لديّ قاعدة بسيطة فيما يتعلق بتقييم احتمالات عدم الاستقرار في بلدان الشرق الأوسط. فهذه البلدان تأتي في نوعين فقط: بلدان تنهار من الداخل وبلدان تنفجر، أي بلدان تسقط أعمدتها الضعيفة والمدمَّرة داخل حدودها حينما تنهار فيها السيطرة المركزية، وبلدان تمتد تداعيات الانفجار فيها وكل الشظايا السياسية التي يقذف بها إلى أبعد مدى في المنطقة حينما تنهار فيها السيطرة المركزية. 
ويمكن القول إنه لا يوجد بلد في الشرق الأوسط ينفجر أكثر من سوريا. ذلك أن ما يحدث في سوريا لن يبقى في سوريا.
وذلك لأن سوريا هي بمثابة حجر الزاوية ونموذج مصغر لكل منطقة الشرق الأوسط. وباعتبارها حجر الزاوية، فبمجرد أن تنهار فإن آثار الانهيار ستذهب في كل الاتجاهات. 
وباعتبارها نموذجاً مصغراً – تضم سوريا السُنة والشيعة والعلويين والأكراد والمسيحيين والدروز -- فإنه كلما خفّت السيطرة المركزية في البلاد، يشكّل ذلك مصدراً لانعدام الأمن بالنسبة لكل طائفة، ولهذا، فإن هذه الطوائف غالباً ما تلجأ إلى الخارج طلباً للمساعدة. ولكنه يمثّل أيضاً مصدر فرصة لكل قوة إقليمية، ولذلك، فإن هذه القوى الإقليمية غالباً ما تسعى إلى دفع سوريا في اتجاهها. وتاريخياً، كان إبقاء سوريا تحت السيطرة في الداخل وردع القوى الإقليمية التي تريد السيطرة عليها من الخارج يتطلب قائداً ذا قبضة حديدية في دمشق.
غير أنه بالنظر إلى مركزية سوريا، فإن التغيير الإيجابي هناك يمكن أن يمتد في جميع الاتجاهات. وهذا يقودني إلى الغرض من هذا المقال: رسالة إلى وزير الخارجية المعين ماركو روبيو: ربما لم تدرك ذلك بعد، غير أنه إذا تم تثبيتك في المنصب، فإن أول تحدٍ كبير ستواجهه بصفتك أكبر دبلوماسيي الرئيس دونالد ترامب ربما هو إقناعه بالتخلي عن كل الخطابات الانعزالية التي اشتهر بها، وذلك حتى تستطيع المساعدة على – هل أجرؤ على قول ذلك -- بناء الدولة في سوريا. 
ذلك أن إسقاط الرئيس بشار الأسد على يد الثوار السوريين يمثِّل أحد أكبر الأحداث التي قد تكون الأكثر إيجابية وتأثيراً في الشرق الأوسط خلال السنوات الـ45 الماضية. غير أن مشكلة الفرص في السياسة الخارجية هو أنها قد تأتي بشكل مفاجئ -- والرؤساء العظماء هم الذين يغتنمونها، حتى وإن كان ذلك يعني اعتراف المرء بخطئه في التقدير وعدوله عن موقفه السابق. 
السؤال الكبير الذي يشغل بالي الآن هو: هل سيحظى الشرق الأوسط بفرصة أخرى لظهور حكومة تعددية توافقية في عاصمة عربية أخرى -- دمشق – ولكنها حكومة مدفوعة هذه المرة من قبل شعبها وليس من قبل أي قوة أجنبية؟ الواقع أنه إذا استطاع السوريون خلال السنوات القادمة النجاح من الأسفل إلى الأعلى ليعيشوا معاً في مجتمع تعددي كمواطنين، وليس كطوائف فقط، يجمعهم التراضي الطوعي وليس القبضة الحديدية لديكتاتور، فإن تأثيرات ذلك وتداعياته ستمتد إلى العراق ولبنان وإيران وليبيا والسودان – إلى كل مكان. 
وسيمثّل ذلك الحدثَ الأكثر إيجابية في الشرق الأوسط منذ أن ركب أنور السادات الطائرة وذهب إلى إسرائيل من أجل صنع السلام في عام 1977 -- وأحد أهم الأحداث في السياسة العربية الحديثة. 
والواقع أنني لستُ في حاجة إلى أي دروس أو محاضرات حول مدى ضعف احتمال حدوث ذلك. فقد عايشتُ الحرب الأهلية اللبنانية لأكثر من 4 سنوات وكتبتُ مكثفاً من العراق. صحيح أن نهاية سعيدة في سوريا تظل نتيجة احتمالات تحققها ضئيلة، ولكنها تَعد بمردود هائل للشعب السوري والمنطقة برمتها. وخلافاً للغزو الأميركي للعراق، فإن محاولة المساعدة لن تكلِّف الولايات المتحدة وحلفاءها الكثير من المال أو الكثير من القوات.
بيد أن ذلك لن يحدث بدون مساعدة وقيادة أميركيتين ودبلوماسية متسقة وحازمة، ومستعدة لمواجهة خطر الفشل، ومستعدة لفهم أن الإهمال قد يكون مكلفاً جداً بالنسبة لحلفائنا. ذلك أن التنافس داخل سوريا -- وعلى سوريا من قبل الأطراف الخارجية – سينتشر عبر المنطقة بأسرها. وسيشكّل حرباً أبديةً ستفسح الطريق لظهور تنظيم «داعش» من جديد، وقد يشكل خطراً على استقرار النظام الديمقراطي الهش في العراق والنظام الملكي في الأردن، وسيجر إسرائيل إلى داخل سوريا -- ما يعني أن 7 ملايين يهودي سيسيطرون على كل قطاع غزة، وأجزاء من كل من لبنان وسوريا، بالإضافة إلى إسرائيل والضفة الغربية. وبذلك ستصبح إسرائيل منهكة تماماً وستحتاج إلى مليارات إضافية من المساعدات الأميركية. 
وكما كتب أحد الكتاب الاقتصاديين إن «فاتورة إعادة الإعمار في سوريا قد تصل بسهولة إلى 7 أضعاف حجم الاقتصاد السوري بأكمله، وسيتطلب العمل نفسه الخبرةَ التقنية التي لا يمكن أن توفّرها سوى دول قليلة... ولكن المشكلة أن سوريا مفلسة، وترامب من المستبعد أن يقدّم لها أموال مساعدات مهمة. كما أنها تخضع لعقوبات غربية سيتعين على ترامب رفعها. ولكي تتعافى سوريا وتعيد الإعمار، يجب أن تصطف النجوم على نحو مثالي في كوكبة تشمل كلاً من القيادة الجيدة، والوحدة الوطنية، والنوايا الحسنة الدولية».
وخلاصة القول إن ترامب يمكنه أن يختار الابتعاد عن سوريا، مثلما حاول أن يفعل من قبل حينما كان رئيساً، ومشاهدة الشرق الأوسط يتفكك تماماً، وأن يكتفي بقول ما قاله نائب الرئيس المنتخب جيه دي فانس ذات مرة عن أوكرانيا: «لا يهمني حقاً ما يحدث».
أو يمكن لترامب أن يعترف بأن الطريقة الوحيدة التي يمكننا أن نساعد بها في دفع سوريا في اتجاه إيجابي وبثمن مقبول هي عبر بناء تحالف مع حلفائنا في الناتو واليابان وكوريا وأستراليا -- وربما حتى الصين والهند -- يسعى إلى منح الانتفاضة السورية أفضل فرصة ممكنة للنجاح. 
لقد انسحب الرئيس جو بايدن من أفغانستان بعد فترة وجيزة من تولّيه الرئاسة، وكان ذلك قبيحاً بالنسبة له ومحزناً بالنسبة للأفغان. ولكن سوريا ليست أفغانستان.
ذلك أن أفغانستان تنهار من الداخل. أما سوريا، فإنها تنفجر. 

ينشر بترتيب خاص مع خدمة «نيويورك تايمز»