من الأمور التي يمكن تعلمها في إدارة المهام والأعمال والمؤسسات الإخبارية سرعة القرار والحل السريع للعاجل من المشكلات سواء مع الزملاء العاملين أو مع مصادر المعلومات أو البيئة المحيطة.
ويترتب على ذلك ممارسة الكثير من الذكاء بدون المس بـ»الرسالة» الإعلامية أو القيمة الأصلية للمحتوى الإخباري. فإذا كان المسؤول الإعلامي يتطلع دوما إلى أكبر تأثير إيجابي لمادة خبرية ما، فإن ذلك يتطلب منه توجيها وذكاء بما يُجنب تحوّل هذه المادة إلى عنصر خلافي مؤذ للمصلحة العامة والبيئة المحيطة، كأن تتحول في غفلة عن المؤسسة الإخبارية إلى مثير للفتنة أو مؤجج لها.
بعض وسائل الإعلام عندنا لا تتردد في استخدام الأخبار بهدف التأليب على الخصم أو ممارسة حرب نفسية عليه. أي أن المسؤول الإعلامي المكلف أو القائم على تنفيذ هذه المهمة يجب أن يخطط لتنفيذ ذلك عن قصد وسابق تعمد. بل حتى لا يكون الفشل من نصيبه هو فإنه قد يمارس أعتى درجات الحيلة والذكاء ليؤجج الفتنة ويحدث أكبر ضرر في الخصم. وإذا نجح في ذلك قد يعتبر أنه نجح مهنياً، وقد يكافأ من قبل مصدر التكليف.
ومن الأمور التي يمكن تعلمها والتدرب عليها أيضاً الأهمية البالغة لمواكبة الحدث، إنما مع التميز في التغطية، وإلا تحول كل هذا العمل إلى هدر للإمكانات والجهد والوقت. إن المواكبة لم تعد تعني فقط أن تغطي المؤسسة الإخبارية الحدث كما هو وبأقصى سرعة، وإلا لن تستطيع أي مؤسسة إخبارية منافسة وسائط التواصل الاجتماعي، مهما كان حضورها قوياً عبر هذه الوسائط.
حتى الفضائيات الإخبارية، التي لا تزال أقوى الوسائل الإعلامية في العالم من حيث إيصال الأخبار إلى الجمهور، ستكون مهددة في حال لم تعوض الهوة في الوقت مع وسائل التواصل الاجتماعي، سواء من حيث المحتوى المصور أو البيانات التي تهم الجمهور. إذن فكيف الحال بالنسبة للصحف؟
سألت زملاء في صحف عربية عن الأهمية «الخبرية» لصحفهم، وقد كان الجواب دائما ملتبساً أو تلك الكليشيه المكررة عن الجانب التحليلي للخبر. هذا لا يقلل أبدا من قيمة جهودهم وربما تميزهم كمهنيين، ولكنه وجه من أوجه أزمة صناعة الأخبار على المستوى العالمي، وبشكل خاص بالنسبة للصحف العربية، خاصة تلك التي ترفض التطور أو تخافه بل تخاف حتى الحديث في شأنه. مثل هذه الذهنية تخاف على مصيرها هي أكثر من مصير المهنة، ولهذا لا يمكن لتفكيرها أن يكون موضوعياً ولا مجدياً إذا لم تتجرأ على مواجهة التحديات وتعصر تفكيرها قليلاً للبحث في اجتراح الحلول. وحتى تنجح في ذلك مطلوب منها أهم مقومات العمل القيادي في الإعلام: «الحدس والإحساس الصحيح بالحدث» والمستقبل قبيل وقوعه، وهذا نوع من القدرة على استشراف الآتي بدون معطيات موضوعية.
يعتقد البعض أن هذه المّلكة نوع من الهبة. وبغض النظر عن صحة ذلك، أنا أعتقد أن هذه الملكة يجب أن تتوفر في كل قيادي في المؤسسات الإعلامية، لكني أرجح أنها تنتج عن انغماس مستمر في مناخ الشيء بشكل يؤدي إلى التمكن تدريجيا من استنباط بعض القواعد التي تحكم مساره وتطوره، مناخ من الاعتياد على التفكير واستجماع مستمر للعناصر ذات الصلة ومعايشة الجو والمناخ وبعدها. إنه الشغف الذي بدونه لا قيادة ولا تطور ولا ابتكار.
barragdr@hotmail.com