تتشارك مراكز الفكر مع الدول، بجميع مؤسساتها، في هدف حيوي للغاية يرتبط ارتباطاً مباشراً بالأمن والاستقرار على الصعد الوطنية والإقليمية والدولية، وهو مكافحة التطرف والإرهاب، حيث تمثّل مراكز الفكر في هذه المعادلة العقلَ الذي يحلّل ويبرهن ويرسم سيناريوهات الحاضر ويستشرف المستقبل، انطلاقاً من وعي عميق بتجارب الماضي القريب والبعيد، خصوصاً مع الربط بين ما هو نظري وواقعي في كشف الظاهرة، ومراكمة الجهود الفكرية والعلمية في المكافحة، ونشر الوعي في المجتمعات بخطورة تحركات هذه التنظيمات، ولاسيّما بإجراءات قد تبدو في مظهرها غير متطرفة، لكنها تنطوي على منطلقات عنيفة، ويقف وراءها جماعاتٌ وتنظيمات تستغل الظروف القائمة لاستقطاب وتجنيد المزيد من المتطرفين والإرهابيين، وتنظر للمجتمعات باعتبارها مجرد «مخزون بشري» تستمد منه أدوات تنفيذ خططها المدمرة.وقد دأَب مركز تريندز للبحوث والاستشارات على تبادل الأفكار مع الأكاديميين وصناع السياسات حول العالم بشأن القضايا الدولية، ولاسيّما مكافحة التطرف والإرهاب، وكانت الفعالية الأحدث في هذا الإطار في بريطانيا، وبالتحديد في قلب مجلس اللوردات العريق، إذ نظم المركز ندوة بعنوان: «تعزيز الشراكة الشرق أوسطية-البريطانية في مواجهة التطرف وتعزيز الرخاء»، بالشراكة مع الشبكة العربية العالمية، وتحت الرعاية الفخرية للورد والني (Walney Lord)، وبمشاركة عدد من أعضاء مجلس اللوردات وخبراء مكافحة الإرهاب في المملكة المتحدة، لطرح أفضل التصورات لمواجهة التطرف، وتعزيز قيم التسامح بين الثقافات والأديان في العالم.

وكان تنظيمُ جماعة الإخوان المسلمين هو محور هذه المناقشات، بالنظر إلى الخطورة التي يشكّلها بوصفه المظلة الأمّ لكل التنظيمات الإرهابية الأخرى في العالم، على جميع المجتمعات التي يوجد فيها. وركزت المناقشات على كشف جوانب هذه الخطورة، وعلى أهمية تصنيف التنظيم على لوائح الإرهاب في بريطانيا.
ولطالما عملت الجماعات والتنظيمات المتطرفة، وفي طليعتها تنظيم الإخوان المسلمين، على تشكيل هوية بديلة، تصنع بموجبها أفراداً لديهم «عزلة شعورية» تجاه مجتمعاتهم، ولديهم الرغبة في الانقلاب على قِيَم المجتمع وتهديد أمنه واستقراره.
ومع تنامي نزعات التطرف والإرهاب داخل القارة الأوروبية، اتخذت بعض الدول الأوروبية إجراءات لتشديد الرقابة على هذه الجماعات، غير أن هذه الإجراءات فردية وليست ضمن نطاق تحرك أوروبي مشترك، كما أن فكر الجماعات المتطرفة لم يأخذ القدر الكافي من القراءة المتعمقة والتحليل الشامل.

ونحن في مركز «تريندز» أخذنا على عاتقنا تفكيك خطاب الجماعات والتنظيمات المتطرفة، وعلى رأسها تنظيم «الإخوان»؛ لكشف أيديولوجية هذا التيار، سواء عبر دراساتنا المعمقة، أو بالمشاركة والتفاعل وتبادل الخبرات والتصورات عبر تنظيم حوارات فكرية موسعة، لفهم جذور ظاهرة التطرف المؤدي للعنف، وسبل تحصين المجتمعات ضد الأفكار والجماعات المتطرفة والهدامة. وكون هذا التنظيم هو المظلة الفكرية أو الجذر الأساسي لهذه الجماعات والتنظيمات، يفنّد «تريندز» أطروحاته وأيديولوجيته عبر مجموعة من الإصدارات البحثية، أبرزها موسوعة جماعة «الإخوان»، وتتويجاً لجهوده في هذا المجال، حصل مركز تريندز على جائزة المؤسسة الرائدة في مجال مكافحة التطرف، التي يمنحها منتدى العلاقات الخارجية في بريطانيا، وقام بتسليمنا الجائزة عضو البرلمان البريطاني دانيال كاتشينسكي.

كما أننا اتخذنا خطوةً أبعدَ من خلال التواصل مع المشرعين في البرلمانات المهمة، من أجل كشف حقيقة هذه الجماعة، وتوعية صناع السياسات بخطورتها، ولاسيّما في دولة مثل بريطانيا، التي ينشَط فيها تنظيم «الإخوان»، ومن هنا جاءت هذه الندوة، والتي شهدت بالفعل مناقشات بنّاءة للغاية، فيما عبّرت مداخلات النواب البريطانيين، وخبراء مكافحة الإرهاب، عن وعي حقيقي بأبعاد وخطورة المشروع «الإخواني» في المملكة المتحدة، والغرب عموماً.
ومع دراسة وإدراك أساليب وآليات تنظيم «الإخوان» في العمل، من الخطورة ترك التنظيم يمارس أنشطته ويبني شبكات معقدة في دول أوروبا، دون مراجعة تأثير الخطاب «الإخواني» في هذه الدول، فالتطرف الإسلاموي لا يمكن فهمه دون النظر بعمق في الأساس الفكري، والروابط الأيديولوجية التي تبنّتها من بعده وفي إطاره التنظيماتُ الإرهابية الأخرى، مثل «القاعدة»، و«داعش»، وهو ما يتطلب إعادة تعريف الإرهاب ليشمل ليس فقط من يمارس العنف، بل من ينظّر له ويبرّره.
وفي نظرنا، تُبنى «الإسلاموية» على عنف تأسيسي يتمثّل في اعتبار المجتمع «جاهليّاً»، و«تكفير» المسلم المختلف قبل غير المسلم، وبذلك فإنها أيديولوجية تكفيرية تمثّل أسس الفكر الإرهابي.

ولمجابهة ذلك، علينا مواصلة تتبّع الفكر عبر مقاربات عملية، وحوار بين مراكز الفكر الغربية والعربية، والبحث في مصادر تمويل الجماعات، وتبنّي الدول مزيداً من الإجراءات التي تستهدف تقييد العنف الفكري والواقعي لخطورته على المجتمعات والدول، كتصنيف التنظيم ضمن قوائم الجماعات الإرهابية، أسوةً ببعض الدول الأوروبية والعربية، فمثل هذا التصنيف من شأنه أن يحدّ من أنشطة التنظيم، ويمنعه من الاستفادة من التمويلات العامة، أو العمل تحت غطاء المنظمات الخيرية الأوروبية.
*الرئيس التنفيذي- مركز تريندز للبحوث والاستشارات.