18 مارس 2009 01:40
ليس الحديث عن مجرد قصر بمدينة الاسكندرية وانما عن مدينة مصغرة داخل الثغر السكندري، فقصر المنتزه بملحقاته وحدائقه يحتل مساحة تبلغ 37 فدانا على شاطئ البحر شرقي مدينة الاسكندرية المصرية·
مشيد هذا القصر هو الخديوي عباس حلمي الثاني الابن الاكبر للخديوي محمد توفيق والحفيد الاقرب في نهجه لجده اسماعيل· وتولي عباس حلمي حكم مصر في 8 يناير عام 1892 وهو بعد في الثامنة عشرة من العمر ويعتبر آخر من تلقب بخديوي مصر والسودان· ومن المعروف عنه كراهته للانجليز وتقربه للمصرين وقد كسب شعبية كبيرة لتحديه اللورد كرومر المندوب السامي البريطاني في مصر · غادر الخديوي مصر في رحلة للخارج على متن اليخت الشهير المحروسة في 21 مايو 1914 وبعد ايام نشبت الحرب العالمية الأولى فانحاز الى جانب تركيا فوجدت انجلترا ضالتها وقررت عزله وتولية عمه حسين كامل سلطانا على مصر·
ولقصر المنتزه قصة طويلة مع الخديوي عباس، فالامير الذي ولد بالاسكندرية في 14 يوليو 1874 كان يقضي اغلب شهور الصيف في سراي الرمل القديم والقائم الى اليوم بمنطقة سيدي بشر وحسب رواية احمد باشا شفيق كان الخديوي بعد ان يقصد سراي الرمل عند اخر الخط الحديدي ينزل في محطة ترام السراي ''مكانها اليوم فندق المحروسة'' ومن هناك يركب الى جهات مختلفة من الثغر للتنزه·
وحسب رواية احمد شفيق فانه في احدى ليالى الصيف المقمرة امر الخديوي باعداد ثمانين حمارا ليركبها هو وصحبه ليلا في الصحراء على شاطيء البحر وامر ان ترافقه الموسيقي الخديوية وعدد رجالها 45 رجلا، وعندما تجاوز سيدي بشر هرع اليه عربان المنطقة مرحبين مهللين اعجب الخديوي بالمنطقة وبالسنتها الجميلة الداخلة في البحر فعزم على التوغل فيها لمشاهدتها عن قرب·
وفي صباح اليوم التالي ذهب عباس حلمي ليعاين المنطقة حتي وصل الى مكان اعجب بمنظره تكتنفه ربوتان عاليتان وبينهما ضلع صغير وفي طرفه الشمالي جزيرة، فقرر من يومها ان يكون هذا المكان مصيفا له وان يشيد به قصرا انيقا لاقامته·
وكان على احدى الربوتين مدافع قديمة تعود الى عصر محمد علي نصبت لحماية شواطئ الثغر وهي لاتزال قائمة للان حيث اقيم امامها المبني الملحق بالقصر وهو المعروف باسم السلاملك، كما اقام امام قصر السلاملك ساعة رملية· اما تسميته قصر المنتزه فتعود الى محمود شكري باشا رئيس الديوان التركي الذي اقترح على الخديوي عباس ان يسميه قصر المنتزه·
ويعتبر قصر الحرملك المبني الرئيسي داخل المنتزه وكان مخصصا لاقامة الخديو وزوجته واولاده بالاضافة الى حريم القصر من اميرات وجواري وخدم· ويعد تحفة معمارية نادرة حيث مزج المهندسون في تصميمه بين العمارة الكلاسكية والعمارة القوطية وعمارة عصر النهضة الاوروبية بالاضافة الى اقتباسات من فنون العمارة الاسلامية· وكان الخديوي عباس حلمي يهتم كثيرا باحياء الفنون الاسلامية واكسابها شخصية اكثر حداثة واميل للتوافق مع العمارة الاوروبية، على النقيض من ميل جده اسماعيل لاقتباس العمارة الفرنسية·
ويبدو ان مهندس القصر الذي تولي تصميمه كان ايطاليا ، فبنيته الرئيسية مستوحاة من الطراز الفلورنسي الايطالي، اما واجهته الرئيسية فتعبر عن متطلبات الخديوي الذي شرع في تشيد القصر فور توليه الحكم في عام 1892م· ففي الطابق الاول نجد عقود الواجهة من النوع المدبب الشائع الاستعمال في العمارة القوطية· ومن المعروف ان الطراز القوطي الذي انتشر في اوروبا عقب انتهاء الحروب الصليبية اقتبس هذا النوع من العقود المدببة من العمارةالاسلامية في بلاد الشام ومصر·
اما الطابق الثاني فعقوده تحاكي الطراز الكلاسيكي الروماني بينما جاءت عقود الطابق الثالث والاخير مستوحاة من العمارة الاسلامية حيث استخدمت عقود نصف دائرية قريبة من شكل حدوة الحصان، على غرار ما هو سائد في عمارةالمغرب العربي والاندلس، ودعم من هذا الاحساس الشرقي استخدام صنجات حمراء وبيضاء بالتعاقب في هذه العقود· ونلمح ايضا في برج الساعة المطل على شاطئ البحر شبها كبيرا بصوامع ومأذن المساجد المغربية· اما قاعات وابهاء القصر من الداخل فتكاد تكون اوروبية صميمة لولا بعض العناصر الزخرفية التي اقتبسها العثمانيون من طرازي الباروك والركوكو واخضعوها لروحهم الفنية الخاصة·
وعقب قيام ثورة يوليو 1952 وبمجرد رحيل الملك فاروق عن مصر قامت حكومة الثورة بفتح قصر الحرملك لزيارات المواطنين الذين دهشوا من فخامة البناء والاثاث وهو مازاد السخط على الملكية انذاك· وقد تم تحويل قصر الحرملك الى قصر جمهوري للضيافة حيث ينزل به تقليديا الملوك والرؤساء من ضيوف مصر ومازال القصر يحتفظ الى اليوم بالاثاث الملكي القديم·
وتحيط بقصر الحرملك حديقة منسقة تشرف على خليج المنتزه، وتتقدمها غابة كثيفة من الاشجار الخضراء وهي تقوم بالاضافة الى قيمتها الجمالية بوظيفة حجب حريم القصر عن اعين الذين قد يتجاسرون ويعبرون امام شاطئ المنتزه·
اما قصر السلاملك، كما يدل عليه اسمه فكان مخصصا للاستقبالات الرسمية حيث اتخذ القصر مقرا صيفيا للحكم من عهد عباس حلمي الثاني الى عهد الملك فاروق، وايضا لاقامة الموظفين الرسميين وحاشية الخديوي الخاصة، ورغم ان القصر اقل حجما من القصر الرئيسي ''الحرملك'' فانه ايضا يمتاز باناقة في تصميمه المعماري المماثل لقصر الحرملك وكذا في زخارفه وأثاثه· وقد تم تحويل قصر السلاملك بعد الثورة الى فندق بالغ الفخامة يحمل نفس الاسم·
والي جانب قصري السلاملك والحرملك توجد عدة ملحقات منها طاحونة القصر وقد شيدت على طراز كلاسيكي بسيط، وكشك الشاي المطل على شاطئ البحر وهو ايضا مبني على الطراز الكلاسيكي مع لمسات ايطالية حديثة· وكانت اميرات القصر يجلسن في هذا الكشك لتناول الشاي وفقا للتقاليد البريطانية، او ما يعرف بشاي الساعة الخامسة، او حسبما يطلق عليه في مصر شاي العصاري·
وفي قصر المنتزه ايضا سينما للاميرات تقع الى جوار قصر الحراملك وهي عبارة عن حديقة غناء مسورة وبنهايتها حائط كبير مجهز لعرض افلام السينما العالمية والمصرية بغرض تسلية الاميرات خلال اقامتهن بالقصر شهور الصيف·
وثمة كوبري انيق ايضا يربط بين اليابسة التي يوجد بها قصر المنتزه والجزيرة الصغيرة التي تتقدم خليج المنتزه وكان الملك فاروق على وجه خاص يقضي اوقات النهار في الاستحمام بخصوصية كاملة في المياه المحيطة بهذه الجزيرة·
ويكاد قصر المنتزه بعد هذه المنشأت المعمارية الرئيسية يكون مجموعة من الشواطئ المنفصلة فلكل خليج من خلجان المنتزه شاطئ خاص أهمها عايدة وكليوباترا وسميراميس وفنيسيا بالاضافة الى الشاطئ الخاص بفندق فلسطين· وقد شيد هذا الفندق داخل حدائق المنتزه من اجل استقبال الملوك والرؤساء العرب الذين حضروا مؤتمر القمة العربية الاول بالاسكندرية من 5 الى 11 سبتمبر عام ،1964 ويعتبر فندق فلسطين بشاطئه الخاص من اهم المعالم السياحية بمدينة الاسكندرية·
وخلف هذه الشواطئ حدائق غناء بها غابات واشجار نادرة واحواض للزهور والنباتات فضلا عن مرافق موزعة بدقة وسط هذه الحدائق والغابات مثل الملاعب وحديقة الاطفال ومسرح صيفي ومركز للرياضات البحرية·
واذاكانت بعض افلام لمشاهير النجوم قد استغلت البانوراما الخضراء لقصر المنتزه وشواطئه لتصوير بعض احداثها فان بوسع الجمهور ان يتجول داخل حدائق قصر المننتزه لقاء رسم دخول زهيد·
المصدر: القاهرة