31 يناير 2012
المجتمعات تحمل خصائص وسمات، ومن الطبيعي أن يسعى كل مجتمع إلى تكريس تلك الخصائص وهذه السمات، لكونها ترسم ملامحه وتحدد خطوط هويته، التي تحمل تأثيراً تبادلياً مع الأفراد والمؤسسات المختلفة المكونة له. وللأهمية الكبيرة لمفاهيم التطوع داخل المجتمع الإماراتي، تنطلق اليوم فعاليات مؤتمر الإمارات الرابع للتطوع والملتقى العربي لتمكين الشباب في العمل التطوعي، تحت رعاية «أم الإمارات» سمو الشيخة فاطمة بنت مبارك الرئيس الأعلى لمؤسسة التنمية الأسرية رئيسة الاتحاد النسائي، وذلك في قاعة الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان في مركز الإمارات للدراسات والبحوث الاستراتيجية.
يجيء انعقاد هذا الحدث على أرض أبوظبي تحقيقاً لعديد من الأهداف والرسائل المتعلقة بالتطوع وآثاره على الفرد والمجتمع.
وفي هذا السياق يقول جمال موسى «33 سنة» ويعمل موظفاً بإحدى الهيئات الحكومية، إن ثقافة التطوع منتشرة بشكل كبير داخل مجتمع الإمارات مقارنة بغيره من المجتمعات الأخرى، وهذا يرجع إلى ما أرساه الآباء من مؤسسي الدولة، وفي مقدمتهم المغفور له بإذن الله تعالى الشيخ زايد بن سطان آل نهيان طيب الله ثراه، الذي جعل من العطاء منهاجاً له ولكل المقيمين على أرض الإمارات، ومن ثم أصبح الجميع يسارعون في المشاركة بأي جهود تطوعية إذا تيسر لهم ذلك ولا يبخلون بأن يعطوا المجتمع من وقتهم وجهدهم، وهو ما يعمل موسى الآن على ترسيخه في أبنائه حتى ينشأوا على العطاء والبذل من أجل المجتمع.
وعن نفسه، قال موسى إنه شارك في كثير من الأعمال التطوعية في سنوات عمره المبكرة، وإن كان أغلب ما قدمه يرتبط بالمدرسة والبيئة المدرسية عبر جماعة الكشافة التي كان أحد أعضائها. أما الآن، فهو يشارك في العديد من الأنشطة المجتمعية التي تهدف لنشر مفاهيم التلاحم بين فئات المجتمع كافة، مستخدماً هوايته في ركوب الدراجات النارية، حيث شكل هو ومجموعة من أصدقائه فريقاً يشاركون به في العديد من تلك الفعاليات التي يعج بها المجتمع الإماراتي على مدار العام، مثل حملات مكافحة مرض السكري وغيرها من حملات التوعية الصحية.
فائدة مزدوجة
وأكد موسى أن هذه المشاركات تحمل فائدة مزدوجة للمجتمع وله في الوقت ذاته، حيث يسود المجتمع روح التعاون بين مختلف فئاته، ما يسهم في سرعة تطوره والوصول به إلى مكانة مرموقة بين المجتمعات، وبالنسبة للفرد، تعتبر هذه المشاركة بمثابة زكاة عن صحة الفرد وعافيته ونجاحه في الحياة، ما يجعل حياته مملوءة بالبركة والبعد عن المشكلات، فضلاً عن الشعور بالراحة النفسية التي يشعر بها الفرد عقب مشاركته في أي عمل تطوعي أو خيري.
وبالنسبة لأبنائه، ذكر موسى أن لديه بنتا «9 سنوات»، وولدا «7 سنوات» وهما الآن يشاركان في أعمال تطوعية بسيطة تتناسب مع عمريهما، مثل المشاركة في حملات تنظيف البر والشواطئ خلال الرحلات المدرسية، وهذه المساهمات تغرس فيهما حب التطوع وأهميته، ومن الطبيعي أن تتطور هذه المفاهيم لديهما في مراحلهما العمرية التالية، وبالتالي ستكون لهما مشاركات مجتمعية وتطوعية أكثر فاعلية وتأثيراً.
من ناحيته، أوضح على المحفوظي «32 سنة» ويعمل في إحدى شركات النفط والغاز، أنه شارك أثناء الدراسة في أعمال تطوعية مثل النظافة والمحافظة على البيئة، وكان ذلك بمساعدة المدرسين والأهل في البيت الذين رسخوا فيه حب النظافة والنظام ي كل مكان سواء داخل البيت أو خارجه، ومن ثم كانت مشاركته في أعمال نظافة البر والحدائق والمرافق العامة التي يستخدمها هو وزملاؤه أثناء الرحلات المدرسية، تعزيزاً لما سبق أن تعلمه داخل البيت والمدرسة عن حب المجتمع والبيئة التي نعيش فيها، والإسهام في أي عمل تطوعي يهدف للحفاظ عليها.
وبين المحفوظي أن المجتمع الآن مملوء بالمشروعات والمؤسسات التطوعية الكبرى مثل «تكاتف» و«تم»، وغيرهما من المؤسسات التي قامت على مفهوم التطوع وبأيدي أبناء الإمارات، وهي جميعها مؤسسات حديثة نسبياً، ولو كانت موجودة في الماضي في أيام شبابه المبكر، لكان ساهم بشكل أكبر في أي من المشروعات التطوعية التي تقوم بها تلك المؤسسات.
والآن لديه رغبة حقيقية وقوية في التطوع في أي من المشروعات المجتمعية داخل الدولة، ولن يتردد في التعاون مع أي جهة تطلب منه ذلك، طالما لا تتعارض مع أوقات الدوام الرسمي.
وأكد المحفوظي وجود عديد من الفوائد التي يحصل عليها كل من يساهم في العمل التطوعي، وفي مقدمتها تنفيذ ما أمرنا به الدين الإسلامي تطبيقاً لقول الرسول الكريم «خير الناس أنفعهم للناس». ولفت إلى أن التطوع أيضاً يحمل قيماً إنسانية عالية لا يدركها إلا من قدم يد العون لأخيه الإنسان، خاصة في المجتمعات التي تضم على أرضها أجناسا وأعراقا مختلفة مثل المجتمع الإماراتي، ومن ذلك ما قام به العديد من شباب الإمارات المثقف الواعي مؤخراً حين أطلق حملات تحت شعار «شتاء دافئ»، وكان أغلبها موجها لفئات العمال وغيرهم من البسطاء الذين يشعرون بقيمة ما يقدم لهم من أوجه خير وبر، وهي كثيرة داخل المجتمع الإماراتي.
التكاتف والترابط
وأشار إلى نقطة بالغة الأهمية، وتتمثل في انتشار التكاتف والترابط والتراحم بين المجتمع الذي تسوده ثقافة التطوع، كما هي الحال في الإمارات، ما جعلها واحدة من أكثر دول العالم أمناً وسلاماً لكل من يعيش فيها. وأوضح أن لديه ولدين لا يزالان صغيرين، ويعمل على غرس مفاهيم وأفكار التطوع لديهما، مثل المساعدة داخل بيت العائلة ومعاونة الجد والجدة في الأشياء البسيطة التي يقومان بها، وعند الخروج في رحلة أو إلى البر مع العائلة يطلب منهما القيام بأمور سهلة، ولكنها تعزز فيهما قيمة العمل التطوعي خارج المنزل، مثل تنظيف الأماكن التي يجلسون فيها في البر أو على الشاطئ.
سنوات الدراسة الجامعية شهدت زخماً من الأعمال التطوعية، هذا ما بدأ به المهندس أحمد علي «32 سنة»، مهندس صيانة في شركة بترول في أبوظبي، وتابع: كان هناك كثير من البرامج والأعمال التطوعية داخل الكلية، مثل تنظيم المؤتمرات وخدمة التجمعات الطلابية.
وأوضح علي أن مشاركاته التطوعية جعلته يحصل على فوائد عديدة، أهمها اكتساب الخبرة نتيجة التعامل مع نماذج مختلفة من الناس، وغرس مفهوم التعاون مع الزملاء، وبالتالي تقوية علاقة الصداقة والحب المتبادل معه، واستثمار الوقت فيما هو مفيد بالنسبة للشخص والمجتمع، وبالتالي ينعكس بكل الخير على الوطن.
كما أوضح أن المجتمع الإماراتي به العديد من المنظمات التطوعية التي عكست بشكل إيجابي انتماء الشباب الإماراتي لوطنهم، خاصة مع رؤية وجوه إماراتية شابة تطالعنا عبر جهودها التطوعية في الفعاليات والأحداث كافة التي تنظمها الدولة.
دوافع عديدة
وينتقل الحديث إلى طلال الحميري مؤسس ومدير فريق «تم» للعمل التطوعي، الذي يعتبر واحدا من المؤسسات التطوعية الفاعلة داخل الإمارات، وقال إن هناك أسبابا عديدة تدفع الناس إلى المشاركة في الجهود التطوعية، منها حب المساعدة وخدمة الآخرين، والأثر النفسي الطيب الذي يشعر به المتطوع، والذي يقابله المجتمع بالشكر والتقدير لما أسداه واقتطعه من وقته وجهده من أجل خدمة وطنه، وأوضح الحميري أن التطوع يشمل كل فئات المجتمع من كبار سن، شباب، وشابات، أطفال، وموظفين، وهناك أيضاً أفراد متطوعون من الجنسيات الأخرى عرفاناً بما يجدونه من سبل راحة وعيش كريم داخل الدولة.
وأشار إلى وجود جهود تطوعية عديدة خلال برنامج «تم» منذ نشأته منها، المشاركة في معرض الصيد والفروسية، ومهرجان الشرق الأوسط السينمائي الدولي، ومركز ذوى الاحتياجات الخاصة أثناء الاحتفال باليوم الوطني، والاحتفال باليوم الوطني بكأس الأمواج مع مركز رواق بنت عوشة في أبوظبي، والمشاركة مع هيئة البيئة، وزيارات ميدانيه مختلفة في إمارة أبوظبي.
وحول الفوائد التي تعود على الفرد والمجتمع من خلال المشاركة في الأعمال التطوعية التي يقوم بها مشروع «تم»، عددها الحميري فيما يلي: إشباع إحساس المتطوع بالنجاح في القيام بعمل يقدره الآخرين، تحقيق الذات، تفريغ المتطوع الموظف في حال التنظيم لحدث رسمي يقام في الدولة، تنظيم المعسكرات الصيفية للمتطوع، تنظيم احتفال سنوي للمتطوعين وتكريمهم، تسليط الضوء الإعلامي على فئة المبدعين من المتطوعين والمتطوعات، إصدار شهادات مشاركة للمتطوع في كل فعالية يشارك فيها.
قيم التطوع
وعن أهم القيم التي يقوم عليها العمل التطوعي أجملها الحميري في: التواضع، احترام الآخرين، الدعم والتشجيع، الأخلاق العالية، الدبلوماسية، الإخلاص، الصبر والتحمل، العزيمة والإصرار، الإرادة، القيادة، المسؤولية، العمل الجماعي، الانضباط ، الولاء والمثابرة .
إلى ذلك أوضح الحميري أنه مهما بلغت صفات المتطوع في العمل الاجتماعي والمهارات التي يتصف بها من استعداد نفسي لخدمة المجتمع، إلا أن المتطوع يحتاج للتدريب وزيادة المعارف والمهارات مثل: التدريب على البحث الاجتماعي على أسسه العلمية، التدريب على فن التسويق والترويج للتبرعات، كيفية إعداد نشرات وملصقات دعائية، تدريب المتطوعين على مهارات إدارية وتنظيمية، إكساب المتطوع مهارات سكرتارية وكتابية مثل الخطابات والتقارير، التدريب على التعامل مع الكمبيوتر وبرامجه، التدريب على إعداد الاجتماعات والتحضير لها، تعليم مهارات الاتصالات وفن الإقناع، دراسة حالات ومشكلات اجتماعية واتخاذ قرارات مناسبة، التدريب على إقامة المعارض وتسويقها، كيفية إدارة المشاريع الخيرية المختلفة التي يمكن أن يشارك فيها أو يتعامل معها.
من جانبها قالت ميثاء أحمد الحبسي المديرة التنفيذية لمشروع “تكاتف” إن الحديث عن التطوع في دولة الإمارات لابد من التعرض إلى مشروع “تكاتف” الذي يعتبر من أهم المشروعات التطوعية القائمة في الإمارات ولها مشاركات مجتمعية عديدة ومتنوعة منها ما يخدم البيـئة مثل حملات تنظيف الشواطئ والبر، إلى جانب المساهمة في كافة الفعاليات والأحداث التي تجري داخل العاصمة الإماراتية، من معارض ومهرجانات ثقافية وفنية مختلفة.
ولفتت إلى أن تكاتف يفتح أبوابه لكافة الأفراد الموجودين على أرض الإمارات من مختلف الجنسيات والفئات العمرية بدءً من 18 سنة، ولا يقتصر على المواطنين فقط، مؤكدة على وجود مشروعات تطوعية خاصة بالمواطنين، وغيرها يتشارك فيها المواطنين مع الوافدين.
وأشارت الحبسي إلى أن مشاركة المقيمين تحمل رسائل عرفان وتقدير للمجتمع الذي يعيشون فيه، ويبادلهم حباً بحب.
وقالت إن المشاركة في الجهود التطوعية تحمل كثير من الخير لمن يقوم بها والمجتمع في آن، حيث ينتشر الحب والتراحم والتكافل بين أبناء المجتمع الواحد، وفي ذات الوقت يستفيد المشاركون خبرات جديدة ويتعلمون مهارات مختلفة من وراء مشاركتهم في المشاريع المختلفة التي ينظمها تكاتف منذ انشاءه قبل خمس سنوات تأسيس في ابريل 2007 بمبادرة من مؤسسة الإمارات، والتي تعتبر واحدة من أهم مؤسسات النفع الاجتماعي في دولة الإمارات العربية المتحدة.
وأضافت أن المؤسسة قامت بإطلاق برنامج تكاتف، بهدف رفع مستوى الوعي العام باحتياجات المجتمع، وتشجيع المشاركة في فرص التطوع المتاحة، وتمكين الأفراد، وتطوير مهاراتهم، وتشجيعهم على الالتزام بالعمل التطوعي، والانتماء لمجتمع الإمارات، عبر الكثير من المبادرات كتنظيف الشواطئ وصيانة المدارس. وأوضحت أن رؤية تكاتف تهدف إلى إرساء ثقافة التطوع، وتطويرها كأسلوب حياة بين مختلف أفراد مجتمع الإمارات من أجل تحفيز الأفراد على العمل التطوعي.
وضوح الأهداف
لفت طلال الحميري مؤسس ومدير فريق «تم» للعمل التطوعي إلى وجود عوامل أسهمت في تطور ثقافة العمل التطوعي في المجتمع الإماراتي خلال الأعوام الماضية مثل التخطيط الجيد للمؤسسات التي تقوم على العمل التطوعي، ووضوح الأهداف التي يسعون إلى تحقيقها، وتوفر الإمكانات البشرية والمادية، وتدريب وتأهيل المتطوعين من أجل إنجاز الأعمال التطوعية بالمستوي المطلوب.
المصدر: أبوظبي