15 نوفمبر 2011 14:16
المنيعي والقرى التابعة لها من أجمل مناطق إمارة رأس الخيمة، التي يمكن قضاء وقت ممتع فيها بين حقولها وأوديتها في الشتاء ومواسم سقوط الأمطار، حيث تتحول إلى بقع خضراء متناثرة بعد أن ينبت العشب والأزهار الجبلية وتغتسل المزارع فتبرق بقطرات الماء، خاصة بعد أن أصبح لها مكان على خريطة التطور تحت راية الاتحاد، حيث وصلها الكثير من الخدمات والمرافق التي كانت بحاجة إليها، وتنتظر المزيد لاستكمال تميزها.
كانت المنيعي تعاني من صعوبة السفر منها وإليها حيث كان الطريق البري إليها، يتطلب الذهاب لدبي ثم إلى حتا ثم الدخول إلى أودية كثيرة شديدة الوعورة، وعندما تسقط الأمطار يستحيل السفر إليها حيث تجري السيول في الأودية، وتغمر الشارع الوحيد المؤدي إلى المنيعي والقرى الأخرى، فتعزلها عن بقية المناطق.
لكن الحياة حسب علي بن سعيد الدهماني من منطقة المنيعي، تبدلت بشكل كبير ولايمكن لأحد أن ينكر أن كل ما يحيط بحياته قد تبدل للأفضل بعد إعلان الاتحاد، وأقل ما يمكن أن يقال أن التغلب على وعورة الطرق، خاصة في المناطق الجبلية أحد أهم المنجزات، إلى جانب وصول الماء والكهرباء لكل بيت، بعد أن كانت المنطقة تغط في ظلام دامس بعد المغرب، ولا يمكن السير ليلا إلا بواسطة مصباح أو في الليالي المقمرة، إلى جانب توفر المركبات مما سهل على السكان الانضمام للوظائف في أماكن مختلفة من الدولة، وذلك ساعد على دخول الرفاهية والاستقرار، كما ساعدت الطرق والمركبات على انضمام أبناء المنطقة للتعليم.
وأكد الدهماني أن أهل المنطقة لم يكن ينقصهم المال أو الغذاء، بقدر ما كانت تنقصهم الخدمات، وقد تم بناء مركز صحي ومدرستين مشتركتين في المنطقة، وتعبيد الطريق إلى المنيعي ومناطقها قد حل مشاكل كثيرة، ومنها أن المرأة الحامل إن تعسرت ولادتها فإنها تموت هنا لعدم وجود مستشفى للولادة، أو لأن الأمطار والسيول قد قطعت الطريق الوحيد الذي كان يمكن استخدامه لنقل المريض أو الحامل المتعسرة، والطائرات العمودية التابعة لجناح الجو أو الشرطة، لا تستطيع أن تأتي لحمل المرضى مساء خصوصا عند سقوط الأمطار.
غد أفضل
وأخبرنا الدهماني أن أهالي المنطقة متفائلون بغد أفضل، وهم بانتظار المزيد من التطوير في مناطقهم، خاصة فيما يتعلق بالشوارع والإنارة وإحلال المساكن، حيث أصبحت المنطقة تستلم مجموعة من المساكن الشعبية في كل عام، ويأمل اهالي المنطقة أن لا تبقى أسرة إلا وقد حصلت على مسكن شعبي حديث، وأن يكون في العيادات الصحية أجهزة تتلاءم مع الوقت الحالي والمستقبلي، وأن تكون عالية التقنيات خاصة أنها ستستخدم لعلاج أبناء المنطقة، وهم جزء من حاضر ومستقبل الدولة.
قصة المنيعي
وقصة المنيعي وبناتها من القرى الأخرى مثل صخيبر والوعب ورفاق والنصلة يتحدث عنها علي الدهماني، من منطقة المنيعي، حيث تناول تاريخ المنطقة منذ الفترة التي سبقت الاتحاد، وتابع الدهماني تاريخ المنطقة عن طريق أجداده، حيث كان جده الكبير أحمد بن سلطان الدهماني أمير المنطقة، ولا تزال للأجداد في المنطقة بقايا أثرية للسكن والحماية، وهي حصن في قرية رافاق، لذلك تعتبر القبيلة الرئيسية لهذه المنطقة هي قبيلة الدهامنة، التي تنتشر في جماعات بمناطق رأس الخيمة، كما سكن في المنطقة قسم من قبيلة بني كعب، واتخذوا من وادي الجور قرية لهم كما يعيش في المنطقة عائلات من قبائل القوايد والمحارزة.
وكان علي يخرج كل صباح ومساء برفقة والده، فيجلسه معه تحت السبلة أو المظلة المصنوعة من السعف، فيأتيه الناس من كل قرية لمناقشة قضاياهم ومشاكلهم لأن مركز القضاء في رأس الخيمة، ولذلك عندما تحدث أي خلافات أو مشاكل يتم حلها سلميا، وعلي يبلغ من العمر 16عاما آنذاك، وفي أيام أخرى كان أمير المنطقة مع بعض الأعيان يسافرون على ظهور الإبل والبعض على الحمير، من منطقة لأخرى للتعرف على أحوال المواطنين .
وحسب الدهماني يستغرق السفر إلى دبي قديما على ظهور الإبل سبعة أيام، وقد كانت منطقة المنيعي مشهورة بزراعة التبغ أو الغليون، ويعتبر ثروة المنيعي الرئيسية حيث يحمل على ظهور الإبل ليباع في دبي، حيث يتجمع من 7-10 رجال ليخرجوا في قافلة، وقديما اعتبر أهل المنيعي الأفضل معيشيا من الأحوال في مناطق أخرى بسبب تلك الغلة، وفي دبي يلتقي رجال المنيعي مع التجار القادمين من البحرين لشراء الغليون أو التبغ، وبعد الشراء يدفعون مقدما للموسم القادم، ويعرف الناس موسم زراعة التبغ عندما تهب الكوس والكوس اسم رياح، ويباع الغليون كل أربعة أمنان في حزمة والمن عبارة عن أربعة كيلوجرامات، وكل حزمة تباع بأربعين روبية قبل الاتحاد بحوالي عشرين عاما، لكن بعد ذلك عرف الرجال بفتوى تحريم التدخين فتوقفوا عن تعاطي التبغ ثم عن زراعته.
القمح والذرة
وزرع أهل قرى المنيعي القمح والذرة والدخن، لكن الإقبال على الدخن والذرة كان كبيرا لأن المحصول يكون وفيرا، وكان الفقير من الرجال، الذي لايملك مزرعة أو لا يستطيع تحمل تكاليف الزراعة، يعمل كمساعد لدى الآخرين كما اشتغل البعض الآخر في العمل على اليازرة الساقية، لإخراج الماء من بطن الأرض للري، ومن النخل كان الرجال يبيعون الرطب ويحتفظون بالتمور لأنفسهم.
ومن العادات التي حرص عليها رجال المنيعي الخروج لصيد الظباء التي كانت تملأ المنطقة، لكن تصرفات بعض الأشخاص جعل أعدادها تقل، حيث كانوا يأتون للصيد الجائر، ويطلقون على الظباء الرصاص، ليس لاتخاذها طعاما وإنما لمجرد التسلية ثم يخلفونها وراءهم لتتحول لجيف، ولذلك لم ينس علي بن سعيد الدهماني القانون الذي منع الصيد حفاظا على الكائنات الحية التي تعد أحد أهم أوجه الحياة في الجبل، ويؤكد أن أهل المنطقة يحافظون على البيئة بطبعهم، حيث يمارسون عادات متوارثة لها تأثير إيجابي على مناطقهم الجبلية.
وقال الدهماني إن هناك آثاراً في منطقة المنيعي، منها في المناطق الجبلية، كما توجد في بعض مناطقها بقايا للبيوت القديمة التراثية والآثرية الأصلية للأجداد، وكان يأمل أن يحافظ عليها من إدارات الآثار في الدولة، حيث تقبع بقايا من البروج التي كانت تعد أحد أهم مراكز الحراسة، ومن جانب آخر أصبحت المنيعي تواكب التطورات والنهضة المتسارعة في الدولة، وعلى الرغم من أن معظم رجال المنيعي يعملون اليوم في الوظائف، إلا أنهم لا يزالون على تواصل مع الزراعة، والبعض منهم لديه تجارة بسيطة.
وبالنسبة للمرأة ودورها وكيف أثر قيام الدولة على حياتها وأسرتها قال إن المرأة كانت لها أدوار كثيرة منذ أن عرف الإنسان الأرض، فهي شقيقة الرجل واليد التي تساند وتزرع وتحيك وتربي الأجيال وتفطمهم على حب الأرض، ولذلك لم يكن العمل شيئا جديدا في حياتها، لكن مع دخول العلم تعززت تلك الأدوار، بل أصبحت هناك وظائف أكثر عن ذي قبل، حيث أصبحت تساهم في نهضة المنطقة التي تعيش فيها.
المصدر: رأس الخيمة