خورشيد حرفوش (أبوظبي) ـ تتباين الآراء حول التأثيرات المحتملة لرؤية الطفل مشهد ذبح الأضاحي في صبيحة يوم عيد الأضحى المبارك، فهناك من يستند في عدم الاكتراث بالسنة النبوية المطهرة، وأن مثل هذه المشاهد دأب الأطفال على رؤيتها على امتداد الأجيال عبر أكثر من خمسة عشر قرناً، بينما يعزو غير أصحاب هذا الرأي إلى أن مشاهدة الطفل دون سن معينة لا يدرك فيه الغاية والهدف من النحر، قد يسبب له مشهد الذبح والدماء آلاماً نفسية عديدة، في مقدمتها الصدمة النفسية والعصبية، والخوف المرضي والذعر، وما يترتب على ذلك من خلل في السلوك في سنوات عمره المقبلة.
دأبت الأسر في الأسابيع والأيام التي تسبق يوم عيد الأضحى على شراء الأضاحي، وغالباً ما تبقى في أماكن قريبة وعلى مرأى من الأطفال الصغار، فيفرحون بها ويسعدون بوجودها بينهم، وكثير منهم يساهمون في تقديم الطعام والشراب لها، ومنهم من يتخذ منها وسيلة للعب والتسلية، بل ويتخذ من خروف العيد صديقاً له، يداعبه ويلاعبه ويجري خلفه، محاولاً الإمساك به، وركوبه وتدليله، وتقديم قطع من السكر أو الطعام والماء له، والتقاط صور تذكارية معه، ما يشكل ويكون ارتباطاً وجدانياً معه.
المشهد يتبدل تماماً صبيحة يوم العيد، حيث يختفي صديق الأمس بفعل فاعل، وتتم عملية الذبح أمام الطفل، وقد يصدم الطفل الصغير بما يرى، وهو الأمر الذي رفضه علماء الدين موجهين النصيحة بأن يكون عمل الابن الذي يشاهد الأضحية بعد العاشرة، حتى يستوعب المعنى المقصود من الأضحية.
رؤية الأطفال
وحول رأي الشريعة الإسلامية أشار الدكتور سالم بن نصيرة من الهيئة العامة للأوقاف في أبوظبي إلى عدم وجود نص صريح في القرآن والسنة، يجيز أو يحرم رؤية الأطفال لمشهد ذبح الأضحية ورؤية الدماء، أو ما السن التي يجوز أو لا يجوز فيها ذلك، حرصاً على سلامة الطفل النفسية، خاصة من هم في سن عدم الإدراك، لاحتمال حدوث الضرر، ولكن هناك اتفاقاً أو جرت العادة للمصلحة ودفع الضرر ألا ينبغي أن يرى الطفل مشهد ذبح الأضحية قبل أن يصل إلى سن السعي الذي وصل إليه سيدنا إسماعيل عليه السلام.
وأضاف، هذه السن هي مرحلة الطفولة المتأخرة التي تبدأ من سن 10 سنوات، كما قال معظم العلماء، عندها يمكنه أن يرى مشهد الذبح، ليعرف الهدف من وراء الفداء والأضحية، أما قبل هذه السن، فلا ينصح بأن يرى هذا المشهد لصعوبته على نفسه، ولا سيما إذا كان قد تكونت علاقة ألفة بينه وبين الخروف، لدرجة أن بعض هؤلاء الأطفال يعزفون عن أكل لحم الأضحية وكأنهم يعلنون حزنهم وتبرمهم، ومن ثم فإن الاجتهاد هنا يستحسن ألا يرى الطفل، وهو في سن صغيرة وعديم الإدراك، مشهد ذبح الأضحية أو الدماء، تجنباً لأي متاعب نفسية قد يتعرض لها، ومن باب دفع الضرر.
مشهد الذبح
استشاري الصحة النفسية الدكتور محمود رشاد، يرى أن هناك تبايناً في آراء المختصين في هذا الشأن، فمنهم من يرى أن لا ينبغي أن يرى الطفل مشهد ذبح الأضحية، قبل أن يصل إلى سن السعي الذي وصل إليه سيدنا إسماعيل عليه السلام، عندما رأى والده إبراهيم عليه السلام أنه يذبحه في المنام وفداه الله بذبح عظيم.
وهذه السن هي مرحلة الطفولة المتأخرة التي تبدأ من سن 10 سنوات، عندها يمكنه أن يرى مشهد الذبح، ليعرف الهدف من وراء الفداء والأضحية، سواء أكان طفلاً أم طفلة، أما قبل هذه السن، فلا ينبغي أن يرى هذا المشهد، لأنه صعب على نفس الطفل، وعندما يسأل الطفل: أين ذهب الخروف الذي يلعب به ويقدم له الطعام؟
نقول له: ذبحناه مثلما نذبح الطيور لنأكلها، وقبل هذا، يجب أن نؤهل الطفل نفسياً طيلة وجود الخروف في البيت قبل الذبح ونخبره بما سيكون حتى لا يتفاجأ، وأننا اشترينا الخروف كي نذبحه ونأكله في العيد، وإن فترة بقائه معنا هي فترة مؤقتة حتى يحل العيد، فيفهم الحقيقة ببساطة، ويتقبل ذبح الخروف الذي رعاه حتى قدوم العيد.
الصدمة النفسية
وعن مخاطر رؤية الأطفال الصغار لمشهد ذبح الأضاحي، وانعكاساته على صحتهم النفسية، يقول الدكتور محمد الجارحي، استشاري الطب النفسي، إن رؤية الصغار الذين لا يستوعبون ولا يفهمون “لماذا الأضحية؟” له انعكاسات سلبية على بعضهم، فالطفل بفطرته لا يخاف، وإنما يكتسب الخوف من البيئة المحيطة به، ومن ثم يخاف من مشاهد العنف والدم والذبح وكل مصادر الألم، ففجأة يصل صديقه “الخروف” إلى مكان الذبح، وفي لحظات معدودة يقيد ويذبح وتراق دماؤه أمام عينيه من دون مقدمات، ولا تستوعب براءته هذا المشهد بكل تأكيد، ومن ثم فإنه معرض لحدوث صدمة نفسية وذعر وخوف شديدين، خاصة إن لم يكن قد سبق تهيئته نفسياً لذلك. فيفترض أن يحرص الوالدان قبل صبيحة يوم العيد، وأن يهيأ الطفل لتقبل ذلك المشهد، وأن يشرح له أبعاد السنة النبوية المطهرة، والهدف من الأضحية، وقصة وأصل مشروعيتها، ولماذا هي بمثابة تقرب إلى الله سبحانه وتعالى، وفداء للإنسان، فقد تكون الصدمة كبيرة، عندما يذبح هذا الصديق ويسلخ ويقطع لحمه أمام عيني الطفل، فضلاً عن رؤية منظر الدم، وطريقة الذبح التي قد تؤثر على الطفل الذي لم يتلق المفاهيم الأساسية لتلك السنة المطهرة أو أنه في سن لا يستطيع فيه استيعاب كل ذلك.
تجربة
ويضيف، يعرف أن تعرض الطفل إلى صدمة انفعالية نتيجة حادث أو تجربة مؤلمة، كمشاهدة الطفل للطبيب، وهو يقوم بعمل ما يثير الألم كإجراء عملية جراحية ما، أو رؤية الدم ينزف من طفل آخر نتيجة حادث عارض، وكلها أمور مؤلمة للطفل تجعله يخاف من تكرار هذا الموقف مرة أخرى، فإذا شاهد بالمصادفة طفلاً أو شخصاً يتعرض للغرق، أو إذا تعرض هو نفسه للغرق أثناء الاستحمام في حمام السباحة لانزلاق إحدى قدميه مثلاً، فإنه سيخاف من النزول إلى حمام السباحة ثانيةً، فمشاهدة الطفل لمشاهد مرعبة أو تلك التي تحتوي على مشاهد العنف والتدمير والدماء في أفلام الكرتون، أو أفلام الكبار أو قراءتها بقصص الأطفال الهزلية يكسبه مثل هذا الخوف، أو لجوء الوالدين إلى تخويف الطفل أو تهديده، عندما يرفض القيام بشيء أو عمل معين، كتخويفه بأحد الحيوانات المفترسة، أو بإحدى الشخصيات المخيفة كي ينفذ ما يطلب منه.
وقد يميل الطفل إلى تقليد الأطفال الآخرين في مخاوفهم، لأن الأطفال يقلدون الكبار في أفعالهم وانفعالاتهم، ومنها الخوف، كما يكتسب الأطفال مخاوف والديهم عن طريق التقمص والتعلم والملاحظة، كالخوف من الحشرات والمرتفعات والأماكن المظلمة. وعادة ما يتسبب الخوف في حدوث أعراض فسيولوجية كسرعة نبضات القلب، والشعور بالتوتر، وجفاف الفم والحلق، وزيادة عرق راحة اليد، وفقدان الشهية، والشعور بالتعب والدوار، وتغير في ملامح الوجه، وعدم القدرة على التنفس”.
كيف تكون العلاقة بين الطفل والأضحية؟
حول علاقة الطفل بالأضحية أوضح الدكتور محمود رشاد، استشاري الصحة النفسية، أن العلاقة بين الطفل والحيوان، خاصة خروف العيد الأضحية هي علاقة صحية جداً، إذا اقترنت بالمفهوم الصحيح لقيمة هذا الحيوان، وكيف أنه خُلق كي يكون طعاماً للإنسان بعد ذبحه، ومفهوم الأضحية الصحيح، ورؤية مشهد إراقة الدم في ذبح الحيوانات عمومًا تهذب المشاعر الإنسانية، لأنه يراها في الحيوانات التي خلقت لإطعام الإنسان والاستفادة منها، وليس في الإنسان، فهو توجيه لربط إراقة الدم بالحيوان، وليس الإنسان، فيتعلم الطفل حرمة دم الإنسان وإباحة دم الحيوان ليؤكل.
وأضاف، هي أيضاً تساهم في علاج الأطفال من المخاوف التي قد تنتابهم عند رؤية مشاهد العنف التي تنتشر في عصرنا، لكي يتعامل معها بشيء من الواقعية، ولكي ننجح في هذا يجب أن يقترن ما يشاهده الطفل بمفهومه الصحيح، فالحيوانات كالقطط وغيرها مما لا يذبح بل يكون أليفاً في البيت تختلف كل الاختلاف في قيمتها عن خروف العيد الذي جعله الله عز وجل ذبيحة وفداء للإنسان. كما يجب على الأسرة ألا تعزز وجود علاقة بين الطفل والخروف، واللعب والمداعبة معه والحفاظ عليه، وعليها أن تخبر الطفل بأنه سيأتي يوم يذبح فيه هذا الخروف لأكله، حتى لا تكون الصدمة مؤثرة عند الطفل الذي نشأ على علاقة خاطئة ومفهوم خاطئ، ويجب أن يتعامل مع كل هذا بواقعية، فقصص القرآن يستطيع الطفل أن يسمعها وعمره أربع سنوات، ويدرك فيها بعض الأشياء ويسمعها مرات بعد ذلك في كل مرحلة من مراحل حياته”.