21 أكتوبر 2012
تنتمي الروائية هيلاري مانتيل الحائزة جائزة «المان بوكر» للرواية الثلاثاء الماضي عن روايتها «ارفع الجثث» إلى جيل مهم من الكتاب البريطانيين المعاصرين، من أمثال «مارتن أميس» و»جوليان بارنيس» و»إيان ماكوين»، غير أن أعمالها ظلت غير معروفة كثيراً خارج بريطانيا لفترة من الوقت، ولم تلاق الشهرة على نطاق أوسع إلا في سنة 2009 لدى فوزها بجائزة بوكر للمرة الأولى.
ويعزي النقاد ذلك إلى عدد من الأسباب، منها ما يتعلق بظروفها الصحية، أو ما يتعلق بسعيها الجاد إلى تطوير موهبتها الإبداعية على نحو يمكن ملاحظته في رواية «ارفع الجثث»، كما يمكن رصده في تصنيف أعمالها، التي يرى الكثيرون أنها تندرج ما بين رواية التشويق والإثارة والكوميديا السوداء والواقعية التاريخية، مثلما تبدو في «قصر الذئب» و»ارفع الجثث»، والأخيرة يعتبرها البعض الأكثر تطوراً.
إلا أن من أهم ما يميز روايات مانتيل هو قدرتها على التحكم في عناصر مهمة كالزمان والمكان اللذين تحركهما على نحو يخدم أغراضها التاريخية والنفسية، دون إرباك لتقنياتها الروائية الإبداعية أو مهارتها اللغوية العالية.
ومما قاله رئيس لجنة التحكيم «بيتر ستوتهارد» أن رواية «ارفع الجثث» جددت قواعد كتابة الرواية التاريخية، ملمحاً إلى وصفها الحيوي للأجواء السياسية والنفسية المحيطة بشخوصها في تلك الحقبة الزمنية، على نحو يجسد الخلفية التاريخية والأخلاقية لإنجلترا المعاصرة.
الرواية
في «ارفع الجثث»، تواصل المؤلفة رصدها للتاريخ الدامي الذي شهدته إنجلترا في القرن السادس عشر، وفي هذه المرة، النهاية الرهيبة التي تؤول إليها «آن بولين» إحدى زوجات الملك هنري الثامن، ويبرز فيها دور مستشاره توماس كرومويل كعنصر رئيسي للمؤامرة وموت المشاعر الإنسانية، إلى حد يحمله على تفسير سلوك وحشي مثل تكديس جثث القتلى بأنه عمل إنسان عادي.
وتبدأ أحداث الرواية في خريف عام 1535، في القصر حيث الملك يستبد به الغضب والسؤم من زوجته آن بولين، التي تعجز عن إنجاب وريث للعرش بعدما وثق بوعدها القيام بذلك. وفي هذه الأثناء يلجأ إلى كرومويل، رجل المهام الصعبة الذي تولى مهمة تخليصه من زوجته السابقة الأميرة الإسبانية كاترين أرملة شقيقه، للخروج به من هذا المأزق. وعندها يقبل هذا الأخير على مواجهة تلك الأزمة الجديدة بكل ما يمتلك من دهاء، وعلى نحو يضمن له الحفاظ على مركزه الوظيفي وإرضاء أهواء الملك. هنا يأتي أيضاً دور مانتيل التي تجيد اللعب بهذه الورقة الرابحة في الأجزاء الثلاثة من عملها الروائي الكامل الذي يلخص سيرة حياة هذه الشخصية الوضيعة.
وبينما يكون كروميل في البداية قد نجح في توثيق علاقة الملك بآن بولين، المرأة شديدة الإغواء، وصيفة كاترين، التي رفض مارتن لوثر البروتستانتي زواجه بها وهي حامل في شهرها السادس. كما نجح في مساعدته على الانشقاق عن الفاتيكان الذي رفض طلاقه من كاترين، لكي يؤسس لنفسه الكنيسة الأنجليكانية التي نصب نفسه رئيساً عليها، ثم يواجه قرار العزل الذي فرضته أوروبا على بلاده، والعداء الذي باتت تبادله إياه الكنيسة الكاثوليكية بكبرياء، تكون حاجة الملك إلى دهائه في ازدياد. ولعل ذلك هو ما تبحث عنه المؤلفة وهو مواصلة التأمل في حياة تلك الشخصيات، ومنها التي ماتزال تطفو على السطح في حياة المجتمع البريطاني اليومية المعاصرة. شخصيات تميل نحو الانحدار الأخلاقي والنفسي، تنجح في التسلل إلى السلطة ودوائر صناعة القرار، منذ أن تلمح اللحظة المواتية، ثم إلى استخدامها، وإساءة هذا الاستخدام لكي يصل بها الطموح إلى مصير مختلف، وبدلاً من أن يكون الفصل من الوظيفة هو نهاية طموحها، يصبح الموت هو مصيرها كما هو الحال مع هذه الشخصية. إن مهمة كرومويل لاتنتهي في قصر الذئب بإقصاء كاترين فقط وإنما بإعدام أحد ألد خصوم الملك هنري السياسيين «توماس مور».
أما في «ارفع الجثث» فتبدأ بالتآمر على آن بولين الفاشلة في تحقيق حلم الملك هنري، المعروف عنها الدهاء والغيرة. وعلى الرغم مما يشاع عنها من تسميم كاترين وقتلها لكي تجهض مولودها الذكر يوم جنازتها، ومن سخريتها من الملك، ولهوها مع الشبان وإقامتها علاقات محرمة، إلا أن أحداً لم يتمكن من مساعدة الملك في التخلص من هذه الشخصية. وحده مستشاره الخاص كرومويل الذي اعتاد على الدسائس وتلفيق تهم كالخيانة العظمى، التي من أجلها اقتيدت آن بولين إلى برج لندن لكي يفصل رأسها عن جسدها، هو القادر على ذلك، بعد إثباته ضلوعها في مؤامرة لاغتيال الملك هنري الثامن.
الكاتبة
مانتيل درست القانون وعملت في إحدى المؤسسات الاجتماعية لفترة من الوقت. تنقلت مع زوجها للعيش في بوتسوانا والمملكة العربية السعودية، ثم عادت إلى بريطانيا عام 1980. نشر لها العديد من الأعمال الروائية.
يشار إلى أن رواية «ارفع الحثث» للروائية البريطانية هيلاري مانتيل مواليد عام 1952 صدرت عن دار»فورث استيت» في شهر مايو من العام الحالي وتقع في 411 صفحة من القطع الكبير، هي الجزء الثاني من ثلاثية سيرة حياة «توماس كرومويل» مستشار الملك هنري الثامن، التي يحمل الجزء الأول منها عنوان «قصر الذئب» الحاصلة على جائزة مان بوكر لعام 2009. وعقب الإعلان عن فوزها أوضحت المؤلفة التي أعربت عن غبطتها بأن تأتيها جائزتان دفعة واحدة بعد انتظار دام عشرين عاماً، أنها ستعكف على إتمام الجزء الثالث من السلسلة الروائية التي تحمل عنوان «المرآة والضوء» والتي تستكمل سيرة صعود وهبوط كرومويل.
كما أن مانتيل، وبعد حصولها على الجائزة تصبح أول امرأة بريطانية، وأول كتاب بلادها الأحياء الحاصلين على جائزة بوكر للرواية مرتين. وتعد الثالثة في تاريخ الجائزة في الفوز بها للمرة الثانية بعد الجنوب افريقي «ج .أم. كوتزي» والأسترالي «بيتر كاري»، إضافة إلى كونها المرة الأولى التي تمنح فيها الجائزة لجزءين من نفس العمل الروائي.
المصدر: دبي