«عيشي بلادي.. عاش اتّحاد إماراتنا»، نغمة البهجة والسّرور، في كل بيت في جميع ربوع الوطن، فرحة العيد، فرحة الطّفل يشدو بكل حماس، وفرحة الكهل يرنو إلى مسيرة من العطاء والوفاء، وفرحة الشباب يجدّد روح الوَلاء، فرحة ترسُم البِشر على الوجوه الجميلة، وتنطلق بالحَمد على كلّ الشّفاه، محبّة تعمر القلوب طمأنينة، وتملأ النّفوس فخراً واعتزازاً. تلك فرحة العيد، ولكنها ذلك وأكثر، فليست مجرّد مشاعر تُلهم أشعاراً وتَفيضُ شعاراتٍ، وإنما هي فكرة وعبرةٌ، وتأمُّلٌ وتعلُّم، تأمّل في مسيرة البلاد، وتعلم من سيرة قائد.
الاتّحاد معجزة ألهمت الحكّام والحكماء، من كلّ أقطار العالم، معدنٌ لا ينفَد، ترِده العقول المختلفة، فتصدر بالمعاني المتنوّعة، والدروس المتعدّدة، كل يرى في هذه المعجزة ما يمدّه بقَبَس من نور، فهذا يُشيد بقيم الصّبر والشجاعة، وذلك بقيم الحكمة وجزالة الرأي، وآخر يرسم لوحة البذل والعطاء، ومتغنٍّ بالعدل الممزوج بمعاني الرّحمة، فكل ذلك تجسّد وتحقّق في حياة إنسانٍ وشعب. فحقّ لنا أن ننشد مع الشاعر الجاهلي: «هَلْ غادَرَ الشُّعراء مِن مُتَرَدَّمِ»! في هذه الخاطرة الوطنيّة، سنقصر الكلام على قيمة القيم التي إليها مردُّها جميعاً، قيمة السّلام، فهي منطلق الاتّحاد ومُنتهاه.
لقد أدرك الشيخ زايد قبل الآخرين روح عصره، عصر الامتزاج والاتصال، فعرَف كيف يجعل الاختلاف ائتلافاً ويحوّل التنوّع تعاوناً، وكيف يستكشف فضاءات الالتقاء، ويوسع قنوات التواصل ويحقّق النفع المتبادل. تلك خصال زايد الحميدة، التي وسمت أفعاله وأقواله، ووجّهت مبادراته وتدابيره، حتى غدا رمزاً للحكمة والمحبة والخير في جميع أنحاء العالم، وكل من زار داره التي أسسها على هذه المعاني، لمس بنفسه ورأى بعينه وشعر بوجدانه بروح التسامح وبعبق أريج المحبة.
قادةٌ كثيرون عبرَ التاريخ أجلبوا بخيلهم ورَجْلِهم فوَحّدوا مناطق جغرافية شاسعة وجمعوا شعوباً شَتّى في كيانات مُصطنعة، فبذروا بذلك بذورَ تفكّكها ولو بعدَ حين، ولكن الموحّد الحقيقي إنما هو الذي يستطيع أن يوحّد القلوب ويُؤَلّف بين الهِمَم، وذلك ما فعله الشيخ زايد بحكمته وبصيرته وتوفيقٍ من ربّه.
لقد وحّد، رحمه الله، الإنسان قبل أن يوحّد المكان، وحّد المصالح والآمال والرؤيةَ والرواية، فقدّم للعالم نموذجاً فريداً من الوحدة الاختيارية الطّوعية التي سبيلها السَّلام وغايتها السّلام، ولنستمع إليه وهو يخاطب إخوانه المؤسسين قائلاً: «هذه فرصة هيأها الله تعالى لنا، فرصة وجودنا اليوم في مكان واحد، إن قلوبنا جميعاً عامرة والحمد لله بالإيمان بمبدأ الوحدة، فلنجعل إذاً من اجتماعنا فرصة تاريخية لتحقيق أملنا المنشود».
لقد كان الآباء المؤسسون يؤمنون بأن لا رفاهية في غير عافية، ولا ازدهارَ في غير استقرار، ولا عِلْم في غير سلم، فجعلوا الاتحاد بساطاً للتنمية، والأخوة سبيلاً للسعادة، والإنسان غاية لكل سياسة. وحين ندقّق في الأسس الفكرية لإرث الاتحاد نجد مبناه على روح الأمل والتفاؤل والإيجابية، فتلك هي المعاني الباعثة على جميع المساعي النبيلة: الأمل في الله عز وجل، والأمل في الغد المشرق للوطن وللإنسانية، والشعور بالثقة في المستقبل، وحسن الظن بالآفاق المشرقة، والوعي بالواقع وبتحدياته من غير خضوع لإكراهات اللحظة الحاضرة أو استسلام لحتمية صيرورتها. ذلك الأمل هو روح السلام، فإنما ينشأ العنف من اليأس، حين يستولي على النفوس فيقطع كل قنوات التواصل والتفاعل. بذلك أورث الشيخ زايد بنيه وشعبَه وأمتَه رؤية ريادية منفتحة على العَصر بكل ما يحمله من تطوّر وتغيُّر، من دون التنكّر للذات العميقة التاريخية وما تحمله من أصالة وثوابت.
إرث زايد من الأمل المتجدد والقيم المتجسدة، مكّن بلادنا بقيادة صاحب السموّ الشيخ محمد بن زايد آل نهيان، رئيس الدولة، حفظه الله، من أن تأخذ دورها الكامل والريادي في صناعة مستقبل الإنسانية، وفق رؤية جعلت الشراكة الحضارية نهجها، والإنسان وسعادته غايتها، بثقة وطموح، لا يعرفان حداً ولا نهاية. وكما كان الشيخ زايد -طيب الله ثراه- مدرسة في حبّ الخير لوطنه ومواطنيه ولأمته والناس أجمعين، يسير سيدي صاحب السمو الشيخ محمد بن زايد آل نهيان، حفظه الله، على خطى زايد ببر وثقة ومحبة وإخلاص حاملاً البشرى للعالم بأن «سياسة دولة الإمارات ستظل داعمة للسلام والاستقرار في منطقتنا والعالم، وعوناً للشقيق والصديق، وداعية إلى الحكمة والتعاون من أجل خير البشرية وتقدمها».
*الأمين العام لمنتدى أبوظبي للسلم