1 نوفمبر 2011 14:56
أحمد النجار أحد المربين الذين شاركوا في تعليم أبناء رأس الخيمة قبل قيام الاتحاد، حيث عمل في سلك التعليم في ستينيات القرن الماضي في إمارة رأس الخيمة، وعاصر تطور التعليم فيها، واهتمام شيوخها بنشره، وصولا إلى عهد الاتحاد الذي أحدث قفزة نوعية وكمية في التعليم وطرقه ومدارسه وأعداد الطلبة والمعلمين.
في العام الدراسي 1964-1965 عمل المربي أحمد النجار معلما في منطقة الحويلات التابعة لإمارة رأس الخيمة، وكانت المنطقة تبعد عن المدينة 9 ساعات بواسطة السيارة، وقد اشتغل النجار معلما ومديرا وفراشا في المدرسة، حيث لم يكن معه أحد ليعلم الطلبة، وقد طلب منه حاكم الإمارة وقتها الشيخ صقر بن محمد القاسمي رحمه الله، أن ينتقل المعلم مع الطلبة إلى مقر الضيافة، وقبل أن يأتي كان يعلم أنه سيسافر من منطقة تعج بالمياه والأشجار ومن بساتين البرتقال وحقول الزيتون، إلى منطقة لا تزال تعيش في حالة من الأمية، وقد وجد نفسه في منطقة جبلية قاسية يدير فيها مدرسة تضم 23 طالبا من مناطق قريبة مثل النصلة ورافاق والمنيعي والفشغاء.
وعي بالأحداث
يقول النجار إنه عاش على أرض الإمارات منذ 47 عاما، وقد كان المواطن الإماراتي رغم أمية القراءة والكتابة واعيا لما يدور حوله، وقد كانت القومية العربية الموضوع الرئيس في حياة المواطن الكبير والصغير، مشيرا إلى أن أول راتب حصل عليه كان لا يتجاوز ثلاثمائة درهم، كان يتسلمها من الحاكم، وقد أمر الشيخ صقر أن يتم افتتاح مدرسة أخرى أطلق عليها اسم “المحمدية” في بخا عام 1986، وعمل فيها النجار أيضا، لكن قبل ذلك انتقل النجار للعمل في العام الدراسي 1965 – 1966 في مدرسة أحمد ابن ماجد في منطقة شعم، وقد وجد صعوبة كبيرة في التأقلم حيث كان الماء من البئر والكهرباء عبارة عن الفنر أو السراج، حتى الطعام لم يكن قد اعتاد عليه، ولذلك كان يلجأ لصيد السمك في الغالب ويصنع لنفسه الخبز.
يقول النجار إن فجر التعليم النظامي بزغ في الإمارة في الخمسينيات من القرن الماضي، بعد أن شيدت بريطانيا المدرسة الصناعية، وأتبعتها بالزراعية لتستقطب بعض الطلاب لدراسة مهارات فنية لها علاقة مباشرة بسوق العمل، أما التعليم العام فمما لا شك فيه أن أبناء المنطقة كانوا شغوفين بالتعليم، إلا أن ظروف الحياة الصعبة حالت دون استفادة الجميع من التعليم، حيث ظهرت محاولات عدة من المخلصين من أبناء البلد لإنشاء دور للتعليم ومدارس غير نظامية منذ بداية القرن العشرين، واقتصرت مناهجها على تدريس بعض المهارات المتعلقة بالقراءة والكتابة والحساب وتعليم القرآن والسنة وبعض جوانب الفقه.
أول مدرسة
أنشئت أول مدرسة في الثلاثينيات من القرن الماضي، وتم اختيار منزل الحاكم ليكون مقرا للمدرسة في مدينة رأس الخيمة، وقدر عدد الطلاب بنحو سبعين طالبا، وكان المنهج يركز على الفقه والنحو والصرف ومبادئ الحساب والأناشيد الدينية، إلى جانب تعليم القراءة والكتابة. ويقول النجار إن مسيرة التعليم قبل الاتحاد شهدت فتح مجموعة من المدارس، حيث تأسست مدرسة الهداية في مدينة رأس الخيمة في عام 1953 في منزل الشيخ محمد بن سالم القاسمي، وكان موقعها بالقرب من سوق السمك الحالي.
ويضيف “في عهد الشيخ صقر بن محمد القاسمي رحمة الله عليه، تحملت الحكومة جميع تكاليف الدراسة، وتم تدريس الطلاب النحو والفقه وعلوم الدين ومبادئ اللغة الإنجليزية ومبادئ الحساب، واستمرت الدراسة في مدرسة الهداية حتى عام 1955، لتحل محلها مدرسة القاسمية بموقع قريب من الحصن، وانتقل جميع الطلبة الذكور إلى مدرسة القاسمية”.
ومع افتتاح مدرسة القاسمية بدأت حقبة جديدة من التعليم النظامي، والمناهج كانت معتمدة من جهة رسمية، وكان للكويت ومصر وقطر دور بارز في مسيرة التعليم النظامي في إمارة رأس الخيمة، وقد أرسلت دولة الكويت أول بعثة لها في عام 1954، فيما أرسلت مصر أول بعثة لها في عام 1958، أما قطر فأرسلتها عام 1959. وتم افتتاح مدرسة للبنات سميت بمدرسة “القاسمية” للبنات أو مدرسة خولة الابتدائية، مع وصول مدرسات مع البعثتين الكويتية والمصرية.
خمسة صفوف
يعود النجار للحديث عن مرحلة الانتقال لمنطقة شعم، قائلا إن المدرسة كانت عبارة عن خمسة صفوف، وكان أحدها مخصصا لسكن المعلمين، في هذه المرحلة بدأ النجار، الذي قضى سنوات بعيدا عن الأهل يشتاق لتكوين أسرة والإقامة في سكن خاص، فتحدث لأحد المسؤولين في منطقة شعم ليخبره أنه يرغب في الزواج ويخطط لبناء مسكن خاص به.
فقام بالاتصال مباشرة بالحاكم وأخبره عن رغبته، وقد جاءه الرد بأن يختار أي منطقة في شعم ليقيم عليها مسكنه، ولكن بناء المسكن تطلب الكثير من الجهد حيث عمل المعلم على بناء مسكنه بنفسه بالتعاون مع بعض البحارة من دولة مجاورة، وقد تعجب السكان من بناء حمام داخل المسكن، حيث يتعارض ذلك مع النظافة والطهارة، ولكن المعلم أخبرهم أنه يبنى بطريقة جديدة بعيدة عن النجاسة.
ويؤكد النجار أن كل ذلك تبدل بشكل سريع بقيام الاتحاد، حيث أصبح المواطن يبحث عن أفضل الأدوات والأجهزة التي توفر له العيش في رغد واستقرار، كما انتشر الخير ليعم السكان القاطنين الذين جاؤوا من دول بعيدة بحثا عن الرخاء، وأصبحت مدارس الدولة تستوعب كل الجنسيات وتوفر لهم أرقى معايير التعليم وأفضل المناهج، ورغم أن التعليم النظامي كان في البداية متمركزا في مدينة رأس الخيمة وكان مقتصرا على الذكور، إلا أن المناطق التابعة للإمارة كانت متعطشة لتعليم أبنائها، ولذلك كان الأهالي في المناطق البعيدة يستعيضون عن ذلك بتعليم المطوع أو المطوعة، وكان هذا النوع من التعليم يركز بشكل أساسي على القراءة والكتابة وتعليم القرآن الكريم والسنة النبوية، وفي بعض الأحيان يكون هناك اهتمام بالحساب.
التعليم ما بعد الاتحاد
يقول المعلم أحمد النجار، الذي عاصر التعليم في فترة ما قبل الاتحاد، إنه مع قيام اتحاد دولة الإمارات العربية المتحدة، وانضمام إمارة رأس الخيمة إليه أصبح التعليم جزءا من اختصاصات الدولة، حيث تولى الاتحاد إدارة التعليم بهدف نشره في جميع مناطق الإمارة من ريف وحضر، وشمل كلا من الذكور والإناث دون تمييز، وأنشأت المدارس متضمنة جميع مراحل التعليم العام، وتحملت الدولة نفقات التعليم. كما أولت الدولة اهتماما بالغا للتعليم العالي حيث أسست جامعة الإمارات العربية المتحدة وجامعة زايد وكليات التقنية العليا، لتتيح للمواطنين فرصة التعليم العالي إضافة إلى البعثات الخارجية، وأصبح هذا النوع من التعليم أيسر عن قبل، وشجعت الدولة التعليم الخاص وبشكل كبير ليخدم شريحة كبيرة من المواطنين والمقيمين، ولذلك يعد الاتحاد المحور الرئيس في نشر التعليم والرفاهية والحياة الكريمة”.
المصدر: رأس الخيمة