تعد المناورة العسكرية «نسر الحضارة 2025» بين مصر والصين، من منتصف أبريل إلى أوائل مايو، تطوراً جيوسياسياً موجهاً للعالم حيال الدور القادم للبلدين في المنطقة. انخراط الجيشين الصيني والمصري في أول مناورة جوية مشتركة بينهما خطوة غير مسبوقة وفي غاية الأهمية، لا يمكن توقعها للدبلوماسية العسكرية الصينية في العالم من جهة، ومكانة مصر كرمانة الميزان الاستراتيجي بمنطقة الشرق الأوسط من جهة أخرى، وهو أمر له دلالات عديدة ظاهرة ومستترة في آن واحد، وستمهد الطريق لتعاون نوعي في مجال التصنيع العسكري المتقدم بين الجانبين.
ويتماشى اهتمام الصين بالمنطقة مع «مبادرة الحزام والطريق»، وهي مشروع بنية تحتية بقيمة تريليون دولار يهدف إلى توسيع نطاق بكين الاقتصادي والسياسي، وتُعد قناة السويس التي يمر عبرها حوالي 12% من التجارة العالمية سنوياً ركيزة أساسية في هذه الاستراتيجية.
 ومع استعراض الدولتين لقدراتهما الجوية تثير المناورات تساؤلات حول تحول التحالفات في الشرق الأوسط، وطموحات الصين الإقليمية المتنامية، وتداعياتها على القوى العالمية مثل الولايات المتحدة التي لطالما اعتبرت مصر حليفاً رئيسياً، ولكن الواقعية السياسية تفرض على مصر، كما تفرض على الصين، البحث عن البدائل الأكثر مناسبةً لهما، حيث تمارس الصين عملية احتواء استباقي لا مفر منه، ومثال على ذلك بناء القاعدة الصينية في جيبوتي، وصفقات الموانئ في جوادر وكولومبو، والآن التدريبات الجوية في مصر، وكلها تعكس استراتيجية صينية متماسكة للتخلص من الحصار المراد به إبطاء تقدمها المطرّد في شتى المجالات.وبغض النظر عن المقاتلات المشاركة من الطرفين، فقد صممت هذه التدريبات لتعزيز التوافق التشغيلي وتبادل الخبرات في القتال الجوي والتكتيكات الحديثة، وهو مقلق للغاية لدول الجوار التي تهدد الأمن القومي المصري، والقوى العالمية التي تخشى أن تكون مصر منطلق الردع الصيني في المنطقة، لما تشكله التضاريس الصحراوية في الشرق الأوسط وقربها من الطرق البحرية المتنازع عليها، مثل البحر الأحمر والبحر الأبيض المتوسط، من تحديات فريدة، مقارنةً بمسارح العمليات المعتادة لجيش التحرير الشعبي الصيني في منطقة المحيطين الهندي والهادئ.
كما أرى أن الصين، من خلال إجراء مناورات جوية مع مصر، تسعى لتحقيق أهداف متعددة، ولا سيما أن جمهورية مصر العربية لديها ثلاث من أخطر الطائرات المقاتلة في العالم، وتُشكل هذه الطائرات الثلاث مشكلة كبيرة للصين وفرصة في الوقت نفسه لمعرفة قدراتها في مواجهة القدرات الصينية، حيث تمتلك الهند طائرات رافال وميج-29، بينما تحصل الفلبين على طائرات إف-16 الأميركية، وفي ظل هذا السيناريو حاولت الصين تعزيز نفوذها وتوجيه رسالة إلى الولايات المتحدة واكتساب رؤى تقنية مهمة بشأن تلك المقاتلات.
أرسلت الصين طائرة النقل شيان Y-20 لنقل الإمدادات العسكرية لهذه المناورة، والتي تُعتبر بمثابة نسخة مُضادة من طائرة C-17 Globemaster الأميركية ويمكنها حمل كميات كبيرة من المعدات العسكرية، وبذلك يظهر الجيش الصيني قوته، حتى بعيداً عن حدوده، وإمكانات التصدير الصينية واستعراض قدراتها في البيئات الحية، وتضاعف مصر بدورها من بدائل الردع المتوفرة لديها بعد المناورة مع الروس، لتتبعه بمناورة مع الصين، ومصر بذلك تعلن للعالم أنها ليست مجرد دولة أخرى، بل هي ركيزة ميزان القوى الأساسية في الشرق الأوسط، ومن الطبيعي أن تظهر بعض القوى الإقليمية حساسية بالغة تجاه التغيرات في الوضع الدفاعي للقاهرة والمساس بالتفوق التكنولوجي لمنافسيها، وماذا لو حصلت مصر على مقاتلات الجيل الخامس مثل تشنغدو جيه-20 وأنظمة طائرات مسيرة متطورة؟ وبعيداً عن المستوى التكتيكي، كيف سيغير أثر ذلك المشهد السياسي برمته في المنطقة؟
المناورة تثبت أن الدول العربية يمكنها التأرجح بين الشركاء دون اختيار طرف بشكل نهائي، وتؤكد قدرتها على العمل بشكل مستقل والتواصل مع شركاء جدد، والمشاركة في القيادة العالمية.
 أما بالنسبة للصين فالمناورة تُمثل منصة اختبار للمعدات، وإثباتاً لإمكانية الوصول السريع لنقاط الاختناق الأبرز في العالم، وبناء التحالفات التكتيكية دون أيديولوجيات، وبناء قواعد دون بناء، وبالمقابل حتماً سنرى الرد الأميركي على ذلك الحراك الاستراتيجي!
*كاتب وباحث إماراتي في شؤون التعايش السلمي وحوار الثقافات.