الثلاثاء 15 يوليو 2025 أبوظبي الإمارات 34 °C
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

الهلباوي·· تاريخ في حنجرة

الهلباوي·· تاريخ في حنجرة
4 مايو 2005
حوار ـ حسام جلال:
الجمال الساكن في الأحياء الإسلامية شرقاً وغرباً بمساجده ومآذنه ومشربياته ونحاسه وفضته وروائح عطاريه وحوانيت ملابسه ومقاهيه التي إذا (ضيَّفتك) شاياً أضافت إليه نعناعا، وإذا سقتك ماء خلطته بالريحان، هذا الجمال يبعث في النفس ما يبعث، شيء يجل أو يدق عن الوصف وخلاصته انك لا تحصله بغيره، ربما ذلك ما يسمى بالرضى، فإذا كنت ضيف أحد هذه الأحياء قرب الفجر وانشق صمت السماء بصوت أذان الفجر من حنجرة أصيلة وعارفة ومحبة، تحرك هذا الجمال الساكن وحملك الوجد إلى عوالم لا تعرف لها مدى، وتشعر أن المآذن تتحرك مع طبقات صوت المؤذن المتصاعدة وكأن الصخر أصبح روحاً، ومجد الماضي يكاد يثب من خلف مشربيات المساجد وأن صنابير الوضوء تبكي شيئاً ما ولكن في صبر، حتى إن كنت نائماً على سريرك وسمعت أذان الشيخ ذلك الشيخ الذي يختزل حضارة وتاريخاً كاملاً في حنجرته ترى كل مشاهد الجمال الساكن منسابة في خاطرك وإن كنت مغمض العينين·
؟ كيف تحمل حنجرة تاريخاً؟
إن أرتامنا وتراثنا في الإنشاد الديني خرجت منه كل ألوان الغناء العربي ولفت نظر كبار الفنانين من الغرب في وقتنا الحاضر فضمنوها ألحانهم وتميزوا بها على أقرانهم وصرعوا بها روادهم وجماهيرهم·
فها هو جان موريس جار من كبار موسيقيي فرنسا يبدع ألحاناً مشتركة مع منشدي المغرب من المتصوفة ودراويش الأتراك في تركيا، وها هو بيتر جابرييل يستخدم في التراك الموسيقي لفيلم (THE LAST TEMPTATION OF CRYST) المنشد الباكستاني المسلم (نصرت فتح علي خان) وآخر من السنغال شدا محمد رسول الله في فيلم عن المسيح· واشتركت فرقتا (ART OF NOISE) و(ANNDUDLY) مستخدمة أرتاما وايقاعات وموسيقات ومقامات الانشاد الديني المسلم في الألبوم الشهير (SONG FROM THE VECTORIAS SITY) أو أغنية من المدينة المنتصرة تأثراً بعراقة القاهرة، وحتى البودا بار التي لم ترقَ لمستوى التأليف الموسيقي ومزجت بين المتميز في الموسيقى في ديسكو باريس الشهير، أغرقت في أرتامنا الشرقية والأرتام الهندية المتوالدة من رحم الانشاد الديني المسلم، ولعل الأغرب استخدام فرقة الروك المسماة (LED ZEPPELIN) لنفس الأرتام· وكالعادة فشرقنا لا يلقي لكنوزه بالاً، لن ترى فيلماً غربياً راقياً يعرض الصورة من حضارة الشرق الاسلامية إلا وصحبت الصورة أصوات المنشدين ومقاماتهم وأرتامهم وكأن كلا منهم رمز للآخر·· انها حناجر تختزل حضارة في أوتارها وتبعثها فيك·
شدا فقال:
الله اسم الذات جل جلاله وهو الذي ندعوه بالرحمن
وهو الذي نرجوه، هو واحد أحد
هو الصمد القوي مصور الإنسان
نور على نور وليس كمثله نور يراه القلب والعينان
جل الذي إن شاء أمراً قال كن، يا للجلال ليلتقي الحرفان
ليتك سمعت قيثارتنا الأولى الشيخ محمد الهلباوي وهو يردد لفظة نور ويكررها وكأنه يتتبع شعاع شمس خرج من الفضاء السحيق وأمامه ملايين السنين الضوئية حتى يوصله إلى أذنيك، وليتك أحسست عبرته في لفظته يا للجلال، ولم أحس سعة المشيئة الإلهية كما صورها مداً بجواب جواب، ومعه يبدأ حورانا·
الشيخ الأستاذ
؟ الشيخ محمد الهلباوي تكوَّن بعيداً عن الأضواء ثم سطع عملاقاً، ما هي الروافد التي أظهرتك بهذا التفرد والتميز؟
؟؟ أنا بدأت منذ الصغر فذهبت إلى الكتاب وحفظت القرآن الكريم على يد أكثر من محفظ، ثم أتممت على يد جدي الشيخ محمد الهلباوي الكبير، الذي كان شيخاً لقرية (ميت كنانة) بمحافظة القليوبية، وبعد اتمام حفظ القرآن التحقت بمعهد القرآن وحصلت على اجازة التجويد، كان من بين المحفظين محفظ صوفي فاختزلت في نفسي البحث في التصوف· ولأن عائلتي وهبها الله صوتاً حسناً سواء كانوا رجالاً أو نساء فلقد أهلني ذلك لاعتلاء منبر القراءة وأنا ابن عشر سنوات، في هذا الوقت كان يوجد عباقرة للتلاوة مثل: الشيخ مصطفى اسماعيل والشيخ محمود علي البنا والشيخ عبدالفتاح الشعشاعي والشيخ عبدالباسط عبدالصمد، وكنت أتطلع لمجرد رؤية هؤلاء فضلاً عن الجلوس معهم، ثم بدأت اشتهر بين أقراني القراء، فقد كان مناخاً مفعماً بالعبقرية· وكان لنشأتي في حي باب الشعرية بالقاهرة والذي يعد حي الفن بكل ألوانه في مصر ويلتصق به حي الجمالية وهو حي كافة الفنون الحرفية التراثية، كان لهذا الحي أثره المعرفي والجمالي في نفسي وتكويني، بعد ذلك بدا أمامي أكثر من اختيار فبدأت أبحث في فن الموسيقى وفن التلاوة وفن الإنشاد الصوفي· والتحقت بمعهد الموسيقى العربية القسم الحر لكي أتعلم أسماء المقامات وعلمها وتأثير المقامات الموسيقية على الوجدان، درست أربع سنوات في المعهد، ثم بدأت أبحث في جذور النغم من أين أتى، فوجدت أن النغم موجود منذ بدء الخليقة؛ فالنغم أتى أولاً من صوت الطيور لأن الانسان هو آخر مخلوق أتى إلى الكون بعد أن هيأه الله له، فعرفت أن سماع الانسان الأول لأصوات البلابل والعندليب والكروان تلك الأصوات الشجية دفعته لتقليدها، إن الله سبحانه وتعالى كما وهب لبعض الطيور أصواتا حسنة وهب لبعض الناس أصواتا حسنة وقال ذلك سبحانه في مفتتح سورة فاطر (يزيد في الخلق ما يشاء)·
بدأت أبحث في تاريخ الموسيقى، ثم في كيفية دخولها مصر، وكيف استخدم القدماء الموسيقى، وجدت تاريخياً أن ملكاً من ملوك مصر في الأسرة الخامسة وكان يسمى تختك فاي وكان هذا الملك يعتني بالموسيقى والصوت الجميل لأن قدماء المصريين كانوا يستخدمون الصوت في أفراحهم وأتراحهم وكل مناسبة، وعندما أتى إخناتون الذي وحد الآلهة عند المصريين اعتنى بالموسيقيين وأنشأ لهم مدرسة بجوار قصره لكي يتفرغوا لإبداعاتهم·
بدأت النهضة الموسيقية الحقيقية في مصر التي كانت هاجسي في أواخر القرن التاسع عشر وأوائل القرن العشرين عبر مدرسة المشايخ التي تجمعت على غير موعد وبدأوا يدرسون الموسيقات على مستوى العالم وأخذوا في صناعة ذوق مصري مستقل بذاته، فاستخدام الربع تون والثلاثة أرباع تون يحتاج إلى صياغة لحنية عالية فنظام العُرب والقفلات والفروع المشتقات من الأصول هو نظام ابتكرته مصر ومشايخ مصر، وإذا نظرنا إلى التاريخ الغنائي المصري سنجد أن أم كلثوم تتلمذت على يد الشيخ ابو العلا محمد، لاحظ أنه شيخ واستعانت بالشيخ زكريا أحمد في أبهى وأزهى مراحلها الفنية، أيضاً الشيخ سلامة حجازي الذي أسس المسرح الغنائي في مصر ومن بعده الشيخ سيد درويش، كذلك من أوائل من حول الموشح الأندلسي إلى موشح ديني هو الشيخ محمد عبدالرحيم المسلوب والشيخ أحمد ندا (جد الفنانة شريفة فاضل) هو أول من صدح صوته بالقرآن المجود وكان القرآن قبله يرتل فقط، ثم تلاه الشيخ محمد رفعت والشيخ علي محمود ومنهم من تخصص في القرآن فقط ومنهم من تخصص في الانشاد الديني ومنه من جمع بين الاثنين ومنهم من تخصص في الألحان والموسيقى مثل الشيخ المنيلاوي والشيخ الصفتي والشيخ درويش الحريري أستاذ عبدالوهاب والشيخ علي محمود الذي كان أستاذاً لعبدالوهاب أيضاً، ثم تلاهم أجيال وأجيال وأعد أنا آخر هذه الأجيال التي تجمع بين تلاوة القرآن والإنشاد· ومما لا يعرفه الناس أن الشيخ رفعت أنشد وسجلت له اسطوانة فضية والشيخ الحصري أنشد المولد والشيخ عبدالباسط أنشد لمرة واحدة، ولكنهم آثروا التخصص في تلاوة القرآن كلياً، وإن كنت مشهورا بالانشاد فأنا أجمع بين التجويد والانشاد والفرق بينهما أن التجويد لابد أن يلتزم بأحكام التلاوة أما الانشاد فلا يلزمه ذلك، ففي الانشاد تمد في الألف والواو والياء فقط، وبعد ذلك تفعل ما تشاء أما في القرآن فالمسألة محكومة· وهناك قضية أخرى هي قضية المدارسة، فكما أن للقرآن عجائب لا تنقضي فللنغم عجائب لا تنقضي مع الفارق العظيم بينهما، والمقصد أن القارئ إذا لاك القرآن وعرف المعنى فلابد له أن يختار المقام المناسب للمعنى القرآني، فإذا تحدثت عن السماء فلماذا أقولها بمقام منخفض فالسماء عالية، واذا تحدثت عن الأرض فالعكس صحيح، واذا تحدثت عن النار فلابد من اختيار مقام يعبر عن النار ويسمى هذا بالتلحين الفوري، أما اذا تحدثت عن الجنة فلابد من اختبار مقام يعبر عن الفرح وهكذا، واذا أتينا لمقام الحوار وما أكثره في النص القرآني فلابد أن أختار مقام الحجاز مثلاً أو النهوند· وإذا أتينا لآيات الزجر والتعنيف في القرآن فالمناسب مقام العجم، فهو مقام عال، وهذا هو ما يسمى بالتصوير النغمي بالمعنى القرآني، والعلم بهذا مطلوب اليوم لأنه للأسف الشديد الكل يقلد بعضه بعضاً وليس لديهم إلمام بالثقافات الموسيقية ولا الثقافات النغمية ولا المعنى، فالتلاوة من دون معنى لا تصلح لأن المقرئ ليس آلة والقرآن الكريم نفسه نزل على مكث مما يستوجب التأمل وإيفاءه حقه·
بين الأرض والسماء
؟ جواباتك الصوتية تصعد إلى عنان السماء حتى نحسبها لا تنتهي، ثم تنخفض بالقرارات حتى نظنها رقرقة ماء، هذه الإمكانية محض هبة من الله أم أن للدراسة والتدريب دخلا في ذلك؟
؟؟ الموهبة أساس، لكن التدريب المستمر والعلم بالمقامات وقياس مساحة الصوت ضروري أيضاً، ولا بد من قياس مساحة الصوت بين القرار والجواب، فإذا كان الصوت محدوداً يقاس ما بين القرار والجواب، أما اذا كان الصوت قوياً ومتفرداً يصل إلى القرار والجواب وجواب الجواب، وهو ما منَّ الله به علينا حتى نصل إلى الأوكتاف، والأوكتاف هو المساحة الصوتية في الدرجات السبع الموسيقية، والأوكتاف الثاني هو بناء ثاني والأوكتاف الثالث هو بناء ثالث ولا يصل اليه إلا صوت النساء، أما الأوكتاف الأول والثاني فمن الممكن أن يصل اليه صوت الرجل وهو ما يسمونه بالتينور الأول والتينور الثاني وبعد ذلك هنالك قرارات يسمونها الألتو1 والألتو 2 ومعنى الألتو أغلظ الأصوات، فمن فضل الله عليّ أستطيع الأداء من أغلظ الأصوات إلى أرقها وهي 17 طبقة صوتية، أي أنني أصل للأوكتاف الثالث وهو الصوت النسائي الحاد وهذه ندرة أشترك فيها مع الشيخ النقشبندي والشيخ عبدالباسط رحمهما الله، ولكن مع هذا لابد من التمرين اليومي وقياس المساحة الصوتية والمساحة التنفسية· لقد علمني عبدالوهاب تدريباً لإطالة النفس وهو أن يكتم الانسان نفسه ويعد من 1-10 ثم يتركه يخرج بهدوء شديد أنا أقوم بهذا التدريب يومياً أكثر من مرة ولابد أن يتنسم المنشد هواء نقياً·
؟ أغلب بلاد العالم عرفت إنشاد الشيخ محمد الهلباوي، حدثني عن ردود أفعال الجمهور الغربي على هذا اللون من الفن والدعوة؟
؟؟ بدأت أسافر منذ عام 1980 إلى أوروبا منطلقاً من باريس، فباريس بلد النور والثقافات حيث عرضت في بيت ثقافات العالم ولا يعرض فيه إلا قلة من الفنانين المتميزين جداً وبناء على اختيار دقيق، كما عرضت في معهد العالم العربي بباريس وعرضت في بيت ثقافة رينيه وهو على مسافة 300 كلم من باريس، من هذا المنطلق كان للعروض أثر روحي عال، وهذا يدل دلالة واضحة على فطرة الانسان التي فطر الناس عليها، فكما تنبأ طاغور الشاعر الهندي العظيم فإن الموسيقى ستوحد شعوب العالم خاصة أن هذا الجمهور يفهم أنني رجل دين معنى وزياً فقد تعودت أن أطبع نصوصي بالإنجليزية والفرنسية واللاتينية في المواد التي تعرف بالحفل والتي توزع على الجمهور حتى يعرف الناس ما أقول، دعني أحدثك عن الأثر في الجمهور الغربي، عندما أؤدي أكون في حال أخرى فأنا أناجي الله ولا أكلم الناس ولكنني أحياناً أسترق النظر إلى الجمهور، فلم أجد إلا البكاء تأثراً· عمدة القرية قال لي لقد مزقت قلبي وهذا دليل على فطرة الإنسان، كذلك قالت لي مدرسة فرنسية في بيت ثقافات العالم، كيف تنتقل بين المقامات الموسيقية بسلاسة متناهية دون أن تذكرك بذلك آلة موسيقية أو نوتة موسيقية فجاوبتها بسؤال آخر قلت لها: كيف تقبلتم أنتم فني وتجاوبتم معه رغم أنكم لا تعرفون العربية؟ فأجابت نصاً: 'لقد أخذتنا إلى عالم ندرك معناه ولا نعرف مداه لأن كل ذلك متصل بالسماء'·
النائحة الثكلى
؟ استغل الكثير من فرق التصوف المدح النبوي كمدخل دعوي لدعوة الغربيين إلى الإسلام ودخل الكثير منهم في الإسلام من هذا الباب، ما رأيك في الانشاد الديني كمدخل دعوة؟
؟؟ أنا أعتبره وسيلة هامة من وسائل التعبير عن سماحة الإسلام ولكن لابد أن يكون من صوت متخصص ومخصوص وأنا هنا لا أهاجم أحدا·
؟ ما الفرق بين المتخصص والمخصوص؟
؟؟ كلمة متخصص تعني أن يكون المنشد دارسا للغة العربية، دارسا للعروض، دارسا للشعر ولقوافيه وأبياته، وكذلك لابد أن يعرف علم النغم الشرقي ويتسلح به، هذا هو التخصص، أما المخصوص فلابد أن يكون صوتاً موهوباً من الله سبحانه وتعالى وله جاذبيته بمعنى أن يملك ملكات الجذب، وفوق هذا وذاك النائحة الثكلى التي بداخلك (الشجن الدائم)·
؟ كانت لكم تجربة في إطار الأوبرا تشارك فيها الإنشاد الديني الإسلامي والإنشاد الديني المسيحي، ماذا أضاف إليك هذا الإطار وماذا أضفت له؟
؟؟ الأوبرا هي عرض ثقافات وعرض الثقافات يحتمل فيه الصالح والطالح، صندوق الدنيا كالتلفزيون كالعالم فيه الحق والباطل، كذلك كل إنسان فيه الغث والثمين ولك ان تختار· ومن توفيق الله لك أن تختار الأصلح فالانسان يجب أن يقول اللهم لا تجعلنا نخطو خطوة في غير رضاك، وليس معنى ذلك أن الانسان معصوم فالعصمة لا تكون إلا لنبي والحياة تجارب والأوبرا تعرض تجارب الحياة، وعموماً هذه ليست أول مرة أتشارك فيها مع اخوتي الاقباط في الانشاد فأنا أشاركهم ذلك من 25 عاماً من عام 1980م، وفي عام 2001 دعيت من مؤسسة مسيحية في ميلانو تسمى امبروسيانا ماري مرقص للحوار بين الأديان وقد تلقيت الدعوة بصدر رحب جداً، الاسلام هو دين الله ودعيت لأعرض له، بدأت أنظم لهذه الرحلة وعرضنا في كاتدرائية ماري مرقص في فنيسيا، وعرضنا في البازليك في ميلانو وعرضنا في الأكاديمية المصرية في روما، لقد كانت دعوة خاصة منهم وتعاقدا شخصيا معهم والتقينا بالثقافات الترانيمية والموسيقية المسيحية وتعرفنا عليها فهم متصلون بالكنيسة وكل ألحانهم غير مجددة، ألحان قديمة جداً ومتوارثة والتجديد محدود كالإنشاد الصوفي عندنا فهو متوارث ومتواتر وغير مكتوب في كتب، الكلام موجود ولكن الألحان تتوارثها القلوب لأنها ثقافة غالية وعالية الجودة· هم عندهم مقامات محدودة مثل البياتي والصبا والسيكا ولكنهم لا يدخلون في مقامات الربع تون والثلاثة أرباع تون الخاصة بنا وبهذا غلبت الإضافة على الاستفادة منهم ولكن هذا لا يمنع أن لي أصدقاء كثرا من القساوسة والشمامسة في مصر لأني أريد أن أتعلم المختلف لديهم· الانشاد الديني لابد أن ينحى إلى لغة الحال وليس إلى لغة المقال ولا يجوز أن يكون الجمهور في حال وأنت في حال، وهناك أذن تبحث عن صوت وصوت يبحث عن أذن، نحن نبدأ بالاستجذاب ثم نتلوه باستطراق الأذن ثم نتلوه بالهمس القريب لما في نفس الناس، الشعراء العرب قديماً كانوا يذكرون اسم إحدى النساء في أول القصيدة للفت النظر وهذا هو الاستجذاب ثم يأخذك إلى معنى آخر وحال آخر، وقصيدة كعب ابن زهير التي ألقاها في حضرة رسول الله (صلى الله عليه وسلم) خير مثال على ذلك، فقد افتتحها بـ (بانت سعاد فقلبي اليوم متبول) فاستغرب الصحابة هذا منه ويعد هذا استجذاباً ثم قال في سياق القصيدة:
إن الرسول لنور يستضاء به
مهند من سيوف الله مسلول
فقال الرسول صلى الله عليه وسلم: حسبك، من أنت؟ قال كعب: أشهد أن لا إله إلا الله وأشهد أن محمدا رسول الله، فألقى الرسول عليه بردته من فرط إعجابه به، والمقصود أنني آخذك من نفسك استجذاباً ثم استطرق أذنك ثم أهمس لك بشيء قريب إلى نفسك·
تطوير الإنشاد
؟ ما سبل تطوير الإنشاد الديني على صعيدين، الأول استغلاله بشكل دعوي والثاني على مستوى هذا الفن ذاته أو سمه الحب؟
؟؟ أولاً اختيار الكلمة والكلمة إما أن تكون دعاء ومعناه الابتهال إلى الله وإما أن تكون نصيحة وإما أن تكون مديحا للرسول عليه الصلاة والسلام (وهو فرض) وإما أن تكون في وصف القدرة الالهية في الكون، هذه أربعة أغراض يمكن أن نوظف فيها الكلمة وعلى مستوى القوالب الموسيقية ستتطور تبعاً لتطور الكلمة·
؟ لاحظت أن النظم في أغلبه مشتق من البردة والقصائد التي لا تختلف في أبياتها عن بعضها البعض أين النظم المعاصر في حب رسول الله؟
؟؟ أولاً لغة المديح كانت قديماً عند كثير من الشعراء ولكن الآن بدأت تتبلور وتنحصر في قليل منهم، وليس كل الشعر يستساغ والنظم المعاصر قليل، ولعل الله يرسل لنا من الشعراء من ينظم ما لم يقل قبل ذلك، ولكن البردة ستظل معينا·
؟ كل النظم متعلق بأوصاف رسول الله خَلقا وخُلقاً، لماذا لا تنظم سيرته بشكل ملحمي فنوسع الغرض الشعري والتعريف بالرسول؟
؟؟ أسأل الله أن يحدث هذا، لقد قام بذلك قديماً كثير من الشعراء شعراً ونثراً قام بذلك الإمام البرزنجي كتب حوالي 16 ملحمة عن الرسول من إرهاصات الولادة حتى الانتقال وغزواته نظماً ونثراً·
توثيق
؟ الدراسات الفلكلورية ترصد أي رتم أو ايقاع سواء كان بدوياً أو ريفياً ويتم الرصد من قبل مؤسسات ثقافية في مصر وخارجها من مدخل الفلكلور وهو مدخل مختلف عن الحس الديني ولكن ألست معي أننا نحتاج لتوثيق فن الانشاد الديني؟
؟؟ الشيخ سليمان جميل تلميذ الشيخ درويش الحريري (هو أخ للفنانة فايدة كامل وأميرة كامل) قال لي (التراث لا يجب أن يمس ولا يجوز العبث به)·
؟ أنا أقصد حفظه؟
؟؟ عندنا في مصر قصور الثقافة التي يجب أن ترصد لذلك التراث وتحفظه كما هو، لابد أن يظهر هذا التراث بطبعه وروحه وريحانه وعبقه، عندما يخبز رغيف عيش احب أن أشم رائحة ذلك، وعندما أذهب للمدينة المنورة أشم لها رائحة خاصة وعندما اذهب إلى بلدي أجد لها رائحة خاصة، يجب أن نحافظ على التراث كما هو ليسجل الخصوصية لكل مكان وحال كما هو لكي يظهر عبق التاريخ كما هو· أنا لست ضد التجديد، ولكن التجديد يجب أن يكون من معين التراث، ولكن الذين على الساحة الآن لم يصلوا إلى مرحلة النضج بعد وأنا سعيد بظهور هذه الفرق وانتشارها، لأن معنى انتشارها أنها حرب على الباطل حرب على الاسفاف والعري والتبذل، الانشاد الديني مزدهر في سوريا جداً وفي ايران وكان لي في ايران تجربة حيث كنت أعلمهم كيفية الوقوف على المقاطع وكيفية الانشاد لأنهم لا يعرفون العربية كثيراً· أنا استمع لكل الأصوات الواعدة ولكل موسيقات العالم ولكل منها مكانة عندي، لكنني لا أرى في مصر على سبيل المثال فرقة للانشاد الديني، هناك مناخ جميل بدأ في الأسر المصرية حيث بدأت تدعو فرق الانشاد الديني في مناسباتها المختلفة، لقد كنا كذلك منذ مائة سنة، يجب أن يستغل هذا المناخ بشكل صحيح· وأنا أشكر لك هذا اللقاء الجميل وأدعو الله أن يكتب لك بكل كلمة فيه حسنة·
وأنا بدوري أدعو الله أن يمد في عمرك ويمتعنا بفنك ويعلمنا مما علمك·
المصدر: 0
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2025©
نحن نستخدم "ملفات تعريف الارتباط" لنمنحك افضل تجربة مستخدم ممكنة. "انقر هنا" لمعرفة المزيد حول كيفية استخدامها
قبول رفض