في عالم تتشابك فيه التحديات وتتقاطع المصالح يصبح البحث عن حلول جذرية ومستدامة ضرورة ملحّة. وتتسارع التوجهات العالمية اليوم لمواجهة أزمات مركّبة ومتداخلة بدءاً من الأمن والسلام العالمي مروراً بالأزمات الاقتصادية والإنسانية وصولاً إلى المخاطر البيئية والتغير المناخي.

وفي هذا السياق تأتي مخرجات «مؤتمر السياسات العالمي»، لتعكس رؤية عميقة تستجيب لهذه التوجهات وتُقدم قراءة دقيقة للواقع ومستقبل النظام العالمي والإقليمي. لم يعد الحديث عن أزمات محدودة النطاق أو ذات تأثير محلي أمراً مقبولاً في عصر العولمة، فالعالم يشهد تحوّلات تُلقي بظلالها على جميع دوله سواء في الشرق أو الغرب أو الشمال أو الجنوب.

تتعدد هذه التحديات بين صراعات جيوسياسية تمتد لأعوام وأزمات اقتصادية تضغط على الاقتصادات الكبرى والصاعدة على حدٍّ سواء فضلاً عن المخاطر البيئية التي تهدد مستقبل البشرية ككل. إن البحث عن حلول جذرية لهذه التحديات لم يعد خياراً إضافياً، بل أصبح مسؤولية مشتركة تفرض نفسها على الساحة الدولية. مخرجات مؤتمر السياسات العالمي جاءت منسجمة مع هذه الرؤية حيث وضعت القضايا الأكثر إلحاحاً على طاولة النقاش وتناولت التحديات التي تمر بها المنطقة العربية والشرق الأوسط باعتبارها محوراً أساسياً في رسم مستقبل العالم.

يرتكز الاستقرار العالمي اليوم على تحقيق الأمن والسلام وهي قضايا لا تزال غائبة عن أجزاء واسعة من العالم، خاصة في منطقة الشرق الأوسط. وتُظهر النزاعات الممتدة أن الحلول الجزئية أو المؤقتة لم تعد تُجدي نفعاً، بل قد تزيد من تعقيد الأزمات، هنا تُبرز الحاجة إلى حلول جذرية تقوم على الحوار والشراكة بعيداً عن لغة التصعيد والعنف.

مخرجات المؤتمر أكدت أن السلام المستدام لا يمكن تحقيقه إلا عبر التكاتف الدولي والابتعاد عن السياسات التي تُعمق الفجوة بين الشعوب والدول، ويأتي ذلك متناغماً مع التوجه العالمي الذي تتبناه الأمم المتحدة والمنظمات الدولية، والذي يرى في الحوار والدبلوماسية أساساً لحل النزاعات.

واستضافة الإمارات لهذا المؤتمر تعكس التزامها بمسؤوليتها العالمية في ترسيخ هذه المبادئ ودورها المحوري في بناء جسور الحوار وتعزيز التفاهم المشترك. والاقتصاد العالمي اليوم يمر بمرحلة دقيقة، إذ تفرض التحولات الجيوسياسية والتحديات التنموية ضغوطاً كبيرة على الدول، وترتبط الأزمات الاقتصادية بتشابكات معقدة سواء في مجال سلاسل الإمداد العالمية أو الأمن الغذائي أو الفقر. التوجه العالمي نحو التنمية المستدامة كما حددته أجندة الأمم المتحدة 2030 يُعدّ خطوة رئيسة لمعالجة هذه الأزمات.

«مؤتمر السياسات العالمي» تناول الأبعاد الاقتصادية للأزمات الحالية مؤكداً ضرورة إيجاد حلول تعاونية تقوم على التكامل الاقتصادي والشمولية، إن المنطقة العربية على وجه الخصوص بحاجة إلى آليات تضمن استقرارها الاقتصادي وتُسهم في خلق فرص تنموية تضع حداً للفقر والبطالة وتفتح آفاقاً جديدة للشباب.

التغير المناخي اليوم ليس مجرد قضية بيئية، بل تهديد وجودي للإنسانية تكشف الكوارث الطبيعية المتزايدة عن هشاشة النظم البيئية في مواجهة التغيرات المناخية، التوجه العالمي في هذا السياق، يركز المؤتمر على استدامة الموارد، والانتقال إلى الطاقة النظيفة والتخفيف من الانبعاثات الكربونية. مخرجات المؤتمر جاءت داعمة لهذه الرؤية مؤكدة على ضرورة التكاتف العالمي لمعالجة آثار التغير المناخي.

والإمارات من خلال استضافتها للمؤتمر تضع نفسها في طليعة الدول التي تُسهم في قيادة الجهود الدولية لتحقيق التوازن البيئي وضمان مستقبل مستدام للأجيال القادمة.

التحديات التي تواجه العالم والمنطقة العربية اليوم تفرض ضرورة البحث عن حلول جذرية تتجاوز المعالجات السطحية والوقتية. والتوجه العالمي يتطلب رؤية شاملة تدمج بين الأبعاد الأمنية الاقتصادية البيئية والإنسانية وتعتمد على التعاون الدولي القائم على الشراكة والاحترام المتبادل.

وفي هذا السياق، أكد «مؤتمر السياسات العالمي» أن منطقة الشرق الأوسط تحتاج إلى حلول تعالج جذور الأزمات لا نتائجها فقط، فاستمرار النزاعات، وضعف التنمية الاقتصادية، وتفاقم الأزمات الإنسانية لن يُسهم إلا في زيادة عدم الاستقرار العالمي. وتتجلى الرؤية الإماراتية بوضوح في هذا المؤتمر، حيث تُقدّم دولة الإمارات نموذجاً للدولة التي تتحمل مسؤوليتها تجاه العالم، وتسعى إلى دعم الجهود الدولية لإحلال السلام والاستقرار.

ومن خلال استضافة المؤتمر، تعكس الإمارات دورها كجسر للحوار ومركز عالمي لصياغة الأفكار والحلول التي تتماشى مع التوجهات العالمية. الدور الإنساني لدولة الإمارات وحرصها على إيصال المساعدات إلى المحتاجين في مختلف بقاع العالم يُجسّد التزامها بمسؤوليتها العالمية، كما أن جهودها في مجالات الطاقة النظيفة والاستدامة تُسهم بفعالية في مواجهة التغير المناخي وتعكس فلسفة إماراتية متجذرة في بناء مستقبل أفضل للبشرية.

لقد نجح «مؤتمر السياسات العالمي» في إعادة التأكيد على أن العالم بكل تحدياته وتعقيداته يحتاج إلى حلول جذرية تُبنى على الحوار والشراكة. مخرجات المؤتمر تتماشى مع التوجهات العالمية التي تسعى إلى تحقيق السلام والتنمية المستدامة والتصدي للتغير المناخي. وفي هذا العالم المتشابك، تبقى الحاجة ماسة إلى دول فاعلة تُسهم في قيادة هذه الجهود وهو ما تقوم به دولة الإمارات بجدارة واقتدار.

دور الإمارات في تعزيز الاستقرار العالمي يؤكد أنها ليست مجرد مشارك في المشهد الدولي، بل هي شريك رئيس في صياغة مستقبل يعمه السلام والازدهار، إننا في ظل هذه التحديات نحتاج إلى رؤية عالمية جديدة، رؤية تضع الإنسان والأرض في قلب السياسات، وتُقدّم حلولاً واقعية تُحقق الاستقرار والتنمية للجميع.. هنا يُصبح «مؤتمر السياسات العالمي» خطوة مهمة في مسيرة العالم نحو مستقبل أكثر أمناً واستدامة.

*لواء ركن طيار متقاعد.