31 يناير 2012
عندما تعرض عامل خدمة ركن السيارات هوجو إينريك فيرا للضرب من قبل زبون ثري في المكسيك، لأنه رفض إرشاده إلى مكان الرافعة في سيارته على ما يفترض، التقطت كاميرات المراقبة صورة نمطية تعود إلى العهد الاستعماري: الرجل الغني يؤكد سيطرته الاستبدادية على العامل الذي يتلقى الضربات مستسلماً لقدره. غير أن ثمة تحولاً جديداً هذه المرة: ذلك أن "فيرا" رفع دعوى قضائية وندد بالمعتدي عليه على نشرات الأخبار الوطنية مطلقاً بذلك نقاشاً محتدماً حول سوء معاملة الطبقة العاملة.
والواقع أنه منذ عقود والحركات الاجتماعية في أميركا اللاتينية تركز على حقوق السكان الأصليين. واليوم حصل السكان الأصليون على تمثيل سياسي جديد، وبات سوء المعاملة الصريح يؤدي إلى شكاوى ودعاوى قضائية. غير أن الحياة اليومية عبر أميركا اللاتينية ما زالت حافلة مع ذلك برموز التفاوت الطبقي العنيد الذي يأبى الاختفاء، ولا أدل على ذلك من المباني التي لديها مصاعد منفصلة خاصة بالخدم. ومثل هذا التأكيد المستمر على الاختلاف في المكانة الاجتماعية يساهم في تعزيز الفروق الطبقية في ما تقول الأمم المتحدة إنها المنطقة الأكثر تفاوتاً اجتماعيّاً في العالم.
ولئن كانت الخادمات يشتغلن وهن يرتدين بدلات مميزة وعمال خدمة ركن السيارات ليسوا على وشك الاختفاء، فإنهم وعمال آخرون باتوا على نحو متزايد متعلمين بشكل أفضل، ويتطلعون إلى الارتقاء مع مرور الوقت إلى الطبقة الوسطى. ولأنهم أصبحوا أقل تسامحاً تجاه سوء المعاملة والتمييز، فقد بدأ هؤلاء الخدم والمربيات والبوابون والبستانيون يطالبون بزيادة في الأجور وفي المزايا وبحد معقول من الاحترام أيضاً.
وفي هذا الإطار، تقول فلورنسيا تورتش، أستاذة علم الاجتماع بجامعة نيويورك والجامعة الكاثوليكية في سانتياجو بتشيلي: "إن هناك عملية دمقرطة في الساحة السياسية والمشاركة وحقوق المواطنة... والتنمية الاقتصادية المعتدلة. وبالتالي، ففي هذا السياق بدأ الناس يشعرون بأن لديهم الحق في أن يُنظر إليهم على النحو الذي يُفترض أن يُنظر به إليهم فعلاً: كمواطنين".
ومع هذا فإن النقاش العام الذي أثارته قضية عامل خدمة ركن السيارات، التي نشرت على موقع "يوتيوب" وأرغمت المذنب ميجيل ساكال على الاعتذار علناً، لم يكن حدثاً معزولاً. ففي الصيف الماضي، انتاب المكسيكيين غضب عارم بعد نشر فيديو تظهر فيه امرأتان من الطبقة الوسطى بأحد أحياء مكسيكو- سيتي الراقية وهما تكيلان الشتائم لضابط شرطة وتصفانه بـ"العبد المأجور الملعون". ومن جانبها، تسببت ابنة مرشح رئاسي بارز في ضجة كبيرة هي أيضاً في ديسمبر الماضي بعد أن ردت على رسالة في "تويتر" بعبارات نابية تصف فيها خصوم والدها بأنهم "حفنة من الأغبياء المنتمين إلى البروليتاريا"، في إشارة إلى الفقراء.
وتعليقاً على هذا الموضوع، يقول راوول فيلاميل أوريارتي، عالم الأنثروبولوجيا بالجامعة المستقلة في مكسيكو-سيتي: "إن هناك الآن تسامحاً أقل من طرف المجتمع تجاه التمييز". وهذا التحول الواقع يظهر الآن أيضاً بشكل واضح وجلي في مجال خدم المنازل خاصة. فإذا كان الأثرياء في الولايات المتحدة هم الوحيدون الذين يستطيعون تحمل تكلفة استئجار مربيات يعشن في المنزل، فإن الاستعانة بالخادمات في أميركا اللاتينية أمر شائع ومألوف، حتى في منازل الطبقة الوسطى.
وفي تشيلي، تطالب الخادمات والمربيات بأجور أكبر ومزايا أكثر ويلححن على العيش مع عائلاتهن الخاصة، كما تقول مونيكا إيسكاندون، التي تدير وكالة للخادمات والمربيات في سانتياجو، مضيفة: "إن (العاملات المنزليات) يدركن أن لعملهن قيمة كبيرة وأنه لا يمكن الاستغناء عنهن، وبخاصة بالنسبة للأسر التي يعمل فيها كلا الزوجين خارج المنزل".
ونتيجة لذلك، فقد ارتفعت الأجور إلى 500 دولار على الأقل بالنسبة لمربية تعمل خمسة أيام في الأسبوع، وإلى ما يصل إلى 800 دولار في الشهر بالنسبة لخادمة تعيش في منزل مشغليها، كما تقول. وعلى غرار ما هو موجود في الولايات المتحدة، فإن بعض الأميركيين اللاتينيين الأثرياء بدأوا اليوم يوظفون مهاجرين من بلدان أفقر مثل البيرو وبوليفيا والباراجواي من أجل تأدية العمل نفسه مقابل أسعار أقل.
غير أن الأجور المرتفعة والتأكيد المتزايد على المهنية بدأ يفضي إلى قدر أكبر من الاحترام في المقابل. فعندما قامت مجلة شعبية في كولومبيا مؤخراً بنشر صورة لخدم ببدلات موحدة يقفون خلف مشغلهم الثري، على سبيل المثال، أثارت الصورة عاصفة من الانتقادات. وفي تشيلي، قام أحد الأندية الشهر الماضي بمنع المربيات من دخول المسبح مع الأطفال الذين في عهدتهن وقال إن عليهن أن يرتدين بدلاتهن حين تواجدهن في المكان، فواجه أصحاب النادي سيلاً من الانتقادات والاتهامات.
وحسب كريستوفر سباتيني، رئيس تحرير دورية "أميريكاز كوارترلي" في نيويورك، فإن المقاومة جاءت في وقت لاحق بالنسبة للطبقة العاملة مقارنة مع السكان الأصليين، ويعزى ذلك جزئيّاً إلى أن الطبقة العاملة لم تكن تعرِّف نفسها وفق حدود إثنية أو جغرافية. غير أن الاقتصاد وتأثير وسائل الاتصال الاجتماعي منحاهم امتيازاً: فنظراً للنمو الاقتصادي الإيجابي عبر منطقة أميركا اللاتينية، وانخفاض الفقر، ووجود إمكانية أكبر للاستفادة من القروض، وانضمام كثيرين إلى الطبقة الوسطى - 56 مليون عائلة انضمت إلى الطبقة الوسطى في أميركا اللاتينية خلال فترة العقد ونصف العقد الماضية، حسب اللجنة الاقتصادية لأميركا اللاتينية والكاريبي التابعة للأمم المتحدة- فإن الطبقية باتت أقل جموداً مما كانت عليه من قبل. ويقول سباتيني: "إن الهرمية الاجتماعية التي كانت جامدة ومتصلبة في الأمس القريب بدأت اليوم تتأثر بمفهوم المساواة وتكافؤ الفرص عبر القارة".
سارة ميلر لانا
مكسيكو سيتي
ينشر بترتيب خاص مع خدمة
«كريستيان ساينس مونيتور»