تخيّل حقلاً شاسعاً من الألواح الشمسية، يمتد في صفوف متصلة عبر ما يقرب من ميل مربع من الأرض. الآن انقل هذه الصورة إلى الفضاء الخارجي، مع وجود هذا الهيكل العملاق على ارتفاع عشرات الآلاف من الأميال فوق سطح الأرض، وستحصل على فكرة عما تسعى الطاقة الشمسية الفضائية إلى تحقيقه.
الدافع وراء هذا المصدر للطاقة يأتي ليس فقط من مزاياه، مقارنة بالطاقة الشمسية الأرضية، ولكن أيضاً من خصائص تميّزه عن معظم مصادر الطاقة الأخرى.
يقول المؤيدون إن هذه التكنولوجيا يمكن أن تساعد في توفير الطاقة لأجزاء من العالم التي تكافح للوصول إلى مصادر الطاقة التقليدية – سواء بسبب موقعها النائي، أو لأن البنية التحتية ذات الصلة غير موجودة ببساطة.
يقول «بول جافي»، وهو مهندس إلكترونيات سابق في مختبر أبحاث البحرية الأميركية: «الطاقة الشمسية، والاندماج النووي، والطاقة النووية، والفحم – أياً كان – يجب أن يكون لديك محطة في مكان ما، وتوفر بنية تحتية لدعمها. مع الطاقة الشمسية الفضائية، لديك القدرة على إعادة توجيه الطاقة من قمر صناعي إلى أي مكان على الأرض».
في إشارة إلى أن التكنولوجيا تخطو خطوات خارج نطاق الخيال العلمي، وقّعت شركة «سبيس سولار» البريطانية الناشئة مؤخراً شراكة عالمية غير مسبوقة مع شركة طاقة آيسلندية لتوفير الطاقة الشمسية من الفضاء بحلول عام 2030 – مع رؤية لأقمار صناعية تكفي لتزويد نحو 3000 منزل بالطاقة.
كما حققت سبيس سولار إنجازاً آخر بكونها أول من يُظهر تقنية إرسال الطاقة بزاوية 360 درجة – ما يعني أن الألواح الشمسية يمكنها إرسال الطاقة إلى الأرض بغض النظر عن كيفية دورانها لمواصلة مواجهة الشمس.
وفي الوقت نفسه، تقول شركة ناشئة مقرها كاليفورنيا إنها ستطلق مجموعة من المرايا المدارية بحلول عام 2025 لتمديد ساعات أشعة الشمس المتاحة للألواح الشمسية على الأرض.
في العام الماضي، جمع نموذج أولي من معهد كاليفورنيا للتكنولوجيا الطاقة الشمسية في الفضاء، وأعاد إرسال كمية قابلة للاكتشاف إلى الأرض لأول مرة. وتخطط الصين واليابان للقيام بالشيء نفسه بحلول عامي 2028 و2025 على التوالي.
يقول «مارتن سولتو»، الشريك المؤسس والرئيس التنفيذي المشارك لشركة سبيس سولار: «أنا متفائل جداً بالفعل. هناك روبوتات أكثر تعقيداً في الفضاء حالياً، مثل مركبة المريخ الجوالة – ولا نحتاج إلى أي شيء معقد مثل ذلك».
تتمثل فكرة الطاقة الشمسية الفضائية في جمع طاقة الشمس بعيداً عن تقلبات أنظمة الطقس على كوكبنا، وعلى ارتفاع يجعل الألواح الشمسية ترى الشمس بشكل شبه دائم دون انقطاع.
وسيتم تحويل الطاقة التي تجمعها هذه الألواح الشمسية إلى موجات راديو (أو، في بعض الحالات، إلى أشعة ليزر) وإرسالها إلى محطة استقبال على الأرض، باستخدام مفهوم نقل الطاقة اللاسلكي، حيث يتم تحويل موجات الراديو بدورها إلى كهرباء.
في بعض النماذج، سيعمل الجهاز ببساطة كمرآة عملاقة، تعكس أشعة الشمس إلى الألواح الشمسية على سطح الكوكب، ما يسمح لها بتحويل الطاقة إلى كهرباء قبل أن تضربها الشمس مباشرة في الصباح أو عند الغروب.
هذه الهياكل التي تجمع ضوء الشمس ستكون غير قابلة للمقارنة من حيث الحجم مع أي شيء حالياً في المدار، فهي أكبر بثلاثة آلاف مرة من مساحة محطة الفضاء الدولية، وفقاً لدراسة أجرتها ناسا على تصاميم مبتكرة.
الواقع أن التكلفة هي العقبة الأكبر. وجدت دراسة «ناسا» أن الطاقة الشمسية الفضائية قد تكون أغلى من البدائل الأرضية بمقدار 12 إلى 80 مرة. ولكن التقرير يقول إنه كان عليه أن يضع افتراضات لأن التكنولوجيا جديدة للغاية.
تقول «إيريكا رودجرز»، مديرة البرامج المتقدمة في مكتب التكنولوجيا والسياسة والاستراتيجية التابع لناسا، والمؤلفة الرئيسة للتقرير: «وجدنا أن التكلفة التي تهيمن عليها بشكل رئيس تكاليف الإطلاق والتصنيع».
فيما يتعلق بتكاليف الإطلاق، جاءت دفعة في منتصف أكتوبر مع الرحلة التجريبية الخامسة لمركبة «ستارشيب» التابعة لشركة «سبيس إكس»، وهي أقوى صاروخ تم بناؤه على الإطلاق. في إنجاز عالمي، وصلت وحدة التعزيز إلى حافة الفضاء، ثم هبطت ليتم التقاطها بواسطة ذراعين فولاذيتين عند برج منصة الإطلاق.
وكانت محاولة مماثلة في نوفمبر أقل نجاحاً، لكن صواريخ «فالكون» الأصغر التابعة لشركة «سبيس إكس» أظهرت بالفعل إمكانية إعادة الاستخدام. ومع ذلك، فإن هذه الصواريخ تهبط على منصات في البحر، وتحتاج إلى سحبها إلى اليابسة، وإعادة تأهيلها على مدى أسابيع. أما طموح مركبة «ستارشيب» بإعادة الإطلاق خلال ساعات، إلى جانب قدرتها الهائلة، فقد يساهم بشكل كبير في تقليل تكلفة الوصول إلى الفضاء.
إحدى المخاوف التي يشير إليها بعض النقاد هي مستوى انبعاثات غازات الدفيئة المسببة للاحتباس الحراري، والناتجة عن وضع نظام الطاقة الشمسية الفضائية في المدار. لكن تقرير ناسا خلص إلى أن الانبعاثات لكل وحدة كهرباء يتم إنتاجها ستكون على الأرجح مماثلة لتلك الناتجة عن بناء أنظمة الطاقة النظيفة الأرضية.
وعلى الرغم من أنها ستكون مكلفة، فإن قدرات الطاقة الشمسية الفضائية قد تخفف من التكلفة.
على سبيل المثال، قد يضطر موقع تعدين ناءٍ بعيد عن أي شبكة كهربائية إلى دفع تكلفة أعلى بكثير من المتوسط للحصول على الطاقة. في هذه الحالة، قد يكون بناء محطة استقبال للطاقة الشمسية الفضائية أرخص من دفع تكلفة البنية التحتية للاتصال بالشبكة، أو توليد الطاقة الخاصة بها.
وبالمثل، في أعقاب كارثة طبيعية، حيث تتعرض الشبكة الكهربائية لأضرار كارثية، يمكن شحن محطات استقبال مؤقتة للحصول على الطاقة من منشآت الطاقة الشمسية الفضائية.
لكن حتى إذا كانت التكلفة مقبولة وتطورت التكنولوجيا بسلاسة، لا تزال هناك قضايا تثير القلق. فوضع لوائح ومعايير دولية سيكون أمرا بالغ الأهمية لعدة أسباب. أحد هذه الأسباب هو ضمان التوافق التشغيلي «بحيث يمكن لدولة في أفريقيا، على سبيل المثال، بناء هوائي وهي تعلم أنه مصمم، وفقاً للمعايير، بحيث يمكنه استقبال الطاقة من أي قمر صناعي للطاقة الشمسية».
وتشمل المخاوف الأخرى ما إذا كان إرسال الطاقة إلى الأرض سيتسبب في تداخل مع الاتصالات، على سبيل المثال، أو الإضرار بصحة الإنسان.
جيسون تومسون
صحفي متخصص في العلوم والبيئة
ينشر بترتيب خاص مع خدمة «كريستيان ساينس مونيتور»