13 نوفمبر 2011 00:37
تميز الإمارات بوجود عدد كبير من القلاع والحصون القديمة والأبراج ذات الأشكال المختلفة الدائرية والمخروطية والمربعة، وتنتشر على طول الساحل وفي بعض المرتفعات والمناطق الداخلية، وعلى مشارف المدن وقد تم تجديد معظمها في ظل رعاية دولة الاتحاد واهتمامها بالمعالم التراثية والسياحية والمحافظة عليها من الاندثار، نظراً لما مرت به من أدوار تاريخية مختلفة. وكانت الحصون والقلاع والأبراج التي بناها السكان في دولة الإمارات العربية المتحدة على مر العصور بمثابة الأبراج الدفاعية عن التجمعات السكنية، وقد بنيت الحصون بحيث تتضمن أساساً عدداً من الأبراج والمتاريس القائمة بذاتها والتي تطل باتجاه الخارج لكي تتيح للمدافعين أفضل رؤية للأعداء إذا ما حاولوا الاقتراب من الجدران التي تصل بين هذه الأبراج. أما عن طبيعة مواد البناء التي كانت تستخدم في بناء هذه الحصون فإنها كانت تختلف تبعاً للموقع الذي تقام عليه وطبيعته وما يتوافر في هذا الموقع أو ذاك من مواد.
في المناطق الجبلية التي تشرف فيها الحصون على السهل لحمايته كما هي الحال في قلعة «مزيد» أو في الحصون التي تحرس ممراً عبر الوادي كما هي الحال في «البثنة»، كانت تستخدم الحجارة لبناء الجدران والأبراج. أما في الواحات والصحراء، فقد بنيت الحصون كلياً من الحجر المصنوع من الطين والقش المجفف بواسطة الشمس كما هو الحال في مدينة العين مثلاً. أما على الشواطئ كما هي الحال في أبوظبي والشارقة وغيرها فقد استخدمت الحجارة المرجانية وتستخرج من قاع البحر. أما سقوف الحصون، فقد كان تستعمل في إقامتها جذور أشجار النخيل عوارض ثم أضيفت إليها الأخشاب المستوردة مثل «الصندل» لتقويتها.
حصن الشارقة
بني حصن الشارقة عام 1820م بأوامر من الشيخ سلطان بن صقر الأول. وكان كل حاكم يأتي بعده يضيف إليه شيئاً، حتى بلغ أوج ازدهاره في عهد الشيخ سلطان بن صقر الثاني، الذي تولى الحكم ما بين 1924 - 1951م. والحصن فريد في طرازه، حيث اتسم بهندسة معمارية تتجلى فيها العمارة العربية، وكان ملتقى لأهل الشارقة يفدون إليه في أفراحهم وأتراحهم، كما اعتبروه رمزاً لعزتهم ومأمن خوفهم.
وفي عام 1969، تعرض الحصن للهدم، وقد رُدمت جوانب عديدة فيه، لكن أوقفت عمليات الهدم واحتفظ بما تبقى من الحصن لمدة ثمانية وعشرين عاماً، إلى أن تم ترميمه، وأعيد كما كان في السابق. ثم عاد بعد ذلك واقفاً بهذه المهابة في الشارقة القديمة مطلاً على البحر، كما لو أنه حارسها القديم، في هيئة متحف يربض على بوابته مدفع، ويتبع إدارة التراث في دائرة الثقافة والإعلام بالشارقة.
متحف الحصن
يقع المتحف في ضاحية البرج في ميدان الحصن على بعد كيلومتر واحد من مركز المدينة، ويضم الطابق الأرضي للحصن مجموعة من الغرف أهمها:
غرفة التوقيف، وقد تحولت هذه الغرفة إلى غرفة خاصة للعرض التلفزيوني الذي فيلم يحكي تاريخ إمارة الشارقة والحصن.
ثم غرفة «أحداث جرت» في إمارة الشارقة، وفيها تشرح الأحداث التي وقعت في الشارقة منذ بداية حكم الشيخ سلطان بن صقر القاسمي عام 1924م وحتى وفاته، كما تحتوي بعض الوثائق والرسائل أهمها معاهدة أهالي الشارقة، وأحداثاً أخرى جرت في تلك الفترة مثل انتشار مرض الجدري ووصول أول طائرة للشارقة. أما غرفة التعليم، فتحكي بدايات التعليم النظامي في الشارقة وبعض الصور لمدرسة الإصلاح – أول مدرسة نظامية في الشارقة- وإحصائية عامة لعدد المدارس والدارسين فيها، كذلك غرفة المقتنيات، وتعرض فيها جميع المقتنيات الرجالية والنسائية القديمة، ومن المقتنيات الرجالية التي تعرض هي العصا والمحزم والسكين والساعة وغيرها من مستلزمات الرجال. أما المقتنيات النسائية، فهي الحلي الذهبية والفضية بأشكالها وأنواعها المتعددة، بالإضافة إلى الصناديق التي تحفظ بها العطور والأدوات الخاصة بزينة المرأة وغيرها العديد.
أما غرفة «وجوه من الشارقة»، فيعرض فيها مجموعة من الصور لرجال وسيدات وأطفال من أهالي المدينة. وغرفة «مدينة الشارقة»، فتحتوي على خريطة قديمة تحدد موقع المدينة، وصوراً لها بتفصيلاتها الكاملة والطبيعية وتطور النهضة العمرانية والاقتصادية، أيضاً «غرفة التجارة»، وفي هذه القاعة تطالع الزائر الأدوات التي كان يستخدمها التجار في الماضي وهي عبارة عن مجموعة من الأوزان القديمة وبعض النقود الورقية والمعدنية التي كانت رائجة في المدينة في ذلك الوقت، إضافة إلى صور للأسواق القديمة.
تجارة اللؤلؤ
في غرفة «تجارة اللؤلؤ»، يجد الزائر فيها الأدوات المتعلقة بهذه التجارة التي كانت تعتبر العماد الاقتصادي في مدينة الشارقة، كما في مدن الإمارات العربية المتحدة كلها، إلى جانب هذا تعرض بعض أشكال اللؤلؤ والمحار.
وفي الطابق الأول من الحصن، نجد غرفة «الأسلحة»، التي تحتوي على بنادق متعددة الأشكال وبمسميات قديمة مثل «أم صمعا، وأم قمعة، وأم فتيلة.. إلخ»، بالإضافة إلى وجود مدافع بأحجام مختلفة. وأيضاً توجد غرفة للسلاح الأبيض تعرض من خلاله الأنواع المتعددة من السيوف والخناجر والعصي وكلها ذات زخارف إسلامية متنوعة وجميلة. من جانب آخر، هناك «غرفة الشيخ»، وبها سرير قديم وصندوق أوارق وآخر خاص بالشيخ سلطان بن صقر القاسمي، يحتوي على مصحف قديم وخنجر قديم من الفضة، وشال، وغرفة الشرفة «استراحة الشيخ».
أبراج الحصن
يشتمل الحصن على ثلاثة أبراج، وهي برج «المحلوسة»، وبرج «الكبس»، و»مربعة مشرف»، بالإضافة إلى الشرفة الرئيسة التي تطل على الساحة الأمامية للحصن، حيث توجد بها حطبة التوبة والتي كانت تستخدم لإقامة الحدود. ويضم حصن الشارقة المكتبة القاسمية التي تقع في الطابق الأرضي، وتحتوي على كتب للشيخ سلطان بن صقر القاسمي ومكتب وكرسي قيم وتضم المكتبة مختصراً خاصاً للحاكم يحتوي على 400 صورة تمثل عدداً من المناسبات الهامة لتاريخ الشارقة وهي من مقتنيات صاحب السمو الشيخ الدكتور سلطان بن محمد القاسمي.
«سرد الذات» وذكريات
في كتابه «سرد الذات»، يذكر صاحب السمو الشيخ الدكتور سلطان بن محمد القاسمي عضو المجلس الأعلى حاكم الشارقة، أن والده الشيخ محمد بن صقر القاسمي قد اعتاد على أن يأخذه وأشقاءه لزيارة شقيقه الشيخ سلطان بن صقر القاسمي في الحصن، وبالفعل سيكتب واحداً من أجمل فصول كتابه عن هذا الحصن وعن علاقة الحصن بالمدينة وناسها، وعن تلك الذكريات التي عاشها الطفل الذي كانه في الثلاثينات والأربعينيات من القرن الماضي.
المصدر: أبوظبي