شكّل الانهيار الاستثنائي لنظام الأسد، خلال عطلة نهاية الأسبوع الماضي، انتصاراً تاريخياً للشعب السوري الذي عانى لأكثر من نصف قرن.. ومما لا شك فيه أنه سيطرح تحديات ويخلق فرصاً للولايات المتحدة وحلفائها في الشرق الأوسط وخارجه.
ويُعد فهم الأسباب التي أدت إلى انهيار النظام أساسياً لإعادة توحيد البلاد وتحقيق الأهداف التي ظلت عصية على الإدارات الأميركية المتعاقبة: أي قطع قدرة إيران على استعراض قوتها عبر سوريا إلى لبنان وإسرائيل، وإنهاء النشر الطويل للقوات الأميركية في سوريا وإعادتها إلى الوطن.
السبب الرئيسي لسقوط الرئيس بشار الأسد كان تصلب حكومته وعدم رغبتها في مواكبة المجتمع السوري الذي يتغير بسرعة. فبعد وصوله إلى السلطة عام 2000 عقب وفاة والده حافظ الأسد، وعد الأسد بإصلاح واحد من أكثر الأنظمة تسلطاً في العالم. وحثّ السوريين على احترام آراء بعضهم البعض وتعهد بإجراء إصلاحات داخلية لاستيعاب موجات كبيرة من الشباب السوري. ونتيجة لهذه التعهدات المشجعة، تودد رؤساء وملوك إلى الأسد، بهدف تحقيق السلام العربي الإسرائيلي وكسر تحالف سوريا الطويل مع إيران.
وفي الوقت نفسه، لم يتغير الكثير في سوريا. فإذا كان النظام قد أبدى تسامحاً مع بعض أقسام المعارضة في السنة الأولى من حكم الأسد، فإن ما تلا ذلك كان عملية إصلاح شكلية يلفّها كثير من الغموض من أجل تعبيد الطريق للتجارة وأنشطة أخرى في سوريا، ولكن لم يكن لها أي أساس قانوني. فأُجبر السوريون على دفع الرشاوى لمسؤولي النظام، ما جعله واحدة من أكثر البيئات التجارية فساداً في العالم. كما واصلت الدولة اعتقال المعارضين، واستمر القمع طوال الفترة المتبقية من حكم الأسد الذي عمته الفوضى، بينما انهار الاقتصاد، مما تسبب في سقوط الغالبية العظمى من السكان في براثن الفقر. 
وبالنسبة لأولئك الذين تعاملوا مع آل الأسد، كان ذلك تجربة محيرة. ذلك أنه في الاجتماعات التي كانت تعقد معهم، كانوا يعدون بإصلاحات في السياسات السورية الداخلية والدولية، مطالبين في الوقت نفسه بالصبر لتنفيذ الإصلاحات. وكان يبدو أنه طلب معقول، نظراً للمهمة الشاقة المتمثلة في إصلاح دولة تتبع التخطيط المركزي وكانت تدور في فلك الاتحاد السوفييتي. 
لكن بعد ذلك بوقت قصير، حدث شيء أرخى بظلال من الشك على وعود عائلة الأسد. ذلك أنه في ربيع 2010، اعتقد المفاوضون الأميركيون أنهم حصلوا على موافقة الأسد على اتفاق سلام مع إسرائيل يعيد مرتفعات الجولان إلى السيطرة السورية مقابل إبعاد الأسد لسوريا عن إيران وقطع خطوط إمداداتها إلى «حزب الله» في لبنان. ولكن بدلاً من ذلك، أظهرت صور الأقمار الاصطناعية في ذلك الوقت أن الجيش السوري ربما كان يدرِّب عناصر من «حزب الله» على كيفية استخدام صواريخ «سكود» - وهي أسلحة استراتيجية قادرة على حمل شحنات تقليدية وكيميائية ولديها القدرة على تدمير أجزاء كبيرة من المدن الإسرائيلية - في إحدى القواعد السورية. 
إضعاف إسرائيل للقدرات العسكرية الإيرانية في سوريا ولبنان في أعقاب هجوم «حماس» في 7 أكتوبر 2023 كان عاملاً آخر حاسماً. فعلى مدى العام الماضي، تكثَّف القصف الإسرائيلي لمخازن الأسلحة الإيرانية في الأراضي السورية، ثم تكثَّف أكثر خلال الشهرين الماضيين، حين ضربت إسرائيل أهدافاً إيرانية في مناطق بعيدة ومختلفة من سوريا.
وفي لبنان المجاور، دمّرت إسرائيل الكثير من قدرات «حزب الله» العسكرية وقيادته، بما في ذلك قتل زعيمه حسن نصر الله. وخلافاً لما حدث في 2012، حينما هبّ «حزب الله» لنجدة الأسد في مواجهة المتمردين الذين كانوا يحرزون تقدماً سريعاً على الأرض، لم يكن لدى «حزب الله» سوى القليل من القوات المتاحة للمساعدة في صد الهجوم المباغت الذي قادته «هيئة تحرير الشام»، مجموعة المعارضة الإسلامية السنية التي ساعدت في الإطاحة بالأسد خلال عطلة نهاية الأسبوع الماضي.
ولعل العامل الأقل فهماً من قبل الجمهور في السقوط السريع للنظام السوري هو سخط موسكو الهادئ. ففي العلن، دعمت روسيا الرئيس السوري إلى أقصى الحدود، وعرقلت قرارات غربية متكررة في الأمم المتحدة تتعلق بالمساعدات الإنسانية والتحقيقات في استمرار نظامه المشتبه فيه في استخدام الأسلحة الكيميائية. وعلى مر السنوات، قصفت الطائرات الروسية المتمركزة في سوريا قوات المعارضة المسلحة.
لكن خلف الكواليس، كان المندوبون الروس محبطين من رفض الأسد تقديم تنازلات على طاولة المفاوضات من شأنها أن تدعم سياسياً ما استطاعت روسيا وإيران استعادته في ساحة المعركة. وحينما بدأت دول المنطقة التعامل مع الأسد من جديد بخصوص تسوية في سوريا، طالب باستسلام كامل مقدماً على شكل انسحاب للقوات التركية، وإقناع الولايات المتحدة بالموافقة على إنهاء العقوبات. وحينما سقطت حلب في يد «هيئة تحرير الشام» قبل 10 أيام، اختارت موسكو، التي حوّلت مواردها إلى الحرب في أوكرانيا وضاقت ذرعاً بالأسد، الإحجام عن قصف «هيئة تحرير الشام» وأنصارها في إدلب، كما فعلت في الماضي.
الآن ومع سيطرة «هيئة تحرير الشام» وغيرها من قوات المعارضة السورية الآن على العاصمة السورية، ومع تنافس الدول الإقليمية على النفوذ فيها، يجب على الولايات المتحدة وشركائها العرب العمل على ضمان التزام المجتمع الدولي مجدداً بتنفيذ قرار مجلس الأمن الدولي رقم 2254 الصادر عام 2015، والذي يحدد شروط وقف إطلاق النار والحكومة الانتقالية والانتخابات الوطنية، ذلك أن هذا هو المسار الوحيد الذي يمكن أن ينتج عنه شكل ديمقراطي وتمثيلي للحكومة في سوريا لأول مرة منذ عقود - وهو ليس بالأمر الهيّن في بلد شهد انعدام الاستقرار منذ تأسيسه.

آندرو تابلر

مدير سوريا السابق في مجلس الأمن القومي الأميركي

ينشر بترتيب خاص مع خدمة «نيويورك تايمز»