في حين أن هناك إجماعاً عالمياً متزايداً على الحاجة الملحة لمكافحة التغير المناخي، إلا أن المجتمع الدولي لم يدرك بعد تماماً الضرر الذي لا يمكن إصلاحه، والذي يُلحقه تغير المناخ بإحدى أكثر الأدوات فعالية المتاحة للإنسانية لمكافحته: التعليم. فجدول أعمال السياسة المناخية لا يزال يهمل التعليم، حيث يُشكّل هذا الأخير أقل من 1.3 في المئة من المساعدات الإنمائية الرسمية المرتبطة بالمناخ المقدّمة عام 2020 وهو مذكور في أقل من 1 من كل 3 خطط وطنية للحد من الانبعاثات والتكيف مع آثار التغير المناخي. في مؤتمر الأطراف الثامن والعشرين، بقيادة الإمارات العربية المتحدة، احتلّ التعلم الصدارة.. لطالما كان التعليم أساسياً لتكيّف البشرية وبقائها على قيد الحياة، إذ يمكن للمدارس أن تكون ملاذاً آمناً يحمي الأطفال وعائلاتهم خلال الظواهر المناخية القاسية.

والمدرسة هي المكان الذي يتعلّم فيه الأطفال كيف تؤثّر أفعالهم وخياراتهم اليومية على البيئة. وهي أيضاً المكان الذي يطوّرون فيه المهارات التي ستساعد العالم على الانتقال إلى اقتصاد صديق أكثر للبيئة وأكثر ازدهاراً إذ تزيد سنة إضافية من التعليم الوعي المناخي بنسبة 8.6%.

بالفعل، تُغيّر المدارس السلوكيات، وتنمّي المهارات، وتحفّز الابتكار. وكل هذه الأمور ضرورية لمكافحة التهديد القاتل الذي تواجهه الإنسانية. ولكنّ تغير المناخ بات يُضعف هذه الأدوات. فحالياً، يعيش حوالي نصف أطفال العالم البالغ عددهم 2.2 مليار في البلدان المعرضة أكثر من غيرها في العالم إلى التغير المناخي.

وتتأثر الفتيات بشكل غير متناسب بهذه الظاهرة: فمن المتوقع أن تمنع الظواهر المناخية الحادة ما لا يقل عن 12.5 مليون فتاة من إتمام تعليمهنّ كلّ سنة. ووجدت دراسة أجرتها جامعة بلجيكية أنه في المتوسط، من المتوقع أن يتعرض طفل ولد عام 2020 إلى ضعف عدد حرائق الغابات، وثلاثة أضعاف عدد الفيضانات، وحوالي سبعة أضعاف عدد موجات الحر خلال حياته، مقارنة بشخص ولد عام 1960. كما يجعل تغير المناخ موجات الحر أطول، وأكثر حدة، أكثر تكراراً، ما يعرقل التعليم لملايين الأطفال حول العالم.

ومن المتوقع أن يشعر الأطفال في البلدان المنخفضة والمتوسطة الدخل التي تتحمّل أقل قدر من المسؤولية عن الانبعاثات العالمية لغازات الدفيئة بأسوأ تداعيات تغير المناخ. ففي عام 2024 وحده، أقفلت باكستان أبواب المدارس أمام 26 مليون طفل لأسبوع كامل عندما ارتفعت درجات الحرارة إلى أكثر من 40 درجة مئوية. وأغلقت بنغلادش المدارس أمام نصف تلاميذها خلال موجة حرّ.

وشهد جنوب السودان درجات حرارة مرتفعة جداً لامست 45 درجة مئوية وأمر المدارس بإقفال أبوابها لأسبوعين. حتّى إن بقيت المدارس المفتوحة، تؤثّر درجات الحرارة المرتفعة للغاية على تطوّر الأطفال الإدراكي وتؤدّي إلى خسائر في التعلم.

ويُظهر تحليل جديد أن حتّى درجات الحرارة التي ترتفع ببطء قد تؤدّي إلى خسائر تراكمية كبيرة على مستوى التعلّم مع مرور الوقت. في الواقع، يبدو أن حتّى صانعي السياسات التعليمية لا يدركون تماماً كيف يؤثّر تغير المناخ على التعلم، إذ يعتقد فقط نصف صانعي السياسات التعليمية الذين استطلعهم البنك الدولي مؤخراً في 28 بلداً منخفض ومتوسط الدخل أن ارتفاع درجات الحرارة يعيق التعلّم.

وبحسب اليونيسكو، أقل من نصف المناهج الدراسية حول العالم تذكر التغير المناخي. كان الالتزام بالتعليم كركيزة أساسية في العمل المناخي بارزاً في مؤتمر الأطراف الثامن والعشرين، حيث تم تخصيص يوم للتعليم للمرة الأولى واعتُمد الإعلان حول جدول الأعمال المشترك للتعليم وتغير المناخ، ما شكّل أول اعتراف سياسي عالمي بالرابط الحاسم بين التعليم والعمل المناخي. وحتّى الآن، وقّعت 90 دولة عضو على الإعلان، ملتزمةً بتخصيص موارد للتكيف مع تغير المناخ، والحد من آثاره، والاستثمار في أنظمة تعليم ومتعلّمين مستعدين لمواجهة التغير المناخي.

في مؤتمر الأطراف الثامن والعشرين، أطلقت الشراكة العالمية للتعليم، والصندوق الأخضر للمناخ، ومؤسسة إنقاذ الطفل أيضاً مشروعاً مشتركاً يهدف إلى جعل أنظمة التعليم في البلدان الهشة صديقة أكثر للبيئة عبر دعم تكيّف قطاع التعليم مع تغير المناخ، وجعل البنى التحتية المدرسية مقاومة أكثر للتغير المناخي، وضمان استمرارية التعليم خلال الظواهر المناخية الحادة، والأهم من ذلك، تجنيد التلاميذ والمعلمين في المعركة ضد تغير المناخ. الانطلاق من هذه الخطوات ليس حاسماً لتعزيز عملنا المناخي وحسب، بل إنه أيضاً استثمار فعال من حيث التكلفة.

فكلّ دولار يُستثمر في جعل أنظمة التعليم تتمتع بذكاء مناخي أكبر يمكنه توفير ما يصل إلى 15 دولاراً في التعافي بعد الكوارث، ما يدلّ على ضرورة دمج التعليم في التمويل المناخي. تلتزم الإمارات العربية المتحدة، بصفتها المانح الأول والأكبر للشراكة العالمية للتعليم في الشرق الأوسط وإذ تستضيف حالياً اجتماع مجلس إدارتها، بدعم الجهود الدولية للاستثمار في التعليم باعتباره أداة فعالة للاستجابة للتغير المناخي.

التعاون العالمي هو السبيل الوحيد الذي يمكننا من خلاله وضع التعلم في صلب العمل المناخي ما يساعد البلدان الهشة على تحويل مدارسها إلى نبوع لا تنضب من المتعّلمين المراعين للبيئة الذين هم فرصة البشرية للبقاء على قيد الحياة وعكس مسار التغير المناخي.