقد باع رجل آخر كتاباً ظنّ أنّه لا يحتاج إليه بعد اليوم ثم إنّه احتاج كلمة منه، فقصد صاحبه، وسأله أن يُكْتِبَهُ تلك الكلمة، فقال: والله ما تكتبها إلاّ بثمن الكتاب كلّه، فردّ عليه ثمن الكتاب وكتب تلك الكلمة· وقيل لآخر: ألا تبيع من كُتبك لا تحتاج إليها؟ فقال: إن لم أحتج إليها اليوم احتجتُ إليها بعد اليوم! ويذكر بأنّ رجلاً اشترى كتاباً، فقيل لهُ: اشتريت ما ليس من علمك؟ فقال: اشتريتُ ما ليس من علمي ليصير من علمي· وقيل لثانٍ: ألا تشتري كُتباً تكون عندك؟ فقال لهم: ما يمنعني من ذلك إلاّ أنني لا أعلم، فقيل: إنّما يشتريها من لا يعلم حتى يعلم· ويروى كذلك في اقتناء الكتب، من أنّ رجلاً كان يشتري كلّ كتاب يراه، فقيل له: إنّك لتشتري ما لا تحتاجُ إليه، فقال: ربّما احتجتُ إلى ما لا يحتاجُ إليه· ومن شواهد الأشعار ما يُعزى إلى السَريِّ بن أحمد الكندي بقوله: لا تُخدَعَنّ عن العلومِ فإنّها سُرُجٌ يزيدُ على الزّمانِ ضياؤُها نْسَى القُرونُ فلا يشيدُ بذكرها أحدٌ ويذكرُ دائباً علماؤُها فاحرص على جمعِ العلومِ فإنّها ريُ القلوبِ من الصدَى وشِفاؤُها في سوق الورّاقين ومن المرويات الأدبية والتاريخية عن أولئك العلماء والكتّاب وحرصهم وحبّهم للكتاب، يقول إنّ: بعض القضاة المسلمين كان قد اشترى الكتب بالدَيْنِ والقَرْضِ، فقيل له في ذلك، فقال: أفلا اشتري شيئاً بلغَ بي هذا المبلغ، فقيل: فإنّك تُكثِر؟ فقال: على قدر الصناعة تكون الآلة· وكذلك أحتاج بعض النجارين إلى بيع فأسه ومنشاره فباعهما، وحزن عليهما، وندم على بيعهما، إلى أن رأى جاراً له من أهل العِلم في سوق الورّاقين، وهو يبيع كتبه، فقال: إذا باعَ العَالِمُ آلتهُ، فالصانعُ أعذرُ منهُ، وسلا بذلك· وقيل أيضاً لعبدالله بن المبارك ''رضيّ الله عنه'': يا أبا عبدالرحمن لو خرجت فجلست مع أصحابك قال: إنّي إذا كنت في المنزل جالست أصحاب محمّد صلّى الله عليه وسلم، يعني النظر في الكتب· وقال شفيق بن إبراهيم البلخي: قلنا لابن مبارك: إذا صليت معنا لا تجلس معنا؟ قال اذهبُ فاجلس مع التابعين والصحابة· قلنا فأين التابعين والصحابة؟ قال: اذهب فانظر في علمي فأدرك آثارهم وأعمالهم ما اصنع معكم؟ انتم تجلسون تغتابون الناس· وكان الزهري ـ رحمة الله ـ قد جمع من الكتب شيئاً عظيماً وكان يلازمها شديدة حتى أن زوجته قالت: ''والله إنّ هذه الكتب أشدّ عليّ من ثلاث ضرائر''· وقيل لبعضهم: من يُؤنسك؟ فضرب بيده إلى كتبه وقال: هذه· فقيل: من الناس؟ فقال: الذين فيها· وكان علماء المسلمين الأجلاء يقرأون الكتب ويطالعون القراطيس والأوراق في جميع أحوالهم، ويقول ابن القيم رحمه الله: ''وأعرف من أصابه مرض من صداع وحُمّى وكان الكتاب عند رأسه فإذا وجدَ أفاقة فيه فإذا غلب وضعه، فدخل عليه الطبيب يوماً وهو كذلك فقال: إنّ هذا لا يحلّ لك''· ينام والدفاتر حول فراشهِ كما نقرأ في أسفار تراثنا عن حبّ العربيّ للكتاب، فقد رُويّ عن الحسن اللؤلؤي أنّه قال: ''لقد غبرت لي أربعون عاماً ما قمتُ ولا نِمتُ إلاّ والكتاب على صدري''! وكان بعضهم ينام والدفاتر حول فراشة ينظر فيها متى انتبه من نومه وقبل أن ينام! بينما نجد أنّ بعض أهل العلم كان يشترط على مَن يدعوه أن يوفر له مكاناً في المجلس يضع فيه كتاباً ليقرأ فيه· وعن أبرز المهتمين والمعتنين بقراءة ومطالعة الكتب، قال أبو العباس المُبرد: ما رأيت أحرصُ على العلم من ثلاثة: الجاحظ، والفتح بن خاقان وإسماعيل بن إسحاق القاضي· فأما الجاحظ فانّه كان إذا وقع في يده كتاب قرأه من أوله إلى آخره، أيّ كتاب كان· وأما الفتح بن خاقان فكان يحمل الكتاب في خُفه فإذا قام من بين يديّ الخليفة العباسيّ المتوكل بن المعتصم بالله ليصلي أخرج الكتاب فنظر فيه وهو يمشي حتى يبلغ الموضع الذي يريد ثم يصنع مثل ذلك في رجوعه إلى أن يأخذ مجلسه· وأما إسماعيل بن إسحاق فإنّي ما دخلت عليه قطّ إلّا وفي يده كتاب ينظر فيه أو يقلب الكتب لطلب كتاب ينظر فيه· ابن الجوزي·· عشرون ألف مجلد إنّ حرص السلف وعلماء المسلمين على جمع الكتب والنظر فيها شيء كبير، ويقول الإمام ابن الجوزي رحمه الله في ذلك: ''إنّي اخبر عن حالي ما اشبع من طالعة الكتب، وإذا رأيت كتاباً لم أرَهُ فكأنّي وقعت على كَنزٍ، ولو قلت إنّي طالعت عشرين ألف مُجلّد كان أكثر وأنا بعد في الطلب''· وقال بعض العلماء العرب في هذا المقام: ''إذا استحسنت الكتاب واستجدته ورجوت منه الفائدة ورأيت ذلك فيه فلو تراني وأنا ساعة انظرُ كَم بقيَّ من ورقة مخافة استنفاده''· ويشير المؤرخون بأنّ بعض العلماء كانوا ينفقون في تحصيل الكتب الأموال الطائلة وربما انفقَ بعضهم كلّ ما يملك في ذلك، من ذلك ما قد اشترى الفيروز آبادي صاحب ''مُعجم القاموس المحيط''، بخمسين ألف مثقال ذهباً كتباً وكان لا يسافر إلاّ ومعه أحْمال منها ينظر فيها كلما نزل في سفره· وكان بعض العلماء يحسبون عند تفصيل ثيابهم حساب الكتب فهذا أبو داود ـ رحمه الله ـ كان له كُمٌّ واسع وكُمٌّ ضيق فقيل في ذلك فقال: ''الواسع للكتب والآخر يحتاج إليه''· وكان عند بعضهم خزانة كتب ليس فيها إلاّ وله ثلاث نسخ· كما وبلغ من اهتمامهم بالكتب أنّهم ألفوا كتباً خاصة ذات فصول وأبواب عن آداب طالب العلم مع كتابه وكيفية النسخ والحثّ على الجيد من الورق وصفة القلم الذي يكتب به والحبر ولونه وطرق المحافظة على الكتاب، وغير ذلك من الآداب· فضل الدرس وتطالعنا في الأسفار العربية حكايات وروايات عن بيان فضل الدرس والمطالعة ومنها ما حدّثه إبراهيم بن المنذر عن أيوب بن عباية إذ قال: قيل لابن دأب: يا أبا الوليد: إنّك رُبّما حملت الكتاب وأنت رجل تجدّ في نفسك، قال: إنّ حملَ الدفاتر من المروءة· وأخبر أبو بكر أحمد بن المفضل المعروف بسندانة، قال: أملى عليّ عبدالله بن المعتز، قال: رأى المأمون بعض ولده وبيده دفتر، فقال: ما هذا يا بُنَي، قال: بعض ما يشحذ الفطنة، ويُؤنس الوحدة، فقال المأمون: الحمد لله الذي رزقني ذرية يرى بعينِ عقله، أكثر ممّا يرى بعين جسمه· وكان علماء حضارتنا أحرص الناس على طلب العلم وتحصيله، وفي انتقاء الأحسن من المُصنفّات، ويروي في هذا المقام عن أبي العيناء محمد بن القاسم بن خلاّد، قال ابن عباس: العلم كثير، ولن تعيه قلوبكم، ولكن ابتغوا أحسنه، ألم تسمع قوله تعالى: ''الذينَ يستمِعُونَ، القَولَ فَيَتَبِعُونَ، أحسنَهُ أولئكَ هَداهُم اللهُ وأُولئِكَ هُم أُولُوا الألباب''· وعن أبي عمرو بن أبي مُعاذ، قال: كان الخليفة المأمون يُوصي بعض بَنِيه فيقول: أكتب أحسن ما تسمع، وأحفظ أحسن ما تكتب، وحدِّث بأحسن ما تحفظ· وأنّ أبا زيد الأنصاري كان قد رأى رجلاً حَسَن العِلم، كثير الرواية، جيد الحفظ لمُلَحِ الأخبار، لا يتمثل إلأّ بحَسَن، ولا يستشهد إلأّ بجيد، فقال: كأن والله علمه من ظهور الدفاتر· وقال المُعافي بن زكريا الجريري: يريد به ظهور الدفاتر، لا يكتب عليها إلاّ الأحسن· ولا آنسُ من كتاب وحول الأنسِ بالكتب والاستمتاع بعلومها وآدابها وفكرها نشير إلى أنّ عبدالله بن عبدالعزيز العمري كان يلزم الجَبَّان ـ المقبرة ـ كثيراً، فكان لا يخلو من كتاب يكون معه ينظر فيه، فقيل له في ذلك، فقال: إنّه ليس شيء أوعظُ مِن قبر، ولا أسلمُ مِن وحدة، ولا آنس مِن كتاب· وقد سمع الحارث بن أبي أسامة، موسى بن هارون البرزي، يقول: عُوتِبَ بعض الأدباء على لزومه منزله، وتركهِ مُحادثة الرجال، فأجاب بجوابِ مدحٍ فيه كتبه، فقال: لنا جٌلساء ما نَمَلُّ حديثَهم أَلِبّاءُ مأمونون غيباً ومشهدا يفيدوننا من رأيهم عِلْم مَن مضى وعقلاً وتأديباً ورأياً مُسددا بلا مؤونة تخشى ولا سوء عشرة ولا تتقي منهم لساناً ولا يدا فإن قلتُ هُم موتى فلست بكاذب وإن قلتُ أحياءٌ فلستُ مُفنَّدا يفكرُ قلبي دائباً في حديثهم كأنّ فؤادي ضافه سمٌ أسودا ونختم حديث الأنس والإمتاع من نُتف طرائف الأخبار في رحاب الكتب الماتعة المُؤنسة بذكر أبيات لؤلؤ بن عبدالله القصيري، عن ابن المعتز في قوله: جعلتُ كتابي أنيسي من دون كلِ أنيسِ لأنني لستُ أرضى إلاّ بكُلِ نَفِيْسِ
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2025©
نحن نستخدم "ملفات تعريف الارتباط" لنمنحك افضل تجربة مستخدم ممكنة. "انقر هنا" لمعرفة المزيد حول كيفية استخدامها
قبول رفض