تبرز الإمارات في التحول الرقمي كنموذج للابتكار والتنمية المستدامة في الشرق الأوسط، إذ تتبنى الدولة أحدث النماذج الرقمية الحكومية، والحلول الهادفة لتصفير البيروقراطية، والتكامل الرقمي وتفعيل التكنولوجيا المتقدمة والذكاء الاصطناعي في خدمة المجتمع، عبر جهود مكثفة وفاعلة لتحويل كل خدماتها المقدمة للأفراد والمؤسسات والشركات إلى خدمات رقمية بنسبة 100%.
وغالباً ما تتصدر دولة الإمارات الشرق الأوسط في الخدمات الرقمية، ومؤشرات الذكاء الاصطناعي، والبنية التحتية الرقمية، والمركز الأول حليفها في قطاع الخدمات المصرفية، إذ تقود التحول الرقمي المالي في المنطقة، على الرغم من أنها تمتلك الحصة الأكبر من أصول البنوك في المنطقة البالغة 3.2 تريليون دولار أميركي، وفقاً لشركة الاستشارات العالمية «آرثر دي ليتل».. فالإمارات لا تنافس في قطاع الخدمات المصرفية، وإنما تضع المعايير لهذا القطاع، لاسيما أنها تعمل بناء على «استراتيجية العملة الرقمية» ودمج تقنية البلوك تشين، لتطوير منظومة مصرفية متقدمة تكنولوجيّاً بحلول ابتكارية.
وقد وفرت الدولة في سبيل ذلك الأساس التشريعي للتمكن من رقمنة الأعمال في القطاعات الرئيسية، وتوفير البيئة الداعمة لإنجاز التحول، وذلك لكون الرقمنة لغة العصر الاقتصادية، ولأهمية البيانات في التحليل، واتخاذ القرارات الرشيدة المبنية على حقائق دقيقة، وبالتالي تحسن الأداء، وتحقيق المستهدفات.. وهنا الأهداف كبيرة، لكن العمل دؤوب في تنفيذ رؤية «نحن الإمارات 2031» ورؤية الخمسين 2071.
وقد اعتمدت دولة الإمارات التكنولوجيا والرقمنة أساساً لتطور الحكومة وتحقيق النمو، ولن نجد قطاعاً مازال يعمل بنظم فقيرة لا تعتبر الرقمنة عماداً أساسياً في تطوره، سواء في القطاع الحكومي أو الخاص، خصوصاً أن هناك توقعات بارتفاع العوائد الاقتصادية للذكاء الاصطناعي إلى 320 مليار دولار في الشرق الأوسط، وارتفاع نسبة مساهمة الذكاء الاصطناعي في الناتج المحلي الإجمالي لدولة الإمارات ليصل إلى 14% بحلول عام 2030.
إن الإمارات تمضي قدماً بفضل توجيهات القيادة الرشيدة في التحول الرقمي كركيزة في مسيرة الدولة التنموية والاقتصادية، وذلك ما جعلها ضمن أفضل الدول على مستوى العالم في التحول الرقمي، خصوصاً في الأنظمة الحكومية والخدمات العامة والمشاركة المجتمعية، نتيجة تبني تقنيات الثورة الصناعية الرابعة والذكاء الاصطناعي والابتكار في تيسير أمور الدولة. ولتحقيق الاستفادة القصوى من التحول الرقمي، تعتمد الدولة على الذكاء الاصطناعي وتحليل البيانات، وتوفر البنية التحتية الرقمية لذلك، وترفع من إمكانيات وقدرات الكفاءات والمواهب، وذلك ما أدى إلى نتائج إيجابية في الرعاية الصحية والتعليم والخدمات اللوجستية والتصنيع، وكذلك تكنولوجيا المركبات ذاتية القيادة، والمدن الذكية.
وتتحرك الإمارات على المستوى المحلي والدولي في اقتصاد المعرفة، إذ تستثمر في الصناعات المستقبلية القائمة على شبكات الاتصالات المتطورة والذكاء الاصطناعي والبيانات الكبيرة، وتوفير بيئة استثمارات جاذبة للتقنيات الحديثة، ولذا كانت الريادة في الابتكار التقني والتعاون الدولي، بشراكة مع أكبر المؤسسات العالمية، ومن ذلك شراكة مجموعة «جي 42» مع «مايكروسوفت» لتحسين وتوسيع البنية التحتية لمراكز البيانات في دولة الإمارات، والتعاون مع شركة «نفيديا» للاستفادة من الذكاء الاصطناعي في تحسين التنبؤ بالطقس، والاستفادة من الذكاء الاصطناعي في تحقيق خفض الانبعاثات.
إن الريادة الإماراتية للشرق الأوسط في التحول الرقمي جاءت نتيجة استراتيجيات طموحة لجعل التكنولوجيا حجر الزاوية في كل جوانب الحياة، والاستثمار في التقنيات الحديثة، وتشجيع الابتكار لتطوير حلول تكنولوجية في بنية تحتية متطورة، وتوفير خدمات حكومية رقمية كفؤة، ودعم التعليم الرقمي وتطوير قطاع صحي ذكي وتسريع وتيرة المعاملات الحكومية، وذلك ما رفع من تنافسية الدولة الاقتصادية، وجعلها سباقة ورائدة في رسم ملامح مستقبل الخدمات الرقمية والشمول المالي والابتكار في القطاع الاقتصادي في المنطقة.
*باحث رئيسي - رئيس قسم الذكاء الاصطناعي ودراسات المستقبل-مركز تريندز للبحوث والاستشارات.