31 يناير 2012
يوماً بعد يوم يصبح خط الانقسام الطائفي في سوريا أكثر وضوحاً، بسبب التأجج المتزايد للصراع بين نظام الأسد الذي يسيطر عليه العلويون، وجيش المنشقين المسمى "الجيش السوري الحر" الذي يتكون في معظمه من عناصر سُنية. وزاد الأمر استقطاباً اعتماد النظام السوري على رجال الميليشيات العلوية الذين يطلق عليهم اسم "الشبيحة" للمساعدة على قمع الانتفاضة السورية المندلعة منذ 10 شهور، فيما يقابله من الناحية الأخرى التفاف القوى المعارضة المسلحة حول هويتها السنية، كما يتبين من العلامات والرموز والعبارات الدينية والطائفية المنتشرة بكثرة.
ومن المعروف أن هوية الطائفة العلوية التي تشكل أقلية في سوريا، تتمحور حول بعض التقاليد والأعراف الشيعية، التي تعتبرها الأغلبية السنية نوعاً من الهرطقة الخارجة عن الدين.
ومع عدم وجود أي مؤشر يدل على أن نظام الأسد يستجيب للضغط الداخلي والدولي، فإن المواجهة القائمة حاليّاً في سوريا قد تتعرض لخطر التصنيف على أنها صراع طائفي مسلح بين السنة من جهة والعلويين وحلفائهم الشيعة في إيران و"حزب الله" اللبناني من جهة أخرى، أكثر من كونها انتفاضة شعبية عارمة وعامة ضد نظام استبدادي علماني جثم على صدر شعبه طويلاً.
وحول هذه الجزئية بالذات يقول "رامي خوري"، مدير معهد عصام فارس للسياسات العامة والشؤون الدولية التابع للجامعة الأميركية في بيروت: "أعتقد أن هناك المزيد من الدلائل المتواترة على صحة هذا الأمر -أي تصنيف الصراع على خطوط صدع طائفي- الذي يبدو أنه قد بات من الصعب تجنبه، وخصوصاً إذا ما أخذنا في اعتبارنا الطريقة التي تطورت بها الأمور في المنطقة بأسرها". وأضاف خوري أيضاً: "إن ما نراه أمامنا الآن هو أن إيران وحزب الله والنظام السوري قد تحولوا إلى كتلة واحدة معادية للمعارضة السورية ذات الأغلبية السنية".
والرموز الدالة على التأكيد على الهوية السنية والالتزام الديني وسط صفوف "الجيش السوري الحر" تتراوح ما بين عصابات الرأس المزينة بآيات من القرآن الكريم، والخطاب الحماسي المحتدم المناوئ لـ"حزب الله" وإيران، وكذلك أسماء الكتائب التي تحمل أسماء رموز سُنية تاريخية مثل كتيبة حمزة وكتيبة معاوية بن أبي سفيان على سبيل المثال لا الحصر. ويقول "أندرو تابلر"، الباحث المتخصص في الشؤون السورية في معهد واشنطن لسياسات الشرق الأدنى، ومؤلف أحد الكتب المهمة عن سوريا تحت حكم نظام الأسد: "إن الهوية الطائفية موجودة في سوريا على كل حال، وما عليك سوى أن تكشط السطح حتى تراها ماثلة أمامك".
و"الجيش السوري الحر" مكون في الأساس من منشقين عن الجيش السوري النظامي، ويقوده العقيد رياض الأسعد الذي فر العام الماضي، ويعيش في معسكر لاجئين في تركيا، وقد اعترف بأن الجيش سُني في معظم عناصره، ولكنه أيضاً ليس تابعاً لجماعة "الإخوان المسلمين" في سوريا مثلما يدعي النظام في وسائل إعلامه، ضمن دعايته المحمومة ضد المعارضة.
وعدد هذا الجيش غير معروف على وجه التحديد، وإن كانت مصادر المعارضة السورية تدعي أنه يضم 40 ألف فرد، في حين يقول آخرون إن العدد الحقيقي أقل من ذلك بكثير.
ويقول أحد أفراد هذا الجيش واسمه "أحمد": "إننا قد هربنا من الجيش لأن النظام يدفعنا لقتل المدنيين" ويضيف هذا الجندي الذي يقول إنه قد فر منذ ستة أشهر من وحدة استخبارات تتركز في العاصمة السورية دمشق: "إن الضباط العلويين الذين يصدرون إلينا هذه الأوامر يقفون وراءنا ويطلقون النار على أي جندي يقول إنه لن يطلق النار على المتظاهرين المدنيين".
وفي حديث لصحيفة "ميليت" التركية في شهر نوفمبر الماضي قال العقيد "الأسعد" إن "الجيش السوري الحر" يقاتل من أجل "جعل سوريا دولة مسلمة وديمقراطية في الوقت نفسه مثل تركيا".
يشار إلى أن المناطق التي يسكنها السنة في شمال لبنان، قد تحولت إلى ملاذات آمنة نسبيّاً للمنشقين السوريين وجنود "الجيش السوري الحر". كما أن حي "باب التبانة" السني في هذه المنطقة يقع بجوار حي "جبل محسن" المزدحم الذي تسكنه الطائفة العلوية، ولذا فإن الصراعات والصدامات التي تندلع من وقت لآخر بين الجماعتين منذ عقود قد كرست المشاعر الطائفية في المنطقتين اللتين تقطنانهما.
"إن المكان الوحيد الذي نشعر فيه بالأمان هنا هو حي باب التبانة"، هذا ما يقوله الشيخ "زهير عمر عباسي" القادم من "درعا" في أقصى الجنوب السوري، والمتحدث الرسمي باسم ما يعرف بــ"المجلس الإسلامي الأعلى لسوريا" وهو منظمة سنية خيرية سورية. ويقول الشيخ "عباسي" إنه يقدم مساعدات إدارية لـ"الجيش السوري الحر"، دون أن يضطلع هو نفسه بأدوار قتالية، وإن وحدات الجيش تهاجم أهدافها من دون تفويض مسبق، في حين أن الهجمات التي تتم بتخطيط مسبق قد تتضمن قيام بعض أعضاء الجيش من الملتزمين دينيّاً بطلب فتوى من رجال الدين قبل الإقدام على التنفيذ.
ويضيف "عباسي" أن معظم هجمات الجيش موجهة ضد مراكز الاستجواب، ومخازن الأسلحة، ورجال الميليشيات العلويين التابعين للنظام "الشبيحة" الذين اكتسبوا سمعة سيئة في أوساط المعارضة بسبب أعمالهم الوحشية التي تصل إلى حدود القتل بطرق وحشية مثل قطع الرؤوس مثلما تبين بعض أشرطة الفيديو التي حصلت عليها وحدات الجيش "السوري الحر" بعد إلقائها القبض على بعض هؤلاء "الشبيحة".
ويؤكد ضباط "الجيش السوري الحر" أن مقاتلي "حزب الله" اللبناني ورجال الحرس الثوري الإيراني ينشطون في سوريا في الوقت الراهن، ويساعدون الجيش السوري على قمع الانتفاضة. ويقول المحللون إنه مع العسكرة المتزايدة للصراع فإن من المرجح أن تتعرض أصوات القوى العلمانية السورية للتهميش.
وأحد هؤلاء المحللين هو "جوشوا لانديس" الخبير في الشؤون السورية ومدير مركز الشرق الأوسط بجامعة أوكلاهوما الذي يقول: "إن الحاجة إلى تضحيات هائلة، وإلى إحراج المناصرين السنيين للنظام من أجل دفعهم للانشقاق عنه يدفعان المعارضة نحو منطق علماني مماثل لما شهدناه في أماكن أخرى في المنطقة".
وفي يوم الجمعة الماضي أعلنت وحدة من وحدات "الجيش السوري الحر" أنها قد أسرت خمسة جنود إيرانيين في حمص. وفي الأسبوع الماضي أيضاً ادعت وسائل إعلام المعارضة أن مقاتلي "حزب الله" قد أطلقوا صواريخ كاتيوشا من داخل لبنان على منطقة الزبداني السورية، وهي مصيف شهير يقع على بعد خمسة أميال من الحدود مع لبنان ويخضع في الوقت الراهن لسيطرة "الجيش السوري الحر". ومن المعروف أن "حزب الله" وهو حليف وثيق لإيران قد أنكر مراراً وتكراراً وجود أي من كوادره في سوريا، كما لا يتوافر أيضاً سوى أدلة محدودة تؤيد الاتهامات التي توجهها له المعارضة السورية.
ومع ذلك، فإن تلك الادعاءات في حد ذاتها تكشف عن العداء العميق الذي يشعر به العديد من السنة في سوريا ولبنان تجاه القوى الشيعية الممثلة في إيران، و"حزب الله"، والنظام العلوي في دمشق. ويؤيد ذلك الشيخ، عمر بكري، عالم الدين الإسلامي السلفي في طرابلس الذي يقول: "إن السنة باتوا يشعرون بأنهم ضعفاء للغاية ويخشون من الشيعة والعلويين أشد الخشية إلى درجة يمكن أن تدفعهم للقبول بوجود قوات أميركية في سوريا، إذا ما كان ذلك سيؤدي للتخلص منهم في نهاية المطاف".
نيكولاس بلاندفورد
طرابلس - لبنان
ينشر بترتيب خاص مع خدمة
«كريستيان ساينس مونيتور»