«لا مجد من دون مجد الأهل والوطن»، بهذه الكلمات البسيطة وضع المغفور له الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان -طيب الله ثراه- الأساس الفكري للعلاقة بين الوطن والمواطن في دولة الإمارات العربية المتحدة، فمنذ اللحظات الأولى لبناء الاتحاد حرصت القيادة الإماراتية على ترسيخ فكرة الوطن، بوصفها القيمة العليا التي يجب على كل إماراتي أن يتمثل بها في كل زمان ومكان، وفي جميع شؤون حياته، فالوطنُ أولاً ودائماً، ولأن الشباب هم أمل الوطن، وضمان مستقبله، فقد كان الرهان دائماً على شباب الإمارات، وعلى إيمانهم بوطنهم، وإدراكهم بواجباتهم تجاهه.

ولو بحثنا مع القارئ الكريم في الأسس والمعطيات التي قامت عليها فكرة الخدمة الوطنية بدولة الإمارات، لوجدنا الأسس الفكرية تطغى على الأسس العملية، فالهدف الأساسي للقرار التاريخي بشأن الخدمة الوطنية، كما أعلنه قائد التمكين الشيخ خليفة بن زايد آل نهيان -رحمه الله- هو «ترسيخ قيم الولاء والانتماء بين الشباب، وإذكاء روح الوطنية والنظام والانضباط والمشاركة والتضحية بينهم، وتعزيز الثقة بالنفس بما يرفع من جاهزيتهم وقدرتهم على مواجهة تحديات الحاضر، واستحقاقات المستقبل».

وقد جاءت الخدمة الوطنية في عام 2014 لتعكس فكر القيادة الحكيمة، وقوة إرادة الشعب، وتمثل لبنة أساسية في بناء الاتحاد، وتهيئ الشباب الإماراتيين ليكونوا جيلاً قادراً على مواجهة تحديات الحاضر والمستقبل، مستعدِّين للدفاع عن الوطن، والمحافظة على مكتسباته. كما أن الخدمة الوطنية توفر فرصة لتنمية القدرات البدنية والذهنية، وغرس قيم الانضباط والمسؤولية في نفوس الشباب، وتعزيز روح التعاون والعمل الجماعي، وزيادة الشعور بالانتماء إلى الوطن. وهذا ما أكده صاحب السمو الشيخ محمد بن زايد آل نهيان، رئيس الدولة، حفظه الله، عندما وصف الخدمة الوطنية بالقرار الذي «يمثل دعماً مهمّاً لقواتنا المسلحة، لأنه يهيئ لها احتياطيّاً وطنيّاً من الكوادر المدربة الجاهزة للانضمام إليها في أي وقت، كما سيعود بالنفع على مجمل العملية التنموية في دولة الإمارات العربية المتحدة، لأن المهارات التي يحصل عليها الشباب في أثناء مدة تأديتهم خدمتهم العسكرية، والقيم والسلوكيات الإيجابية التي يكتسبونها، سوف تفيدهم في حياتهم العملية، وترفد الوطن بكوادر وإمكانيات تُسهم في تحقيق طموحاته في انطلاقته المستمرة والواثقة نحو المستقبل».

كما عبَّر سموه عن فخر القيادة بأبناء الإمارات من خريجي الخدمة الوطنية عندما قال: «ليس هناك شعورٌ أجملُ من أن يرى القائد واﻷب والوطن أبناءهم وهم يتخرَّجون في ميادين العز والشرف، واثقي الخُطى، فخورين بجذورهم وهويتهم وانتمائهم». هذا الشعور الذي تحدث عنه أيضاً صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم -رعاه الله- عندما أشاد بكل فخر بحماسة الشباب الإماراتيين، وإقبالهم على الانخراط في الخدمة الوطنية، وطلب منهم أن يكونوا قدوة لإخوانهم من الجيل اللاحق الذين سيلتحقون بالخدمة الوطنية، وذكَّرهم بأن «الخدمة شرف وتضحية ورجولة وانتماء إلى الوطن الغالي». والخدمة الوطنية تعكس أيضاً عزيمة الشعب الإماراتي على أن يكون جزءاً فاعلاً في مسيرة التنمية والبناء، وقد أثبت شباب الإمارات، من خلال التزامهم بالخدمة الوطنية، أنهم على استعداد لبذل الغالي والنفيس من أجل رفعة الوطن واستقراره، وأصبحت الخدمة الوطنية رمزاً للفخر والعزة بين أفراد الشعب، وتجسيداً لروح الوحدة والتلاحم الوطني.

وأجزم بأن كل إماراتي يدرك أهمية الخدمة الوطنية، وأن هذه الأهمية تمتد إلى المستقبل أيضاً، إذ تسهم في بناء جيل واعٍ، قادر على تحمُّل المسؤولية، ومؤهل للمشاركة الفاعلة في المجالات كافة، وفي ظل التحديات العالمية المتزايدة تبقى الخدمة الوطنية صمام الأمان الذي يعزز من جاهزية الشباب الإماراتي لمواجهة أي طارئ. ومع احتفائنا بمرور عقد على هذا القرار التاريخي يتفق معي القارئ الكريم، وبعين المراقب، على ما تركته وستتركه الخدمة الوطنية على شباب الوطن من تعزيزٍ للولاء، وصونٍ لدار زايد خلف قيادتهم الرشيدة.

*كاتب إماراتي