30 يناير 2012
أعلنت اللجنة الانتخابية الرسمية في روسيا يوم الجمعة الماضي أن السياسي الليبرالي المخضرم جريجوري يافلينسكي، الذي كان مرشحاً رئاسياً في ثلاث مرات من قبل، لن يُسمح له بالترشح ضد فلاديمير بوتين في الانتخابات الرئاسية المقبلة المقررة في الرابع من مارس المقبل. غير أن القرار لن يمنع "يافلينسكي" من خوض الحملة الانتخابية أو مخاطبة الناخبين خلال الأسابيع الخمسة المقبلة فحسب، وإنما يمنع حزبه أيضاً "يابلوكو" -الذي يعد من أقدم أحزاب روسيا الليبرالية ذات القاعدة الشعبية- من إرسال ممثلين له لمراقبة عملية التصويت.
منتقدو الكريملن غاضبون من القرار ويقولون إنه يُثبت أن نظام "الديمقراطية المسيَّرة" الذي يعتمده بوتين، والذي يحدد شكل الحديقة السياسية لروسيا على نحو يضمن عدم صعود أي منافسين مستقلين أقوياء للمرشحين المنتقين من قبل الكريملن، مازال قائماً وفي حالة جيدة. وفي هذا السياق، يقول "سيرجي ستروكان"، كاتب العمود بصحيفة "كومرسانت" الاقتصادية الصادرة في موسكو:"إن استراتيجية بوتين تتمثل في الفوز في الانتخابات على نحو حاسم في الجولة الأولى، ولكن وجود يافلينسكي على ورقة التصويت يعقِّد الأمور".
ويقول أيضاً: "في الماضي، كان يمكن الاعتماد على يافلينسكي للحصول على حصة محدودة ومتوقعة من الأصوات من مثقفي الطبقة الوسطى في المدن، ولم يكن الكريملن يرى مانعاً في ذلك"، مضيفاً "ولكن منذ المظاهرات الحاشدة في ديسمبر الماضي، تغيَّر كل شيء. وخلافاً لآخرين على ورقة الاقتراع، فإن يافلينسكي يمكن أن يكون مرشحاً "احتجاجياً" مقبولاً بالنسبة لملايين الناس الذي ضاقوا ذرعاً ببوتين، إذ يستطيع الاستفادة من موجة احتجاج يمكن أن تمنع بوتين من الفوز بضربة قاضية في الجولة الأولى. ولذلك، فإنهم ارتأوا ضرورة إقصائه".
مسؤول الانتخابات نيكولاي كونكين، الذي أعلن عن القرار يوم الجمعة، شدد على أن الأمر يتعلق بمسألة تقنية، ليس إلا. فصحيح أن أنصار يافلينسكي جمعوا أكثر من مليوني توقيع اللازمة على عرائض الترشيح في الـ25 يوماً المحددة، يقول كونكين، غير أنه عقب عملية الفحص والتدقيق، وجد المسؤولون أن حوالي ربعها باطل. وبالمقابل، يقول المتحدث باسم "يابلوكو"، إيجور ياكوفلف، إن الحزب جمع العدد اللازم من التوقيعات رغم المهلة الزمنية الضيقة ومضايقة السلطات المحلية، معتبراً أن إلغاء التوقيعات يمثل أحد الأساليب المألوفة من وسائل "الديمقراطية المسيَّرة" بهدف إبعاد المنافسين الحقيقيين عن ورقة الاقتراع.
ويقول "ياكوفلف" في هذا السياق: "إن القرار القاضي بعدم تسجيل يافلينسكي هو قرار سياسي محض، ونحن نعتقد أنه اتُّخذ من قبل بوتين نفسه"، مضيفاً: "تلك هي الطريقة التي يشتغل بها النظام، والحال أنه إذا أُبعد يافلينسكي من السباق، فإن ذلك يعني أن هذه الانتخابات الرئاسية ستفقد كل ما تبقى لها من شرعية".
العديد من المنتقدين يعتقدون أن قرار منع يافلينسكي من الترشح اتُّخذ من أجل تعزيز فرص ميخائيل بروخوروف، الملياردير مالك فريق "نيوجيرسي نيتس" لكرة السلة، الذي أعلن عن ترشحه الشهر الماضي وأبحر في عملية التسجيل بسهولة هذا الأسبوع. والواقع أن "بروخوروف" شاب ومفعم بالحماس والحيوية ويتحدث لغة ليبرالية يمكن أن تجذب الطبقة الوسطى المستاءة في المدن، إلا أنه يُعد أيضاً واحداً من أوليجارشيي روسيا الممقوتين على نطاق واسع، والذين جمعوا ثروة في عمليات الخصخصة الضبابية لممتلكات الدولة السوفييتية في عقد التسعينيات، وثري مستهتر يشدد المنتقدون على أن لا فرصة له في جذب الناخبين من الأوساط المحافظة والطبقة العاملة في المناطق النائية لروسيا.
"بروخوروف" ندد بقرار منع يافلينسكي من الترشح وكتب على مدونته "لايف جورنال" على الإنترنت يقول: "لقد كنت دائماً، ومازلت من المدافعين عن التنافس النزيه في السياسة"، مضيفاً: "هذا هو ما يطالبه به مواطنونا الذين يخرجون للتظاهر. ولذلك، فإن أي فوز في الانتخابات الرئاسية ينبغي أن يكون بالطرق النزيهة فقط".
ومع دخول الاستعدادات لعملية الاقتراع مراحلها الأخيرة، فإن قائمة المرشحين المسموح لهم بالتنافس تضم، إلى جانب "بروخوروف"، زعيم الحزب الشيوعي جينادي زيوجانوف، الذي تُعد قدرته على جذب أصوات احتجاجية خارج دائرة أنصاره التقليديين محدودةً جداً بسبب المواقف السلبية للعديد من الروس تجاه الحزب الذي كان يقود الاتحاد السوفييتي. أما المتنافس الآخر، فهو "فلاديمير زيرينوفسكي"، الذي ترشح في كل الانتخابات الرئاسية الروسية منذ 1990، ويُعد حزبه، الحزب الديمقراطي الليبرالي، الذي يعتقد على نطاق واسع أنه لا يستحق اسمه، مظهراً ثابتاً في البرلمان، ولم يسبق له أبداً أن صوت ضد أي من السياسات التي يوافق عليها الكريملن.
غير أن متنافساً آخر هو رئيس الغرفة العليا للبرلمان سيرجي ميرونوف، وهو صديق سابق لبوتين حصل على أقل من 1 في المئة من الأصوات عندما ترشح ضده في 2004، ولعل من أشهر ما قال ميرونوف في تلك الحملة الانتخابية هو "إننا جميعاً نرغب في أن يكون فلاديمير بوتين رئيسنا المقبل".
وحسب استطلاع للرأي العام أفرج عنه يوم الجمعة مركز بحوث الرأي العام التابع للدولة، فإن بوتين مازال المرشح الأكثر شعبية حيث يحظى بدعم 49 في المئة من المستجوَبين. وفي المرتبة الثانية يوجد زيوجانوف بـ11 في المئة، ثم زيرينوفسكي بـ9 في المئة، فميرونوف بـ6 في المئة. أما بروخوروف، فقد حصل على 4 في المئة من الأصوات، ولكن مستطلعي الرأي يشيرون إلى أن الدعم الشعبي له تضاعف خلال الأسبوع الماضي، مما يشير إلى زخم متزايد.
فريد وير - موسكو
ينشر بترتيب خاص مع خدمة
«كريستيان ساينس مونيتور»