يمثّل التعاون بين مختلف فئات المجتمع المدرسي أساساً جوهرياً في تعزيز التعليم الدامج للطلاب ذوي الاحتياجات التعليمية الخاصة. وتشير أحدث البحوث إلى أنّ هذا التعاون يشمل أولياء الأمور، والمعلمين، والإداريين، والاختصاصيين الاجتماعيين والنفسيين، ومعلمي التربية الخاصة؛ ففي عام 2023 أُجريتْ دراسة بحثية في مدارس أبوظبي الحكومية والخاصّة لاستقصاء مدى فاعلية هذا التعاون، وتأثيره في تطبيق ممارسات الدمج الشامل.اعتمدت الدراسة تصميماً بحثياً مختلطاً ضمّ مرحلتين: الأولى كميّة، استخدمت استبياناً مبنيّاً على إطار الانعكاس المخصّص للطلاب ذوي الاحتياجات التعليمية والإعاقات، والثانية نوعية، شملت مجموعات تركيز ومقابلات فردية مع قادة المدارس. شملت العينات 161 معلّماً ومعلمة من 20 مدرسة، موزّعة بالتساوي بين المدارس الحكومية والخاصّة، إضافةً إلى 24 معلّماً شاركوا في مجموعات التركيز، و4 من القادة التربويين.
أبرزت النتائج أهمية وجود سياسات وإجراءات واضحة لتنظيم التواصل مع أولياء الأمور والمجتمع؛ إذ ينعكس ذلك إيجاباً على ثقة الأسر بالمدرسة، ومستوى الدعم المقدّم للطلاب ذوي الاحتياجات التعليمية الخاصة. كما أكّدت أنّ توفير بيئات عمل تشاركية يسهم في تفعيل الدمج بنجاح؛ إذ يتيح للمعلمين والإداريين تبادل الخبرات والأفكار بفاعلية. كما برز التطوير المهني بصفته عنصراً حاسماً في تحسين تطبيق ممارسات التعليم الدامج؛ إذ تَبيَّن من خلال التحليل الإحصائي (p=0.002) أنّه يرتبط بزيادة قدرة الكوادر التعليمية على التعامل مع تنوّع احتياجات الطلاب.
وقد خلصت الدراسة إلى ضرورة إشراك جميع المعلمين، بمن فيهم غير المتخصّصين في التربية الخاصة، في برامج تدريبية متخصّصة تُعنى بالطلاب أصحاب الهمم؛ لضمان تقديم الدعم الملائم لهم. كما تَوصَّل البحث إلى أهمية نقل الخبرات من معلمي التربية الخاصة إلى زملائهم من معلمي المواد الأخرى في المدرسة؛ إذ إن طلاب التعليم الدامج يقضون معهم وقتاً طويلاً أيضاً، بما يرسّخ الممارسات الدامجة، ويوفر بيئة تعلّم مُحفِّزة لجميع الطلاب.
وعلى صعيد تطوير بيئة المدارس، أوصت النتائج بتبني منهجيات اتصال شفّافة مع أولياء الأمو؛ بهدف تعزيز التفاهم المشترك، وتجويد العملية التعليمية. كما شدّدت على أهمية بناء ثقافة تشاركية تتيح تبادل المعلومات والخبرات بين مختلف الكوادر؛ ما يضمن توفير الدعم المناسب للطالب. وفي سبيل الارتقاء بمستوى الخدمة التربوية، دعت الدراسة إلى الاستثمار في برامج التطوير المهني للمعلمين والإداريين، بما يمكّنهم من مواكبة أحدث الاستراتيجيات التعليمية وتطبيقها بمرونة.
وبناءً على ما سبق، يمكن القول، إنّ التعاون الفاعل بين مكوّنات المجتمع المدرسي يمهّد الطريق نحو تعليم دامج يراعي احتياجات الجميع في مدارس أبوظبي؛ إذ لا يقتصر الدمج على إدماج الطلاب ذوي الاحتياجات الخاصة في الصفوف الدراسية فحسب، بل يشمل توفير بيئات داعمة تعزّز شعورهم بالانتماء وتُسهِم في تحقيق التعلّم الفعّال. ومن هذا المنطلق، توفّر الدراسة رؤية عملية يمكن للمؤسّسات التعليمية الاستفادة منها؛ بهدف تعزيز تطبيق «إطار دعم الطلاب ذوي الاحتياجات الخاصة والإعاقات» في المدارس الحكومية والخاصّة، وتحقيق تعليم دامج شامل يرتقي بمستوى المخرجات التربوية. وختاماً، تبقى المسؤولية مشتركة بين الأسرة والمدرسة والمجتمع، لضمان تحقيق كل طالب كامل إمكاناته التربوية والاجتماعية.
د.حمدة الهاشمي
أستاذة، واستشارية بحوث متخصصة بالتعليم العادل والشامل.