هناك تكهنات كثيرة بشأن ما يعتزم ترامب فعله حينما يعود إلى المكتب البيضاوي، غير أنه في مجال واحد، على الأقل، يمكن للبلاد أن تتوقع قدراً كبيراً من الاستمرارية لسياسات إدارة بايدن. ففي عام 2017، تخلى ترامب عن سياسة دعم التجارة الحرة التي اتبعتها الولايات المتحدة منذ 1945. وربما كان يتوقع قيام بايدن، المرشح الذي وعد بالعودة للوضع الطبيعي، بعكس التوجه الذي أظهره ترامب نحو الحمائية، لكنه لم يفعل. وكما صدّق دوايت أيزنهاور على «الصفقة الجديدة» التي أتى بها فرانكلين روزفلت من خلال عدم سعيه لنقضها، كذلك صدّق بايدن على تبني ترامب للرسوم الجمركية والحواجز التجارية سعياً لجعل قطاع الصناعة الأميركي عظيماً مرة أخرى!

هذه السياسة بلغت مستوى ضاراً الأسبوع الماضي حينما استخدم بايدن الفيتو الرئاسي ضد محاولة شركة «نيبون ستيل» شراء شركة «يو إس ستيل» مقابل 14.9 مليار دولار، معللاً رفضه بمبرر غير مقنع، ويتعلق بالأمن القومي. وإثر ذلك، قامت شركتا «يو إس ستيل» و«نيبون ستيل» برفع دعوى قضائية تتهم بايدن بالتصرف وفقاً لاعتبارات سياسية، مشيرةً إلى أن قراره بمثابة «رشوة» لنقابة عمال الصلب الذين أيدوا ترشيحَه المجهَض. وكما تشير الدعوى القضائية، فإن بايدن كان قد أعلن أنه من «الأساسي» أن تظل شركة «يو إس ستيل» مملوكة للأميركيين، وذلك في 14 مارس 2024، أي قبل حتى أن تبدأ «لجنة الاستثمار الأجنبي في الولايات المتحدة» النظر في الصفقة.

وفي نهاية المطاف، وصلت اللجنة إلى طريق مسدود بشأن هذه المسألة. وكما ذكرت صحيفة «واشنطن بوست»، فإن بعض كبار مستشاري بايدن الاقتصاديين ومستشاريه في شؤون الأمن القومي كانوا يؤيدون السماحَ بإقرار الصفقة أو ترك القرار للإدارة القادمة. وحاجج العديدُ منهم بأن مِن شأن عرقلة الصفقة أن تمثّل صفعةً لأحد أقرب حلفاء أميركا من خلال وصف تملّك اليابان شركةً أميركيةً بأنه تهديد للأمن القومي!

غير أن بايدن تصرف بإيعاز من مستشارين سياسيين حاججوا بأن «الصفقة تتيح للبيت الأبيض فرصة نادرة لحماية الوظائف الأميركية، وتحقيق انتصار واضح لنقابات البلاد، وتلميع إرث بايدن»، كما ذكرت «واشنطن بوست». التحول الكبير في سياسة الولايات المتحدة بعيداً عن التجارة الحرة يعود إلى انتصار ترامب عامَ 2016، والذي أثّر بقوة في السياسة الأميركية.

وقد شعر«الديمقراطيون» بأن عليهم التخلي عن دعمهم السابق للتجارة الحرة من أجل منافسة ترامب في سباق الحواجز التجارية. وتم التسويق لهذه الحسابات السياسية، غير العقلانية، على أنها «سياسة خارجية من أجل الطبقة المتوسطة». والحال أن الدافع الحقيقي لها هو الرغبة في الفوز بولايات بنسلفانيا وميشيغن وويسكونسن، أي الولايات المتأرجحة الثلاث الكبرى في «حزام الصدأ»، لصالح «الديمقراطيين». غير أن هذه المناورة منيت بفشل ذريع حينما فاز ترامب بالولايات الثلاث وبرئاسة البيت الأبيض. ينشر بترتيب خاص مع خدمة «واشنطن بوست لايسنسينج آند سيندكيشن»

*كاتب وباحث أميركي