كانت الإطاحة السريعة بالنظام السوري، والتي تخللها خروج الرئيس بشار الأسد إلى موسكو، بمثابة مفاجأة لمسؤولي الجيش الأميركي. وقال وزير الدفاع لويد أوستن يوم الاثنين: «أعتقد أن الجميع توقعوا رؤية مقاومة أكثر صرامة من جانب قوات الأسد»، وذلك للحيلولة دون تسليم السلطة لجماعة المتمردين السوريين السنّة («هيئة تحرير الشام»). وأضاف أوستن أن البنتاجون يراقب الآن عن كثب ما إذا كانت جيوب مقاتلي تنظيم «داعش»، الذين سيطروا على 34000 ميل مربع، ومليوني شخص في ذروة صراعهم قبل عقد من الزمان، ستحاول «استغلال هذه الفرصة واستعادة وضعها السابق».
وفي الوقت نفسه، تحاول الولايات المتحدة تحديد الفرص في ظل هذا الوضع الفوضوي. ومع سعيها للحفاظ على وجود قوي بين قِوى عالمية تعمل في سوريا، تحاول القوات الأميركية حماية الحلفاء المعرَّضين للخطر، وتوجيه ضربات قوية لتنظيم «داعش» تمنعه من إعادة تشكيل نفسه.
وللقيام بذلك، تمتلك الولايات المتحدة نحو 900 جندي في سوريا، لكن أوقات الانتقال السياسي تكون محفوفة بالمخاطر، وهذه القوات تواجه خطراً الآن مع انهيار الحكومة السورية، وفقاً للمحللين.
ولتسليط الضوء على هذه المخاوف، وربما تهدئتها، أعلنت القيادة المركزية الأميركية، التي تدير العمليات العسكرية للبنتاجون في سوريا، أنها نفذت «عشرات» الضربات الجوية ضد عناصر ومعسكرات تدريب تابعة لـ«داعش»، الاثنين الماضي.
وقال وزير الدفاع الإسرائيلي يسرائيل كاتس إن البحرية السورية تم تدميرها «لمنع وقوعها في أيدي المتطرفين». وكانت هذه إحدى مئات الضربات الجوية التي نفذتها الطائرات الحربية الإسرائيلية منذ سيطرة المعارضة السورية المسلحة على السلطة.
وما يزال خبراء الاستخبارات يقيّمون نتائج هذه الضربات التي شملت بالنسبة للولايات المتحدة قاذفات أميركية من طراز بي-52، وطائرات مقاتلة من طراز إف-15، وطائرات هجومية من طراز إيه-10.. و«أتوقع أن نجد بأننا نجحنا إلى حد كبير»، كما قال وزير الدفاع أوستن.
يقول العقيد المتقاعد «مارك كانسيان»، وهو مستشار كبير في وزارة الدفاع والأمن وباحث في مركز الدراسات الاستراتيجية والدولية، إن انهيار الدفاعات الجوية السورية والروسية يعني أن الولايات المتحدة وحلفاءها «لا يحتاجون إلى الاستعدادات المعقدة والتدابير المضادة التي كانت مطلوبة من قبل».
وتتمركز القوات الأميركية في شمال شرق سوريا، بينما يدور القتال الذي تقوده هيئة تحرير الشام بشكل رئيس في غرب وجنوب غرب البلاد. ومع توطيد جماعة «هيئة تحرير الشام» سيطرتها، فقد تواجه هذه الجماعة القوات الأميركية في النهاية، كما يتوقع العقيد كانسيان.
وحتى الآن، لم تتواصل القوات الأميركية مباشرة مع «هيئة تحرير الشام»، لكن لديها معها «قنوات للتواصل ونقل الرسائل»، وفقاً للمتحدثة باسم البنتاجون «سابرينا سينج». وتركز وزارة الدفاع الأميركية على المساعدة في ضمان عدم وقوع الأسلحة الكيميائية التي كان ينتجها نظام الأسد «في أيدي أي جهة قد ترغب في استخدامها ضد المدنيين، أو ضد شركائنا في المنطقة»، بحسب سينج التي أضافت: «لدينا خبرة في هذه القضية».
وكان الجيش الأميركي يراقب تصعيد الأعمال العدائية من قبل «داعش» الصيف الماضي. وقد ضاعف التنظيم الإرهابي هجماتِه ضد القوات الأميركية والقوات المتحالفة لتصل إلى 153 هجمة في العراق وسوريا بين عامي 2023 و2024. وحذّر مسؤولون في القيادة المركزية الأميركية من أن «داعش يحاول بناء نفسه مرة أخرى» بعد هزيمته في عام 2017.
وقدّم القادة موجزاً ​​لاستجابة الجيش الأميركي: نفذت «مهمة هزيمة داعش» 59 عملية مع «قوات سوريا الديمقراطية» بقيادة الأكراد في النصف الأول من عام 2024، مما أسفر عن مقتل 14 من عناصر التنظيم الإرهابي واعتقال 92.
وفي الوقت الحالي، هناك قرابة 2500 مقاتل من «داعش» ما زالوا «طليقين» في جميع أنحاء العراق وسوريا، وفقاً للقيادة المركزية. القوات الأميركية في سوريا مكلفة باستئصال الإرهابيين، وبمساعدة «قوات سوريا الديمقراطية» في حماية حقول النفط في الشمال الشرقي السوري، وهي مهمة أسندها الرئيس دونالد ترمب لهذه القوات لأول مرة في عام 2019.
وفي حينها وصف المنتقدون تلك الخطوة بأنها محاولة أميركية للاستيلاء على الثروة النفطية السورية، زاعمين أن احتمال حصول الشركات الأميركية على عائدات النفط ساعد في ثني ترامب عن الانسحاب الكامل للقوات الأميركية من سوريا.
واليوم، تُعَد أموال حقول النفط والسيطرة عليها سبباً رئيساً في تمكين الأكراد من حكم جزء كبير من شمال شرق سوريا. وهذا لا يرضي القادة الأتراك الذين يقولون إن «الإرهابيين الأكراد» يستخدمون المنطقة للتخطيط لهجمات ضد تركيا.
وحتى الآن، وفرت القوات الأميركية على الأرض الحمايةَ للأكراد، ما مثَّل بشكل فعلي «خط دفاع أول» يمنع تركيا من مهاجمة حلفاء أميركا الأكراد، وفقاً لستيفن سايمون، الباحث البارز في معهد كوينسي للحكم المسؤول.
وكان الأكراد رفاقَ سلاح رئيسيين في الحرب الأميركية ضد تنظيمي «داعش»، و«القاعدة» في العراق. وما يحدث لهم يهم العديد من قدامى المحاربين الأميركيين في هذه الحروب وغيرها.
عندما استغلت تركيا الفوضى التي أحدثها انهيار نظام الأسد لإطلاق النار على القوات الكردية في 7 ديسمبر، ما أسفر عن مقتل ما لا يقل عن 22 عنصراً من «قوات سوريا الديمقراطية»، اتصل وزير الدفاع أوستن بنظيره التركي، واتفقا على ضرورة «منع المزيد من التصعيد في وضع متقلب، وكذلك تجنب أي خطر على القوات الأميركية وشركائها»، وفقاً لملخص المكالمة من البنتاجون.
لكن من غير الواضح ما إذا كان الأكراد سيحظون بنفس الدعم الذي حظوا به خلال إدارة ترامب السابقة. فقد قال رئيس لجنة الاستخبارات في مجلس النواب مايك تيرنر («جمهوري» من أوهايو)، لشبكة «سي بي إس نيوز»، الأحد الماضي: «إن ترامب يدعم الأكراد بشكل مطلق».
وفي الوقت نفسه، سيشرع الرئيس المنتخب في «تقييم ما إذا كان ينبغي للقوات الأميركية البقاء في سوريا أم لا»، و«توضيح.. أن أي تهديد للقوات الأميركية سيتم الرد عليه بشكل لا يصدق»، كما قال النائب تيرنر.
في الوقت الحالي، تقع على عاتق القوات الأميركية مهمة مساعدة «قوات سوريا الديمقراطية» في حراسة 9000 سجين من «داعش» ما زالوا في مراكز الاحتجاز السورية، إلى جانب 43000 نازح ينتظرون العودة من المخيمات في الشمال الشرقي.
وفي الجوار، يقول مسؤولون عسكريون إن الانسحاب الوشيك للقوات الأميركية من العراق شجع الهجمات على القوات الأميركية في سوريا. ويضيفون أن الهدف من ذلك هو الضغط على أميركا لمغادرة سوريا إلى الأبد.

ينشر بترتيب خاص مع خدمة «كريستيان ساينس مونيتور»