شكل مؤتمر الأطراف «كوب 28» الذي استضافته دولة الإمارات في عام 2023 نقطة تحول كبيرة في مسار العمل المناخي العالمي، حيث تم فيه الاتفاق على إنشاء صندوق الخسائر والأضرار لدعم الدول النامية والمتضررة من الكوارث المناخية. هذا الصندوق كان بمثابة اختراق كبير يعكس الاعترافَ العالمي بأهمية توفير التمويل للمجتمعات التي تتحمل العبء الأكبر لتغير المناخ دون أن تكون مسؤولة عن الجزء الأكبر من الانبعاثات.
وجاء مؤتمر باكو (كوب 29) ليبني على تلك النجاحات، ساعياً إلى تعزيز آليات تمويل الصندوق وتوسيع قاعدة الدول المانحة. ومع ذلك، فإن مؤتمر باكو واجه تحديات في دفع الدول إلى التزامات أكثر طموحاً، ما يسلط الضوء على الحاجة إلى استمرارية العمل الجماعي والدبلوماسية متعددة الأطراف لتحقيق الأهداف المناخية المشتركة.
وقد ‏انعقد مؤتمر الأطراف «كوب 29» في العاصمة الأذربيجانية باكو، خلال نوفمبر 2024، وسط توقعات وآمال كبيرة لتحقيق تقدم ملموس في قضايا المناخ العالمي. وجاء المؤتمر في أعقاب صيف حطم الأرقام القياسية من حيث ارتفاع درجات الحرارة والكوارث الطبيعية المرتبطة بالمناخ، لكن التحديات المناخية والسياسية والاقتصادية ظلت تُلقي بظلالها على قدرة الدول على التوصل إلى اتفاقات ملزمة وفعالة.
‏تعد التغيرات المناخية من أكثر القضايا إلحاحاً في القرن الحادي والعشرين، إذ تهدد بارتفاع درجات الحرارة العالمية إلى مستويات كارثية تتجاوز 1.5 درجة مئوية، مقارنة بفترة ما قبل الثورة الصناعية. ومن بين التحديات المطروحة، يأتي تمويل العمل المناخي على رأس الأولويات، إذ تسعى الدول النامية للحصول على دعم مالي لتنفيذ مشاريع الطاقة المتجددة، ومكافحة التصحر والفيضانات.. أي التكيف مع آثار التغير المناخي. ومع ذلك، ورغم الوعود المتكررة، تظل الفجوة التمويلية ضخمة، حيث تُقدَّر الاحتياجات السنوية بنحو 2.4 تريليون دولار، بينما لا يزال التمويل المقدم أقل بكثير من هذا الرقم.
‏وفي ظل التوترات الجيوسياسية العالمية، يُشكل اعتماد بعض الدول على الوقود الأحفوري تحدياً إضافياً أمام التحول نحو الطاقة النظيفة.
‏وفضلاً عن ذلك، تسعى الدول الغربية إلى تعزيز التزاماتها الوطنية بخفض الانبعاثات، لكنها تواجه مقاومة داخلية بسبب الضغوط الاقتصادية؛ فارتفاع تكاليف الطاقة والتحديات الاقتصادية الناتجة عن الصراعات الدولية، مثل الحرب في أوكرانيا، تعيق بعض الدول عن الوفاء بتعهداتها المناخية، وتظل الخلافات قائمة حول كيفية تقاسم المسؤوليات بين الدول الصناعية الكبرى والدول النامية، وهو ما يعكس فجوة كبيرة في العدالة المناخية.
‏أحد أبرز إنجازات «كوب 29» كان الاتفاق على مراجعة التعهدات الوطنية المتعلقة بخفض الانبعاثات، مع دعوة الدول لتقديم خطط أكثر طموحاً بحلول العام المقبل. كما تمت مناقشة آلية جديدة لتمويل صندوق «الخسائر والأضرار» الذي يهدف إلى دعم الدول المتضررة من الكوارث المناخية. ومع ذلك، أُثيرت انتقادات تشير إلى أن الاتفاقات جاءت أقل من الطموحات، حيث تجنبت الالتزام الصريح بالتخلص التدريجي من الوقود الأحفوري.
‏ورغم التحديات، يظل مؤتمر الأطراف منصة حيوية لتعزيز التعاون الدولي في مواجهة التغير المناخي. وقد أظهر «كوب 29» أهميةَ دمج الجهود العلمية والسياسية والاقتصادية لتحقيق تحول حقيقي نحو التنمية المستدامة. لكن لتحقيق الأهداف المناخية الطموحة، يجب على الدول تجاوز الخلافات، والعمل بشكل جماعي لضمان مستقبل أفضل للأجيال القادمة. ويظل الأمل قائماً، لكن التحدي الأكبر يكمن في ترجمة الكلمات إلى أفعال ملموسة على أرض الواقع.

*كاتب أردني مقيم في بلجيكا