الخميس 17 يوليو 2025 أبوظبي الإمارات 34 °C
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

سالم الكتبي ·· راعي هجن يروي القصيد ويعشق الصحراء

سالم الكتبي ·· راعي هجن يروي القصيد ويعشق الصحراء
4 مايو 2005

حوار ـ موزة خميس:
عندما تفتحت مدارك الشاعر سالم بن علي بن معّدن الكتبي، والذي أشتهر بـ( بن معّدن) وجد نفسه يعيش مع القبائل البدوية التي أتخذت من واحة الذيد ومنطقة المدام في الشارقة مواطنَ أنتشرت فيها وتمركزت حول تجمعات الآبار ذات المياه العذبة والأماكن التي تكثر بها الأشجار والأعشاب، وكان والده علي بن عبدالله بن معّدن ينتمي إلى قبيلة بني قتب أو بني كتب، وكان يملك مجموعة من الإبل التي ساعدته على تخطي وتجاوز الكثير من المحن التي يمكن أن تمر على المواطنين في ذلك الزمن الذي تعز فيه متطلبات الحياة وتندر، فكانت تلك الإبل الدواب التي يحمل عليها ما يجمع من حطب و(الثمام) وهو نوع من أنواع النباتات التي تنبت دون زرع لتكون زادا للإبل، وكان الرجل أيضا يصنع الفحم (السخام) ويسافر إلى الإمارات القريبة ليبيع ويشتري، وكان معظم الناس يفعلون ذلك وتلك هي مهنتهم الأصلية، إلا أن البعض الآخر لا يملك الإبل· وعندما بلغ سالم من العمر 6 سنوات وجد نفسه يسافر (يطرش) مع والده وبقية الرجال في قوافل، حيث كانت مهمته ومهمة من هو في مثل عمره حلب الإبل وقطع الحطب ومساعدة رجال القافلة في رعاية الأغنام التي كانت تؤخذ للبيع لأهل الحضر أو المدن، ولاحظ سالم إن تلك الحياة القاسية لم تكن لتقدم لهم شيئا لو لم يتحركوا ويعملوا ويواجهوا المشاق·
ويتذكر سالم أن الناس في الصيف كانوا يبنون مساكن من نباتات المرخ والثمام التي تبنت في صحارى الإمارات، وكان أي مواطن يرغب في بناء مسكن صيفي له يجد الكثير من أهل البلدة وخاصة الجيران يقومون بمساعدته في قطع وتحميل مواد البناء المكونة من خشب الأثل، ومن المرخ والثمام ونقلها بواسطة الجمال ومساعدته في البناء، وعندما يكتمل البناء ولا يبقى سوى تغطيته بحشائش الثمام أو الحلفاء والمرخ يحضر الجميع في الصباح ويكملون البناء في فترة وجيزة ويصبح بذلك المسكن جاهزا، ثم يقوم كل من الحاضرين بإحضار الطعام من منزله حسب قدرته، ليتناول الجميع الطعام في المنزل الجديد ويبارك لصاحبه وينصرف الجميع، وكان ذلك يجسد روح التعاون السائدة في ذلك المجتمع· أما في الشتاء فكانت النسوة يجهزن له قبل فترة طويلة، حيث يجلسن في مجموعات ويغزلن شعر الإبل وبعد صنع الخيوط يبدأن في صنع قطع قماشية لتخاط تلك القطع مع بعضها، وتكوّن القماش الذي ستصنع منه الخيمة الشتوية، والتي تكون متقنة لدرجة أنها لا تنفذ منها قطرة من قطرات المطر إلى داخل الخيمة في مواسم الأمطار، وفي الصيف أيضا أصبح الناس- في فترة الأربعينات والخمسينات وحتى منتصف الستينات- يبنون مساكن فقط من سعف النخل مثل العريش· ويقول بن معّدن: أن النسوة قديما لم يكن يعرفن شيئا أسمه وقت فراغ، رغم بساطة الحياة وعدم توفر كل التقنيات التي تساعد على العمل، فهن عندما يفرغن من الأعمال المنزلية ويرغبن في التحدث مع بعضهن في جلسات الضحى أو بعد صلاة العصر، كن يقضين اوقاتهن في الأشغال اليدوية، فالرجال عندما يعودون من السفر(الطرشة) يأتون معهم بالأقمشة، وكانت كل سيدة وفتاة تعرف التفصيل والخياطة، بل والتطريز أيضا، فكن يجلسن في تلك التجمعات ويصنعن الأثواب لكافة أفراد الأسرة، وأحيانا كثيرة يفعلن ذلك للجيران حبا في التعاون وإظهار المودة والتراحم وبالطبع كن يتبادلن اطراف الحديث في الوقت نفسه·
قيم الرجولة
لا ينسى بن معدن أن كل طفل ذكر كان لابد له من أن يكون دوما إلى جوار الرجال، ومن المشين والمعيب أن يترك في البيت مع النسوة، إذ يطلب الرجال منه ان يراقب تصرفاتهم وأفعالهم، ويستمع إلى الكلام الذي يقال (الرمسة)، كيف يقال وكيف يجلس الرجال، فلا يجب أن يجلس أمام الآخرين الجلسة التي يختارها، فربما كان فيها إهانة لمن هو بينهم أو لنفسه، فطريقة جلوس الرجال تختلف عن النساء، كما يعرف أصل الرجل ورجولته وشهامته وتربيته من طريقة كلامه ومن جلسته· شب بن معّدن على تعلم ركوب الإبل وحلبها وتعلم طرق تربيتها، وكيف يقبض على الإبل(الأصعاب) وكيف يدربها ويروضها، كما تعلم صيد الأرانب بواسطة الكلاب وكذلك الصيد بالطيور- وكانت الأرانب متوفرة بكثرة في ذلك الزمان- وقد حرص الأهالي قبل كل ذلك على تعليم اطفالهم القرآن تلاوة وحفظا·
لم يدرس سالم بن معّدن، فقد أكتفى بما تعلمه من الحياة، وما إن بلغ أول عتبات المراهقة حتى دخل الجيش عندما كان للأنجليز قاعدة في الشارقة، تقع في القاسمية، وقد دخل معه أيضا مجموعة من الشباب وهم: علي بن سعيد الكندي، سيف بن سعيد الخاصوني، سالم بن سعيد الخاصوني، حيث تدربوا على العسكرية، وبعدها تم إرسالهم للعمل في المراكز التابعة للجيش بعد تقسيمهم الى أكثر من سرية، وقد كان هناك عدة مراكز منها مركز مرفع التابع للطريف، ومركز محصنة، ومسافي، والجاهلي، وبريرات، والهمهام، وكانت كل سرية تبقى لمدة ستة شهور لا تعود خلالها على موطنها قبل إكمال المدة·
شعر وسوالف
وجد سالم نفسه منذ كان صغيرا محبا للروايات(السوالف) التي كان يختص بها قلة من الناس يشتهرون بها، وكان يميل إلى(السوالف) أكثر من القصيد، وقد كان تأثير ملازمته للكبار واضحا على نفسه وهواياته، وكان يجد نفسه يحسد اؤلئك على تلك الملكة التي وهبها الله لهم، وقد كان سالم يحرص على الذهاب إلى برزة أو حضيرة عبدالله بن راشد بن حليس الشاعر المعروف، وكان الرجال يجتمعون في حضيرته (وتسمى حضيرة من الحضور) وكل رجل يتقن شيئا أو لديه ميول يرغب في إبرازها وصقلها، فمنهم الشاعر، ومنهم المغرد(التغرودة) والتي تقال على ظهور الإبل ومنهم من يشل( إلقاء القصيد بطريقة الشلة)، وهناك من يشل في الرزفة(العازي) وهناك أصحاب الردحة والتي تقال من خلالها القصائد، وهي تقال في أوقات كثيرة من الليل عند اجتماع الناس ببعضهم البعض، ايضا بعد نهاية حفل الزفاف، وممن أشتهر بذلك مطر بن معيوف وهو شاعر وأيضا محمد بن رشّيد، والعازي في القديم الغابر هو شعر الفخر أو المدح، وهو الإلقاء الشعري دون تنغيم أو غناء، وهو لون فردي يؤديه شاعر مبدع أو راوية حافظ· يتصدر شاعر العازي جماعته ممسكا بسيفه وترسه، يمضي سائرا وهو يلقي بقصيدة الفخر أو المدح، ويهز سيفه هزة مستعرضة عند كل وقفة في الإلقاء، وهي الهزة التي يرتعش لها نصل السيف، ومن خلف الشاعر تشارك مجموعة من الرجال وهم يلفون الساحة في تلك الدائرة المقفلة التي تحيط بالشاعر وتابعيه، يرددون عدة هتافات محددة في نمط موروث، مثل هتاف قصير قوي النبرة من كلمة واحدة ويصاحبها -قديما- إطلاق الرصاص من البنادق، ولكن المشاركين وحتى الآن لا يزالون يشحذون بنادقهم في صوت مسموع نافذ مع هذا الهتاف الذي يلي البيت الأول-عادة- من شعر المقطع الذي يلقيه الشاعر·
أعراس البدو
يقام العازي في نهاية العرس البدوي أو انه يرمز إلى نهاية العرس، وبعد أن تكف الطبول عن القرع ويسكت القوم عن إطلاق العيارات النارية في الفضاء، يجتمع المحتفلون على شكل دائرة يتوسطها 'العازي' وهو الشاعر الذي يمتاز بجمال الصوت، وقوة الحجة وهو يحمل بيديه سيفاً وترساً، ويتبعه نفر من الرجال الذين يحملون البنادق بأيديهم والكل يدورون داخل الدائرة بينما يلقى الشاعر قصائد الفخر والحماسة ويردد حملة البنادق من خلفه عبارات خاصة أو جملاً شعرية معروفة، وذلك بعد كل بيتين من أبيات القصيدة، وهم يطلقون العيارات النارية في الفضاء بين الفينة والأخرى، والعازي من 'العزوة' أي العزة والقوة والغلبة والمنعة· ويقول بن معدّن أن هناك أيضا (اللقية) وكانت تؤدى إظهارا لصفات الكرم وحسن الضيافة وإكرام الضيف وتؤدى عند استقبال الضيوف والمدعوين من أبناء القبائل والمناطق المجاورة، ولكون هذا الشعر قد نبع من العادات الكريمة لابن الإمارات بشكل عام، فإنه يأخذ طابعاً مميزاً وفريداً من نوعه على مستوى التراث الشعبي المنتشر في ربوع الإمارات والجزيرة العربية كلها، ولكون اللقية يرتبط ارتباطاً وثيقاً بعادات أهل المنطقة، فإنه يبدأ مع توافد الضيوف والمدعوين لحفل الزواج أو مناسبة عزيزة على القبيلة المضيفة أو أصحاب المناسبة السعيدة، وعندما يحين قرب المناسبة وقبلها بوقت كافٍ يوفد أصحاب الدعوة رسولا (طارش) أو أكثر إلى رؤساء القبائل وأمراء المناطق وكبار المدعويين ويحمل كل (طارش) في يده سيفاً أو بندقية كرمز لرسمية الدعوة· عندما يحين موعد المناسبة -التي غالباً ما تكون عرساً- تتوجه مجموعات من المدعوين في طريقها لتلبية الدعوة شيبا وشبابا ونساءً وأطفالا ويتوافد المدعوون، حيث يكون الرجال في المقدمة، ثم النساء والأطفال خلفهم ثم يبدأ الضيوف -وهم مقبلون على شكل مجموعات، بعد أن يستأذنوا الأمير أو رئيس القبيلة المضيفة بالدخول- بإطلاق النار في السماء، وعادة ما تكون بإطلاق الأعيرة مرة أو مرتين لإخطار القبيلة المضيفة بوصول أو مقدم الضيوف، ويصاحب إطلاق النار قيام المدعوين (بالرزيف) هي حركات متسقة منسجمة بين الرجال وبعضهم ومن ناحيتهم، فإنّ أفراد القبيلة المضيفة أو أصحاب الفرح، وبعد أن يعلموا بقدوم ضيوفهم، يبدأون بإطلاق الأعيرة النارية في السماء وبكثافة، معبّرين عن فرحتهم بقدوم الضيوف، وتلبيتهم الدعوة وينتهي إطلاق النار بالتقاء المجموعتين، فيتقدم كبير المستقبلين للتحية والسلام ويتبعه الباقون من أهله، وتبدأ الأهازيج في تلك اللحظة بعد أن يكون كل من الضيوف ومضيفيهم قد شكلوا صفاً مقابلاً للآخر، ويتخلل شعر اللقية والنشيد لعبة السيوف والبنادق تعبيراً عن الفرحة العارمة للطرفين بالمناسبة السعيدة، وتؤّدى اللقية في الزيارات ومناسبات الأعياد والأعراس، ولا ينسى بن معدّن (الطارج) ويتضمن قصائد في وصف الطبيعة والحياة وكذلك عن الأحداث العامة، وتقال بلحن عذب يريح النفس والقلب، كما يعد هذا النوع سلوى للمسافر والسائر عن وحشة الطريق، بهدف إبعاد الوحشة عن نفسه حيث يرتجل لكلماته ألحاناً على طريقة الموال المنتشر في البلاد العربية·
الهجن الأصيلة
عند قيام الاتحاد تقاعد بن سالم بن علي بن معدّن وتفرغ لتربية الهجن الأصيلة، وكان من أشهر الأصايل (بن سمران) وقد كانت تشارك في السباقات وتفوز، كما شارك( ببكرة سبوق) في سباق رئيسي بدولة قطر وكانت تسمى(نشبة) وقد نالت المركز الأول، ونالت الناقة(براقة) المركز الرئيسي في سباق ند الشبا في دبي، وحصلت هذه السنة(مياسة) وهي من الفطامين على سيارة في سباق بدولة قطر وقد تم طلبها للبيع هناك وفعلا تم شراؤها في قطر، وبيعت بكرة سميت (السلهوده) كانت قد حصلت على المركز الأول في مركاض السوّاف برأس الخيمة على الشيخ سعيد بن عبيد المكتوم، ويعتز بن معدّن بأن علي بن سلطان بن رشّيد هو من يقوم على رعاية حلاله من الهجن، وتبنى للإبل الآن حظائر وبجوارها سكن قد يكون فيه من يعتنون بالإبل وقد يكون فيه ملحق للأهل يسمى عزبة أو(عزب)·
المصدر: 0
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2025©
نحن نستخدم "ملفات تعريف الارتباط" لنمنحك افضل تجربة مستخدم ممكنة. "انقر هنا" لمعرفة المزيد حول كيفية استخدامها
قبول رفض