17 مارس 2009 02:45
فاز المستعرب الإسباني بيدرو مارتينيث مونتابيث بلقب شخصية العام الثقافية التي منحتها له جائزة الشيخ زايد للكتاب، تكريماً ''لدوره الرائد في بناء جسور التواصل بين الثقافتين العربية والإسبانية، وجمع المستعربين الأسبان والمستعربين في أميركا اللاتينية بالمتخصصين العرب في اللغة والثقافة الإسبانية''، بحسب ما أعلن راشد العريمي الأمين العام للجائزة·
مونتابيث من مواليد عام 1933 في بلدة شوذر من قضاء جيان الأندلسي في إسبانيا، يعمل أستاذاً بجامعتي غرناطة واليكانتي، وقد شغل العديد من المناصب الأكاديمية، وترأس جمعية الصداقة الإسبانية العربية والجمعية الإسبانية للدراسات العربية، ومنح العديد من الجوائز والأوسمة، وحاز جائزة التضامن مع العالم العربي من جمعية الصحفيين العرب في إسبانيا، وحاصل على درجة الدكتوراه بالفلسفة والأدب (اللغات السامية) من جامعة كومبلوتنسي بمدريد، إضافة إلى ثلاث درجات دكتوراه فخرية من جامعة جيان وجامعة اليكانتي وجامعة غرناطة· هنا إضاءة على مسيرة مونتابيث العلمية والثقافية·
يعتبر المستشرق الإسباني بدرو مارتينيث مونتابيث شخصية متميزة وثرية بكل المقاييس، فهو من أهم الشخصيات التي انتمت إلى تيار الاستشراق أو الاستعراب الإسباني منذ أن بدأ هذا العلم على يدي ''أسين بلاثيوس'' و''اميليو جارثيا جومث'' قبل قرن من الزمان، وإذا كانا الاثنان قد وضعا اللبنة الأولى للدراسات العربية في إسبانيا قبل قرن من الزمان، فإن البروفيسور بدرو مارتينيث مونتابيث نقل هذه الدراسات من حقل الدراسات الأندلسية والتاريخية التي تحاول البحث في الحقبة العربية الإسلامية بالأندلس الذي انغلقت فيه منذ نشأتها وحتى السبعينيات من القرن العشرين، فقد أخذ على عاتقه مهمة افتتاح أول قسم لدراسة اللغة العربية وآدابها المعاصرة مستغلاً معرفته الكبيرة بالأدب العربي المعاصر منذ وصوله إلى مصر عام 1957 والتي عاش فيها حتى عام 1962 للانتهاء من رسالته للدكتوراه، وإدارة أول مركز ثقافي إسباني في القاهرة، لذلك يعتبر بحق ''مؤسس الاستشراق الإسباني المعاصر''·
بل قام بتأسيس أول قسم للغة الإسبانية وآدابها في جامعة عربية بمدرسة الألسن العليا (جامعة عين شمس)، فكان بحق أستاذاً لأجيال عدة من العاملين في مجالي الاستشراق الإسباني و''الأسبنة'' (أي الدارسين العرب للغة والآداب الإسبانية) فلا يوجد مستشرق إسباني مهتم بالآداب العربية المعاصرة أو دارس عربي للغة والآداب الإسبانية المعاصرة لم يدرس على يديه أو يمكنه أن يتجاهل وجوده أو مؤلفاته التي شملت جميع مناحي الفكر المعاصر·
لعب البروفيسور بدرو مارتينيث مونتابيث ولا يزال دوراً بارزاً في التعريف بالقضايا العربية والإسلامية، ويعد من أهم مناصري تلك القضايا وعلى رأسها قضية العرب الأولى ''القضية الفلسطينية''، ولا يمكن أن يمر حدث من الأحداث الجسيمة التي يشهدها عالمنا المعاصر إلا وكان له رأي أو مقال أو دراسة يحاول من خلالها توضيح مواقف كثيراً ما يعجز العرب أنفسهم عن توضيحها رغم كل السفارات العربية المفتوحة في العاصمة الإسبانية، وازداد نشاطه كثافة في هذا المجال ـ المجال الإعلامي ـ منذ أحداث الحادي عشر من سبتمبر ·2001
للبروفيسور مونتابيث أكثر من ثلاثين مؤلفاً ومئات المشاركات والأبحاث ما بين مقالة وترجمة ودراسة منشورة في دوريات متخصصة، وهي أعمال فارقة في نطاق الاستعراب الإسباني والدولي، منها مؤلَّفه الشهير ''مدخل إلى الأدب العربي الحديث'' (1974)، و''سبعة قصاصين مصريين معاصرين'' (1965)، و''استطلاعات في الأدب العربي الحديث'' (1977)، و''كتابات عن الأدب الفلسطيني'' (1982)، و''الأدب العربي اليوم'' (1992)·
ورغم أن البروفيسور مونتابيث كان أول من ترجم الكاتب والروائي المصري نجيب محفوظ إلى اللغة الإسبانية بنشر إحدى قصصه في إحدى المجلات الإسبانية عام ،1957 إلا أنه ركز اهتمامه على الشعر العربي الحديث، فقرأه ودرسه وحققه وترجمه، فقد ترجم لصلاح عبد الصبور وأمل دنقل ونزار قباني والبياتي من بين آخرين؛ واحتفى، على وجه العموم، بالشعر الفلسطيني· ونذكر هنا بعض مؤلفاته وترجماته في هذا الاتجاه: ''الشعر العربي المعاصر'' (1958)، ''قصائد الحب عند نزار قباني'' (1975)، ''شعراء المقاومة الفلسطينيون'' (1969)، ''من شعراء الواقعية العرب'' (1970)، ''فلسطين هي القصيدة فلسطين في الشعر العربي الراهن'' (1985)، ''شعر المشرق العربي الكلاسيكي'' (1988)، ''باقة من الشعر العربي'' (1995)·
تضاف إلى هذه كتب مهمة مثل: ''ثلاث مدن إسبانية في شعر عبد الوهاب البياتي'' (1974)، ''أغان عربية جديدة لغرناطة'' (1979)، ''الأندلس، إسبانيا، في الأدب العربي المعاصر'' (1992)·
وللبروفيسور بدرو مارتينيث مونتابيث مواقف وآراء مهمة حول الأحداث المعاصرة التي تجري من حولنا وكثيراً ما يشارك في الفعاليات العربية التي تطلب مشاركته فيها·
رحلة مع الأدب
وقد عرفت البروفيسور بدرو مارتينيث مونتابيث منذ الأيام الأولى لوجودي في إسبانيا الذي بدأ عام 1977 وكثيراً ما كنا نلتقي بحكم التقارب في الاهتمام، أو لسماع رأيه في العديد من القضايا وتبادل وجهات النظر، وهو كثيراً ما يردد أن رحلته الأولى إلى مصر عام 1957 كانت عاملاً حاسماً في تغيير توجهاته في الدراسة، فبعد أن تخرج في جامعة مدريد المركزية (كومبلوتنسي) بعد دراسته في قسم اللغات السامية حيث درس اللغتين العربية والعبرية وتخصص في اللغة العربية، ودرس أيضاً في قسم التاريخ، تقدم لإعداد رسالة الماجستير عن أمير الشعراء أحمد شوقي وكانت هذه أول رسالة في جامعة إسبانية تقدم في موضوع في الأدب العربي الحديث، لكنه أعد أطروحتيه للدكتوراه حول ''تقلبات أسعار القمح في مصر في العصر المملوكي''·
ويقول إن اختيار موضوع الدكتوراه جاء بناء على نصيحة أستاذ متخصص في التاريخ الاقتصادي وطلب منه أن يتناول موضوعاً يتعلق بأحد أوجه التاريخ الاقتصادي خلال العصور الوسطى، ورأى أن موضوع ''الأسعار والاضطرابات الاجتماعية في مصر خلال العصر المملوكي'' تعتبر نهاية لمرحلة العصور الوسطى، إلا أنه بعد الحصول على الدكتوراه ترك مجال هذه الدراسات التاريخية الاقتصادية ليتجه للأدب العربي، وساعده على ذلك إقامته في مصر التي عرف خلالها العديد من الأسماء اللامعة وارتبط معهم بعلاقات صداقة حميمة·
ثم امتدت هذه العلاقة بالأدب العربي لتربطه الحياة بعدد من وجوه الأدب العربي المعاصر الذين تصادف انتقالهم للحياة في إسبانيا كالشاعر نزار قباني الذي عمل لفترة طويلة في السفارة السورية بمدريد والتي كانت قريبة من مسكن البروفيسور مونتابيث نفسه بوسط العاصمة الإسبانية·
وكذلك الشاعر العراقي الكبير عبد الوهاب البياتي الذي أقام في إسبانيا لفترة تزيد على العشر سنوات، إضافة إلى الزيارات الكثيرة التي كان يقوم بها الشاعر الفلسطيني محمود درويش الذي كان مونتابيث أول من قدمه إلى الجمهور الإسباني، ليفتح أمامه الباب واسعاً ليقوم مستشرقون إسبان آخرون بترجمته·
وأيضاً له علاقة حميمة بالشاعر السوري الكبير ''أدونيس'' وله مقالات عدة تتناول أعماله وإن كان يرى البروفيسور مونتابيث في أدونيس مفكراً أكثر منه شاعراً، ويثمن دوره في هذا المجال فيقول: ''أحرص على قراءة مقال أدونيس الأسبوعي في جريدة (الحياة) فهو يعلمني دائماً، وأحبه مفكراً أكثر منه شاعراً''·
عودة إلى السياسة والفكر
إلا أن البروفيسور بدرو مارتينيث مونتابيث بدأ قبل عشرين سنة تقريباً يركز على القضايا الاجتماعية والسياسية والفكرية، تاركاً الجوانب الأدبية العربية لتلاميذه من الأجيال التالية من المستشرقين· وأصبح يكتب ويبدي آراء في الأحداث السياسية والاجتماعية التي تجري في المنطقة العربية، وإن كان يركز أكثر على الفكر بجميع أنواعه وامتداداته، الفكر السياسي والفلسفي والديني، لأنه يرى أن: ''العالم أصبح لغزاً لا يفهم·· يحمل تناقضاً كبيراً لم أكن أتصور أن تتوالى كل هذه التطورات بهذا الشكل السريع·· والضحايا يتكاثرون من دقيقة إلى أخرى، والسؤال هو أين نهاية هذا الجنون الذي لا هدف له وكيف سيكون المستقبل القريب؟ لقد دخلنا في نفق مظلم لا نهاية له، ولو كنا نعرف نهايته لكان هناك أمل! لكننا لا نعرف، ومع ذلك ليس أمامنا سوى أن نمضي·· ونكافح لنجد باباً نهرب منه·· نكتشف مخرجاً لا يكون وهماً أو خيالاً أو يعارض المعايير المنطقية والتعايشية بيننا، وأنا لا أريد أن يكون هذا المخرج روحياً فقط، بل أريده مادياً ألمسه في حياتي اليومية''·
لكنه يؤمن بأن السلاح الوحيد الذي يمكن أن يساعدنا على الخروج من هذا النفق المظلم الذي جرتنا إليه سياسات عمياء هو الثقافة: ''أنا على يقين من أن الثقافة هي السلاح الأهم لكي نجتاز هذه الأزمة الكارثية ونضع حداً لهذا الموت، ونوقف السقوط الشامل· وأتصور أننا لا نستطيع أن نعيش دون تقارب الثقافات واندماجها''·
ويرى أن الثقافة الحقيقية لا تتطور بغير الإطلال على الثقافات الأخرى، ومعنى عدم اندماجها مع غيرها أنها ليست ثقافة، لذلك يطالب العرب والمثقفين على وجه الخصوص بالعمل في هذا الاتجاه لأن الثقافة العربية لا يمكن أن تعيش خارج الثقافة العالمية·
ومن هذا المنطلق نشر مؤخراً كتابه: ''العالم العربي والعبور من قرن إلى قرن'' وفيه جمع كل ما كتب خلال السنوات العشر الأخيرة عن تطور العالم العربي منذ حرب الخليج الثانية، وحتى بداية دخول القرن الواحد والعشرين· وقد تناول في هذه المقالات أزمة العالم العربي المعاصر وإمكانيات الخروج من هذه الأزمة الشديدة، ويقول: ''أنا بصراحة قلق على مستقبل عالمكم وعلى ما يقع فيه وأتساءل: هل يمكن أن نجد مخرجاً من هذه الأزمة الخانقة المستمرة التي لا أرى لها نهاية''·
ومن خلال متابعته لما يجري في المنطقة العربية لا يرى البروفيسور مونتابيث مخرجاً للعرب من مأزقهم الحالي سوى بالعودة إلى النفس وممارسة ''النقد الذاتي'' ويتساءل: ''لماذا لم يستخدم العرب النقد الذاتي؟ ولماذا لا يزال العرب مشغولين بأنفسهم حتى الآن؟ وكثيراً ما أفكر في سبب غياب النقد الذاتي وهل يعود هذا الغياب إلى طبيعة المجتمع العربي أم إلى الثقافة العربية أم لأسباب أخرى؟ وهل تقبل الأنظمة العربية الموجودة الآن حضور الحريات؟ وهل تتيح فعلاً حرية التعبير؟ هل هي مسؤولية الأنظمة العربية أم المجتمع نفسه؟''·
وينهي البروفيسور مونتابيث تساؤلاته بالقول: ''لديكم مفكرون كبار يمكنهم السير في اتجاه الخروج من الأزمة الحالية التي يمر بها المجتمع العربي''· لكنه يرى أن المشكلة تكمن ـ في رأيه ـ في أن المفكرين العرب يطلون على العالم العربي من الخارج أكثر مما يرونه من داخله، وظاهرة الاغتراب تتبدى في كل ما كتبه العديد منهم·
نتقاسم الأندلس مــــــــــع العرب كماض وميراث مستمر
الحضور العربي والإسلامــــــــــــــــــــــي في الرواية الإسبانية المعاصرة
بدرو مارتينيث مونتابث
ترجمة: طلعت شاهين
تمكنت ''لوثي لوبث ـ بارلت'' من تتبع أثر الإسلام في الأدب الإسباني من خلال تحليل ''تفرد غربية إسبانيا''· لذلك في رأينا أنه من العبث نفي هذا الواقع الموضوعي، لأن الجمعي يعتبر علامة على الثراء والخصوبة·
الموضوعات والعناصر العربية لا تزال تجد حضورها الواضح سواء على مستوى الكم أو الكيف، خلال فترة ازدهار مجموع الأدب الإسباني، أي خلال فترة القرنين السادس عشر والسابع عشر التي تعتبر فترة الكلاسيكية الحقيقية في أدبنا، فإن بعض تلك الأشياء تشكل لب وفحوى التعبير الأدبي: مثالها الشكل المعروف باسم ''الرواية الموريسكية''، النابع والناتج عن السياق المأساوي للفترة التي كانت تعني النهاية الرسمية للإسلام الإسباني: سقوط غرناطة·
وفي الواقع، فإن أعمال كبار الكتاب الإسبان في العصر الذهبي، تلمس بطريقة ما الموضوع العربي، تستدعيه وتعكسه· ولا يمكن نسيان المثال الأكثر خصوصية في هذا المجال: ''ميغيل دي ثربانتيس سابدرا''، الذي يعتبر أكبر الكتاب الإسبان في كل العصور، والذي يعكس بشكل مثالي ذلك العنصر العربي الإسلامي في أعماله وحياته·
يمكن أيضاً تبين تلك الظاهرة نفسها خلال فترات تالية· شهدت فترات الرومانسية والحداثية كما حدث في مجموع النتاج الأدبي الأوروبي تزايداً في التوجه نحو البحث عن طريق للهروب إلى مناطق للغرابة، فوجدت نفسها في ''استشراق'' شره لا يشعر بأي نوع من التناقض في مزج الاكتشاف الجمالي الإيجابي والفعل السياسي الاستعماري السلبي، والأسماء التي يمكن ذكرها هنا أو الإشارة إليها كثيرة جداً، ويكفي أن نذكر بعضها لأسباب متعددة، ومهمة، علينا أن نتذكر الإضافات الاستشراقية لكُتّاب الحداثية في أميركا اللاتينية، الذين يبرز منهم ''اميليو غوميث كاريو''، ومن بين الكتاب الإسبان الغرناطي الشهير ''اسحاق مونيوث''، الذي تم الكشف مؤخراً عن كتاباته الروائية من جديد بعد أن كان منسياً تماماً·
بعض هذا الاهتمام بالعالم العربي في الأدب الإسباني المعاصر وما بعد الحرب الأهلية أشرت إليه في دراسة لي نشرتها منذ عدة سنوات، وفي هذه الدراسة القصيرة والمتواضعة التي بين أيدينا الآن سأشير فيها إلى الأعمال الروائية الرئيسية التي ظهرت في إسبانيا خلال العقدين الأخيرين، كأمثلة مختارة من إنتاج ضخم جداً ومتعدد يجد في الموضوع العربي نقطة انطلاق، ويعتبره قاعدة للعمل والتعبير، وأنبه منذ البداية إلى أنني لن أشير أبداً إلى أعمال الكاتب الأكثر تشخيصاً وقيمة في هذا المجال: خوان غويتيسولو· لأسباب من بينها أن اسمه وأعماله معروفة بشكل جيد، ولأن إشارتي إلى أعمال أخرى ليست على هذا المستوى، ولكن بعضها لكتاب من الدرجة الأولى، وتمكن مقارنتهم في أعمالهم الكاملة بأعمال خوان غويتيسولو، ومن الممكن أن تكون بعض مظاهرها أكثر امتيازاً منه، لهذا فإن ذلك سوف يكون أكثر جدة للقارئ العربي·
النظر إلى الداخل
كررت كثيراً أنه من أجل النظر إلى العالم العربي وتمثله، فإن الإسباني غير مطالب بالنظر إلى الخارج، بل يكفيه أن ينظر إلى داخله، المساحة في جزء منها تبدأ من داخل أنفسنا، وهذا يُفردنا بين الشعوب الأوروبية الغربية الأخرى، أشير بالطبع إلى ''الواقع الأندلسي'' إنه إسباني عربي بروحه ومعناه، نتقاسمه مع العرب كماض وميراث مستمر، كذاكرة جمعية، وأيضاً تجب المحافظة عليه في أعلى درجاته، كمشروع ثقافي يتخطى الزمان والمكان، الأندلس انتهت كواقع تاريخي، لكنها تبقى كواقع رمزي وسبب لا يبارى للقاء والتأثير المتبادل، لأنها تمثل مجموعة علاقات يمكنها أن تربط بين جانبين، إنها أساس جدلي وتكاملي لا يقارن، رغم أننا فكرنا في هذه النقطة أقل ما تستحق، كعرب وإسبان كان يجب علينا أن نفعل أكثر من ذلك، خاصة أننا لم نفعل ذلك بالجدية والموضوعية المطلوبة·
أحد أكبر مشاهير الأدب المعاصر ''أنطونيو غالا'' له رواية معبرة من عدة أوجه: ''المخطوط القرمزي'' المستوحاة من شخصية آخر سلطان نصري ''أبو عبدالله الصغير''، الذي يسميه الإسبان ''بوعبدل'' حسب ميراثهم الدرامي الذي لا يقل عنه درامية نهاية مملكة غرناطة· كتب غالا في هذه الرواية مرثية أندلسية خالصة، روايته كانت بكاء وغناء للأندلس التي كان يمكن أن تكون ولم تكن، وعلى النسق نفسه إسبانيا التي كان يمكن أن تكون ولم تكن· الرواية مكتوبة بنثر جميل وسهل ومشع وأحياناً مثقل بالأوصاف الرائعة·
يرسم غالا في روايته مأساة رجل، يتعاطف معه بشكل شبه كامل، يتعاطف مع زمنه ومع مجتمعات أخوية ومتصارعة في الوقت نفسه، متقاربة ومتباعدة، في حالة تحول واندماج وانفصال في آن واحد، يبدع غالا عالماً قرمزياً بشكل حقيقي -أي في أعلى درجات احتدامه- ليس فقط بسبب العنوان، بل بسبب العاطفة المسكوبة في الرواية وتعصف بشخصياتها، بسبب أنهار الدماء التي تغذيها، والجراح المفتوحة التي تعتبر سبب بقائها·
في العام نفسه 1990 نُشرت في غرناطة رواية للكاتب ''كارلوس أسينخو سيدانو'' تعتبر أيضاً مرثية لشخصية تاريخية كان لها واقع مأساوي ''ابن أمية، ملك الأندلسيين''، كما يعبر العنوان، فإن المؤلف يستوحي عمله من المأساة الحياتية لأحد أحفاد الأمويين القرطبيين المتنصرين وكان معروفاً باسم السيد ''دون فرناندو دي فالور دي قرطبة'' (فرناندو شجاع قرطبة)، عاد بعد ذلك إلى اعتناق الإسلام بقرار ذاتي وقاد الموريسكيين المضطهدين المتمردين في ''البوخارا'' ضد الملك ''فيليبي الثاني''، فقامت حرب أهلية إسبانية كانت لها آثار عميقة· وكما قال مؤخراً أحد المتخصصين في هذا الموضوع، كانت حرباً مفجعة استمرت لعامين، مما دفع الملكية الإسبانية إلى أن تستخدم في تلك الحرب جيوشاً وقادة من أفضل ما تملك من عسكريين، وتسببت في حالة استنفار من الجانبين: الإسلامي والمسيحي· هذا الملك الأخير للأندلسيين ''ابن أمية'' مات غيلة على يد جماعة من أتباعه·
الكاتب ''فيليكس أثوا'' له قصة أعتقد أنها تستحق الاهتمام وجديدة ''منصورة'' (برشلونة 1983)، وكما يقول المؤلف نفسه الرواية رؤية حرة لنص فرنسي يعود إلى منتصف القرن الثالث عشر، من تأليف ''جين دي جوينفيل''، وتحكي مغامرة ومعاناة حملة صليبية قطالونية في الأراضي المقدسة، المشهد بالتالي هو تلك المواجهة بين الإسلام والمسيحية ليس في شبه الجزيرة الأيبيرية بل في المشرق، وهو ما يعتبر جديداً وغير معتاد في المشهد الروائي والثقافي الإسباني، كتاب أثوا يتفرد بأسلوبه وإعادة كتابة رواية تعود إلى القرون الوسطى، على مستوى المعجمي والموضوع يعتبر مثيراً، بلاشك أن الموضوع مطروح من خلال رؤية شخصيات مسيحية، لكن المظاهر السلبية والإيجابية في مجملها، في رأيي، تتكرر بطريقة عادلة، رواية أثوا لا تعكس يأساً قديماً، بل تعكس أيضاً -كما قال النقاد- يأساً معاصراً، يأس جيل المؤلف نفسه·
أعمال الكاتب الكبير ''فرانثيسكو اومبرال'' تعد من الأعمال الضخمة، ويشير فيها اومبرال بشكل متكرر هنا وهناك، إلى استدعاءات وإشارات تؤكد اهتمامه بما هو عربي، وأيضاً بما هو يهودي، وهو ما يؤكد أن همه الأساسي هو: إسبانيا وما هو إسباني· رواية مثل ''بريق أفريقيا'' (برشلونة 1989) دليل جيد على ذلك، المغامرة الاستعمارية الإسبانية البائسة في المغرب من خلال رؤية قشتالية تعتبر سياقاً مناسباً في تلك الرواية لتقصي تناقض الفطرة المعقدة للشعب الاسباني، الذي يسبح في مشاعر متناقضة، محاولاً العثور على تشكيل جدلي صعب جداً ومن المستحيل تحقيقه دائماً، أعمال اومبرال تكشف عن أستاذية في الكتابة النثرية، وأيضاً تكشف عن عمق التفكير الجمعي المرتبط بالشخصية الاسبانية التي توجد فيها بشكل بارز دائماً·
من المؤسف حقاً أن اومبرال كاتب لا يزال مجهولاً في البلاد العربية· تعصب إسبانيا المنتمية إلى الاتحاد الأوروبي، المطاردة للعرب واليهود، يشهر بها الكاتب دائماً: ''نمضي التاريخ نطاردهم· وهكذا، هم كانوا يدرسون الرياضيات ونحن لا، لهذا طردتهم الملكة ايسابيل· كان المسلمون والعرب يعرفون ثقافة الماء ونحن لا، وبدلاً من التعلم منهم وتمثل ثقافتهم، نطردهم من إسبانيا، ونبقى مع ترينتو و توركيمادا، ورفض الإصلاح، هكذا نظل، أكرر''·
لنترك الأعمال والأوضاع التي تتعلق بالماضي بشكل أو آخر، ولنأت إلى الحاضر، المساحة العربية لن تصبح بالنسبة للروائي الإسباني نفس الهدف الذي يجذب اهتمامه، ولا حتى عاطفته أو إثارته، كما كان في الماضي، إذن هي نفس المساحة المتنازع عليها بشكل أو آخر، والمتقاسمة بشكل أو آخر، لكنها دائماً مشتركة، سواء بقبول أو إجبار، المواقع محددة الآن بشكل كبير، كلٌ في المكان الذي يستحقه، بالطبع عند تغيير إطار العلاقة يتغير هذا الوضع، وتجري عليه تعديلات ولنر كيف يتم هذا، ولو كان بشكل مختصر وموجز، من خلال بعض الروايات التي ظهرت خلال العقدين الأخيرين·
ظلت المساحة العربية استلهاماً لبعض الروايات التي يمكن تسميتها برواية المغامرات، وبالتالي فهي أقرب إلى الإنتاج السينمائي أو التليفزيوني، إنها تلك الحكايات أو القصص التي يمتزج فيها الحب بالجنس والخمر والتغريب، من خلال مزيج غير محدد المعالم، قصص تخضع لسيطرة العادي ولا تضيف شيئا إلى الفن الروائي، في هذا المجال يوجد إنتاج ''ألبيرتو فيلاثكيث فيغوروا''، ربما يكون هو افضل ممثل لهذه الظاهرة في الأدب الاسباني المعاصر، وهناك اكثر من فيلم سينمائي تم استيحاؤه من خلال هذه الظاهرة، اذكر هنا رواية لكاتب اقل شهرة ''الساخطون'' (برشلونة 1982) للكاتب ''جيمي خيمينيث أرناو''·
نماذج طموحة
أما رواية ''مؤامرة الخليج'' للكاتب ''فرناندو شوارتز'' فإنها تخضع للنموذج الروائي الأكثر طموحاً، خلفيتها السياسة الدولية وما تنتجه من صراعات· وبشكل خاص أوضاع الشرق الأوسط، وكما هو معروف فإنه مشهد مناسب، وعمل المؤلف في المجال الدبلوماسي وممارسة هذه المهنة في تلك المنطقة أضافا للرواية جرعة كبيرة من الواقعية، رغم أن تلك الجرعة تبدو تفصيلية، إنها رواية مثيرة للانتباه، مؤامرة في حد ذاتها، والتي يبدو فيها المؤلف كما لو كان شبه عراف بكشفه بشكل جزئي عن الصراع الذي سيبدأ في الخليج بعد ذلك بعدة سنوات· يبدو موحياً ذلك المزيج من الخيال السابق على الواقع الذي تبرزه رواية شوارتز·
في الطرف المقابل لروايات ''التآمر الخارجي''، هناك تلك التي يمكن أن نعتبرها ''التآمر الداخلي''، والتي تحاول الإجابة على رموز وأوضاع أكثر جدلية، وإشكالية أكثر عمقاً وتعقيداً· وتعبر من خلال شعور وسلوك فردي وجمعي ومن خلال الإطار الاجتماعي الذي يضم تلك الوقائع· تتعلق بالطبع، بروايات أقل تخطيطاً، إنها روايات تهتم بعكس ما يمكن أن نسميه الأزمات الداخلية والعميقة أكثر من الأزمات الخارجية والعارضة· الصراعات التي تقدمها نتيجة الفوارق القائمة بين الأفراد والثقافات المختلفة الاتجاهات والقيم المتباينة، لكن في الوقت نفسه على وعي بتلك الفوارق والتناقضات ما بين هذه وتلك، وتهدف أيضاً إلى تخطيها، والعثور على طرق للحوار واللقاء، وأشكال إنسانية حقيقية للتعايش· التضامن والعزلة يوجدان في وقت واحد ويتمازجان، مما يخلق علاقة معقدة قد تؤدي أحياناً إلى سيطرة التآلف والتكامل، من بين أشياء أخرى، وإلا فإنها تؤدي إلى الخلاف والقطيعة·
يفتح بشكل كبير في تلك الروايات إحساس بإغلاق عالم لفتح عالم آخر، ويبدو رمزا لليأس والأمل· وكما أشرت من قبل، فإن الحبكة تبدو جدلية وتقابلية أكثر منها سطحية وآلية، لذلك، ليس هذا غريباً، بل على العكس تماماً، أن يجري تغيير وتبادل الشخصيات والمشاهد التي تعبر عن الإنهاك الحيوي بتلك التي تعبر عن مدى أهمية الحياة، أؤكد أنها روايات تنتمي بشكل واضح إلى عصر ملتبس، وأزمة عميقة وظاهرة، ويحتاج إلى قناعات كبرى جديدة، يحتاج إلى إعادة تنظيم كامل للوجود البشري، أي أن تلك الروايات بنات عصرنا، من هذه الناحية، يبدو لي أنه من المفيد دراسة الرواية الاسبانية المعاصرة -بعضها بشكل محدد- بالمقارنة مع الرواية العربية بشكل عام، والرواية المغاربية خاصة·
من بين العناوين التي يمكن اعتبارها من هذا النوع من الرواية من المهم ذكر ''ميمون'' (برشلونة 1988) للكاتب الذي ذكرناه من قبل ''رفائيل تشيربس'' ورواية ''أركايدو والرعاة'' (مدريد 1986) للكاتب ''اميليو سولا''، إنهما روايتان عن موضوع واحد لكنهما تستخدمان تركيباً مختلفاً، وتعكسان الانطباع نفسه، التوجه والبحث عن مما أشرنا إليه، كل على طريقته، وتوجهه في التعبير والإبداع، في رأيي هناك أنواع أدبية مثيرة في شكل روائي، تريد أن تعكس تهجين أشكال تعبير إنسانية·
ü تعرضت هذه الدراسة لبعض الاختصارات
لمقتضيات النشر·
الاحصاءات النهائية لمشاركات الدورة الثالثة في جائزة الشيخ زايد للكتاب
أعلن راشد العريمي الأمين العام لجائزة الشيخ زايد للكتاب عن الإحصاءات النهائية لمشاركات جائزة الشيخ زايد للكتاب في دورتها الثالثة 2008 ـ 2009 حيث تم استلام 620 ترشيحاً تمّ قبول 263 منها فيما تمّ استبعاد 357 لعدم استيفاء الشروط العامة·
وتصدّر فرع الآداب باقي فروع الجائزة ب 62 ترشيحاً بما يعادل 23,6% من إجمالي الترشيحات المقبولة وتلاه فرع المؤلف الشاب وفرع أدب الطفل اللذان شهدا ازدياداً في عدد المشاركات بالمقارنة مع ترشيحات الدورة السابقة· ففي فرع المؤلف الشاب، ارتفعت نسبة الترشيحات من 19,8% في الدورة السابقة الى 22,4% في الدورة الحالية، كما كان الحال في فرع أدب الطفل الذي شهد ارتفاعاً مما نسبته 14,5% الى 16%·
وجاءت الترشيحات للجائزة هذا العام من مختلف دول العالم· وقد شكّلت الترشيحات من الدول العربية ما نسبته 94,3% كان 14,3% منها من دول مجلس التعاون الخليجي فيما جاءت المشاركات الإماراتية بنسبة 2,7% من إجمالي الترشيحات وما نسبته 18,9% من مجموع ترشيحات دول مجلس التعاون الخليجي· أمّا باقي الدول متضمّنة أرتيريا وفرنسا والسويد وألمانيا والولايات المتحدة ومالطا فقد شكّلت 3% من مجمل الترشيحات المقبولة·
وكان لمشاركة النّساء النسبة الأكبر هذا العام مقارنة بالدورة السابقة فنسبة المشاركات النسائية بلغت 23% من مجموع الترشيحات الفردية للدورة الثالثة، متفوّقة بذلك على الدورة السابقة التي أتت بنسبة مقدارها 16%· ومن الجدير بالذكر أن نسبة مشاركة النساء هذا العام تمثّل ما يقارب ضعفيّ المشاركة النسوية في الدورة السابقة·
وحول آلية اختيار الترشيحات الفائزة، أكد راشد العريمي ان ''جائزة الشيخ زايد للكتاب تتسم بشفافية عالية وحيادية تامة في اختيار الفائزين، حيث تقوم اللجنة الاستشارية باختيار لجان التحكيم التي تتكون من نخبة من أبرز الشخصيات الثقافية الأكاديمية العربية لتقييم الأعمال المترشحة''·
وقد فاز الروائي المصري جمال أحمد الغيطاني بالجائزة في فرع الأداب عن رواية ''رن'' وهو الدفتر السادس من دفاتر التدوين وعن حيثيات فوز رواية ''رن'' قال العريمي: ''توفر النص على كفاءة سردية متميزة، فالصياغة في دفتر ''رن'' متدفقة متوخية الدقة مستعملة تركيبات تلائم الابعاد الروحية المهيمنة على النص وتحاول الارتقاء بالمحسوس والمعيشي الى صعيد روحي يتخلص من الظرفي والعابر ليقبض على ماهو متخط للزمني والتاريخي''·
كذلك منحت الجائزة في فرع التنمية وبناء الدولة للباحث الدكتور باقر سلمان النجار من البحرين عن كتابه ''الديمقراطية العصية في الخليج العربي'' كما منحت الجائزة في فرع المؤلف الشاب للدكتور يوسف وغليسي، من الجزائر عن كتابه ''إشكالية المصطلح في الخطاب النقدي العربي الجديد''·
ومنحت الجائزة في فرع الترجمة للدكتور سعد عبدالعزيز مصلوح أستاذ اللسانيات كلية الاداب/ الكويت، عن كتابه ''في نظرية الترجمة: اتجاهات معاصرة'' ومنحت الجائزة في فرع الفنون للدكتور ماهر عبدالحليم السيد راضي استاذ الاضاءة والتصوير السينمائي بالأكاديمية الدولية للهندسة في مصر، عن كتاب ''فكر الضوء''·
يذكر أنه تم حجب الجائزة في فرعي أدب الطفل، وأفضل تقنية في المجال الثقافي