كشف مؤتمر ميونيخ للأمن، المنعقد في ألمانيا، عن عمق الخلافات بين الولايات المتحدة وحلفائها الأوروبيين في حلف شمال الأطلسي.
وأعربت واشنطن والقوى الأوروبية عن مواقف متباينة بشكل كبير بشأن قضايا عدة بينها الأمن في الشرق الأوسط والتجارة، ما يكشف التصدعات العميقة بين ضفتي الأطلسي.
وأعرب قادة أوروبيون، على رأسهم المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل خلال مؤتمر الأمن الدولي المستمر لثلاثة أيام في مدينة ميونيخ الألمانية، عن استيائهم من سلسلة قرارات أصدرها الرئيس الأميركي دونالد ترامب واعتبرت معادية لحلفاء واشنطن في حلف شمال الأطلسي.
وفي لحظة سادها إرباك أمس الجمعة، قال نائب الرئيس الأميركي مايك بنس إنه يحمل معه تحياته من ترامب، لكن ذلك قابله الحاضرون بصمت مطبق في قاعة امتلأت بالقادة والوزراء والجنرالات.
واعتبرت ميركل أن توجه واشنطن للإعلان أن عمليات استيراد السيارات الأوروبية تشكل "تهديداً للأمن القومي" هو أمر "يثير الرعب".
وترك إعلان ترامب بالتحديد أنه سيسحب القوات الأميركية قريباً من سوريا، حلفاء واشنطن يتساءلون عن كيفية تصديهم لمزيد من الفوضى وعدم الاستقرار هناك.
وفي هذا السياق، تساءل وزير الخارجية الفرنسي جان-إيف لو دريان -الذي تنشر بلاده نحو 1200 جندي في المنطقة- عن السبب الذي يدفع الولايات المتحدة لخلق فراغ في سوريا قد يفيد عدوتها إيران، معتبراً أن المقاربة "غامضة".
وانتقد مصدر في الحكومة الفرنسية خطوة إدارة ترامب بالقول إنها معادلة "نحن راحلون، أنتم باقون". وأضاف "يحاولون التعامل مع تداعيات قرار متسرع ويجعلوننا نحن نتحمل المسؤولية".
في خطابه الرئيسي اليوم السبت، قدم بنس نصيحة حازمة للدول الأوروبية وغيرها.
وشدد على تبرير ما اعلنته واشنطن لجهة أن إيران تخطط لـ"محرقة" جديدة ودعا القوى الأوروبية لإلغاء الاتفاق النووي المبرم عام 2015 مع طهران والذي أعلن ترامب انسحاب بلاده منه العام الماضي.
وانتقد كذلك قرار فرنسا وألمانيا وبريطانيا السماح للشركات الأوروبية بمواصلة عملياتها التجارية في إيران رغم العقوبات الأميركية.
في المقابل، أكدت مسؤولة العلاقات الخارجية في الاتحاد الأوروبي فيديريكا موغيريني الجمعة أن التكتل عازم على المحافظة على "التطبيق الكامل" للاتفاق.
وأشاد بنس ببعض أعضاء حلف شمال الأطلسي لزيادتهم إنفاقهم الدفاعي لكنه ذكّر آخرين بأن مساهماتهم لا تزال دون الهدف المحدد عند 2% من إجمالي الناتج الداخلي.
وشدد كذلك على المعارضة الأميركية القوية لخط أنابيب الغاز "نورد ستريم2" الروسي-الألماني الذي يجري بناؤه والذي رأى ترامب أنه يجعل أكبر قوة اقتصادية في الاتحاد الأوروبي "رهينة" لروسيا.
وقال بنس إن "الولايات المتحدة تثني على جميع شركائنا الأوروبيين الذين اتخذوا موقفاً قوياً ضد نورد ستريم2 ونوصي آخرين بالقيام بالأمر ذاته".
وانتقد كذلك صفقات شراء الأسلحة التي ينوي أعضاء في الأطلسي إبرامها مع "أعدائنا"، في إشارة بحسب وسائل إعلام روسية إلى اتفاق مرتقب بين موسكو وأنقرة.
وقال بنس "لا يمكننا ضمان الدفاع عن الغرب في حال ازداد اعتماد حلفائنا على الشرق".
وفي ما يتعلق بفنزويلا التي تشهد أزمة، دعا دول الاتحاد الأوروبي الـ28 إلى الاعتراف بزعيم المعارضة خوان جوايدو باعتباره "الرئيس الشرعي الوحيد".
وقال "بإمكان العالم القديم مرة أخرى اتخاذ مواقف داعمة للحرية في العالم الجديد".
لكن ميركل، التي أطلق عليها في بعض الأحيان زعيمة العالم الحر، صعدت لهجتها في آخر ولاية لها كمستشارة والتي تنتهي في 2021.
وفي ما يتعلق بالشأن السوري، حيث تسعى قوات كردية عربية مدعومة من واشنطن إلى طرد عناصر تنظيم داعش المتشدد من آخر معاقلهم، شككت ميركل علناً في مدى حكمة قرار سحب القوات الأميركية من سوريا.
وسألت "هل هي فكرة جيدة بالنسبة للأميركيين أن ينسحبوا فجأة وبشكل سريع من سوريا؟ أم أن ذلك سيعزز مجدداً قدرة إيران وروسيا على فرض نفوذهما؟".
وعلى صعيد النزاع التجاري، أصرت على أنه في ألمانيا "نحن فخورون بسياراتنا"، موضحة أن أكبر مصنع لعلامة "بي إم دبليو" الفخمة ليس في بافاريا بل في كارولاينا الجنوبية حيث يتم تصدير السيارات للصين.
وقالت "كل ما يمكنني قوله هو أنه سيكون أمراً جيداً أن نعاود المحادثات بعضنا مع بعض".
وفي ما يتعلق بـ"نورد ستريم2"، أكدت ميركل أن أوروبا تشتري الغاز الروسي عبر أنابيب أخرى، مشيرة إلى أن المصدر هو "غاز روسي بغض النظر عن مسألة إن كان يأتي عبر أوكرانيا أو عبر بحر البلطيق".
وأشارت إلى أن على الغرب مواصلة الحوار مع روسيا رغم النزاع الأوكراني وغيره من الخلافات العميقة.
وحذرت ميركل من تراجع التعاون المتعدد الطرف للتعامل مع المشكلات العالمية، مؤكدة "علينا بكل بساطة ألا نطيح به".