في السابع عشر من يناير 2022، واجهت دولة الإمارات العربية المتحدة تحدياً غير مسبوق؛ عندما شنت جماعة «الحوثي» هجوماً إرهابياً بطائرات مسيّرة وصواريخ باليستية استهدف مناطق ومنشآت مَدنية في أبوظبي. ولم يكن الهجوم، الذي أودى بحياة ثلاثة أبرياء وإصابة ستة آخرين بجروح متباينة، مجرد عمل عدواني وحسب، بل كان محاولة لضرب النموذج الإماراتي في التسامح والازدهار كذلك. ولكنّ استعداد وجاهزية القوات المسلحة وهيئات الطوارئ ومؤسسات إنفاذ القانون في دولة الإمارات، واستجابتها السريعة والمدروسة للهجوم، أبرزت قدرة الدولة على الصمود وردع العدوان.
والأهم من ذلك أنّ أحداث السابع عشر من يناير برهنت على قوة القيم والمبادئ التي ينهض عليها النموذج الإماراتي. فمنذ نشأتها، تُعد دولة الإمارات مثالاً للتنوع الثقافي، ووطناً للتعايش المشترك، ومنارةً للتسامح الإنساني، وموئلاً للازدهار الاقتصادي، وواحة استقرار وسلام في منطقةٍ مضطربة. وهذه القيم هي التي ضمنت الريادة والتقدم لدولة الإمارات، وجعلتها واحة للازدهار والتعايش في منطقة تموج بها الاضطرابات؛ ولذا كانت هذه القيم موضع استهداف من قبل جماعات إرهابية لا تريد سوى نشر الفوضى والدمار وخدمة أجندات مشبوهة لا تمثل الشعب اليمني ولا المصالح اليمنية. ولكن دولة الإمارات برهنت من خلال استجابتها السريعة لهذه الهجمات على إفشال هذه المخططات، وترسيخ هذه المنظومة القيمية التي تنص عليها منذ تأسيسها.
لقد كانت دولة الإمارات حريصة منذ البداية على الحفاظ على التنوع الثقافي والإثني في المجتمع الإماراتي، الذي لا يتوافر في غيره من المجتمعات، واستثماره، حيث يحيا على أرض الدولة أكثر من مائتي جنسية في إطارٍ من التعايش المشترك والسلم المجتمعي. وعلى مر السنين، عملت القيادة الرشيدة على ترسيخ قيمة التسامح الإنساني عن طريق مبادرات، مثل عام التسامح، وإنشاء وزارة التسامح، وبيت العائلة الإبراهيمية، لتعزيز التفاهم بين الثقافات، وتحقيق الانسجام بين الأديان. ويشكل الرخاء الاقتصادي الذي تتمتع به الدولة ركيزة أخرى من ركائز قوتها. فعلى مدى عقود من الزمان، نجحت الدولة في تحويل نفسها إلى مركز عالمي للتجارة والسياحة والتكنولوجيا والابتكار. ولا يقتصر هذا الرخاء على الثروة، بل يمثل الفرص والاستقرار والرؤية المستقبلية التي مكنت شعبها وعززت من رفاهيته. 
وقد استهدف هجوم الـ 17 يناير، أول ما استهدف، محاولة ضرب هذا النموذج، وتقويض الاستقرار الذي تنعم به دولة الإمارات. ولكنّ النموذج الإماراتي أثبت في نهاية المطاف قوته وصحته ونجاعته. وسعى «الحوثيون»، ومَن خَلفهم، إلى بث الخوف والانقسام في المجتمع الإماراتي الذي يزدهر بالتعدد والفرص. ولكن التضامن الشعبي والتماسك المجتمعي أثناء الأزمة أوصل رسالة واضحة، مفادها أن محاولات تمزيق نسيج هذا المجتمع لن تؤدي إلا إلى تعزيز تماسكه وعزيمته. وبدلاً من الاستسلام للخوف أو العداء، وقفت دولة الإمارات، حكومةً وشعباً، عزيزة متحدة، مبيّنة أن التسامح يُشكل درعاً قوياً ضد الإرهاب. 
ولم يكن رد الإمارات على أحداث السابع عشر من يناير قائماً على الانتقام، بل على المرونة؛ ما أظهر قوة قيمها حتى في مواجهة الشدائد، بل كانت هذه القيم هي الأساس الصلب الذي استندت إليه مؤسسات الدولة المعنية كافة في مواجهة هذا الهجوم الإرهابي، وغيره من المحاولات اليائسة التي تقوم بها جماعات إرهابية متطرفة أخرى، لا تريد أن ترى نماذج تنموية ناجحة ودولاً ومزدهرة في المنطقة. 
وعلى الصعيد الدولي، برهنت الأحداث على ما تحظى به القيادة الرشيدة للدولة من تقديرٍ عالمي رفيع المستوى، وعلى فعالية الدبلوماسية الإماراتية، حيث تلقت الدولة دعماً دولياً واسع النطاق، ظهر في إدانات الدول والمنظمات الدولية والإقليمية حول العالم للهجمات الإرهابية الحوثية. وعن طريق الدعوة إلى الوحدة ضد التطرف، وإعادة تأكيد التزامها بتحقيق السلام في اليمن، عززت الإمارات مكانتها الرائدة في مكافحة الإرهاب، وبلَّغت رسالتها بأن الإرهاب لا يستطيع عرقلة تقدم دولة مبنية على التسامح والازدهار.
والحق أنّ قدرة دولة الإمارات على الصمود والتعافي من أحداث السابع عشر من يناير وأمثالها من الأزمات الطارئة لا تكمن فقط في أنظمتها الدفاعية المتقدمة أو قوتها الاقتصادية، وإنما أيضاً في التزامها الثابت بالتسامح الإنساني والتعايش المشترك. وفي عالم يتسم بالانقسام على نحو متزايد، تقدم الإمارات نموذجاً يُحتذى به، ويشكل نجاحها شهادة على قوة التماسك وقوة المجتمع الذي يعطي الأولوية للوئام والتسامح والسلام على الكره والعداء والصراع.
وبينما تنظر دولة الإمارات دائماً إلى الأمام، فإنها تفعل ذلك وهي على ثقة بأنّ قيم التسامح والازدهار هي أعظم أصولها. فهذه القيم لا تحدد هوية الدولة فحسب، بل تضمن أيضاً قدرتها على الصمود في مواجهة الإرهاب والأزمات الطارئة، وتعمل كشعاع أمل لعالم يتطلع إلى الأمن والازدهار والسلام.

*الرئيس التنفـيذي- مركز تريندز للبحوث والاستشارات