انتهجت دولة الإمارات العربية المتحدة خلال العقود الماضية سياسة قائمة على تنويع الشراكات الاستراتيجية في إطار توجهها الدبلوماسي نحو توسيع الخيارات الإقليمية والدولية، وضمن مساعي الدولة لبناء القوة وموازنة التحالفات المرنة التي تنتهجها على المستويات السياسية والاقتصادية والدفاعية مع القوى الآسيوية والغربية على حد سواء.
وقد تجلى هذا التوجه في استقبال صاحب السمو الشيخ محمد بن زايد آل نهيان، رئيس الدولة، حفظه الله، فيرديناند ماركوس، رئيس جمهورية الفلبين، الذي قام بزيارة عمل إلى الإمارات، في زيارة اعتبرها صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم، نائب رئيس الدولة، رئيس مجلس الوزراء، حاكم دبي، رعاه الله، تعكس علاقة شراكة مستمرة ومستقرة منذ خمسين عاماً. 
وتقدم الشراكة الإماراتية الفلبينية نموذجاً لأنماط التطور التي تشهدها علاقات الإمارات مع مختلف دول آسيا، مثل إندونيسيا والصين والهند وكوريا الجنوبية واليابان، كما تتجلى تلك الشراكات في تفاعلات دولة الإمارات مع المنظمات الآسيوية مثل رابطة دول جنوب شرق آسيا «آسيان»، وكذلك مع دول آسيا الوسطى، التي أضحت مركز تنافس دولي بفعل تصاعد أهميتها الاستراتيجية على خطوط التجارة ونقل الطاقة عالمياً، وبفعل الرغبة الغربية في تعظيم التعاون مع تلك الدول لما تمتلكه من مخزونات هائلة من الموارد الهيدروكربونية. 
وقد شهد العام الماضي مشاركة دولة الإمارات بفاعلية في القمة الأولى لدول مجلس التعاون الخليجي مع دول وسط آسيا، ليجسد ذلك حرص الإمارات على تعزيز علاقاتها الاستراتيجية مع هذه الدول، سواء أكان ذلك بشكل ثنائي أم من خلال مجلس التعاون الذي يشكل رابطة إقليمية لها وزنها في منطقة الشرق الأوسط.
وفي هذا الإطار يلاحظ الزيارات رفيعة المستوى لمختلف الدول الآسيوية، الأمر الذي تجلى في زيارة صاحب السمو الشيخ محمد بن زايد آل نهيان، رئيس الدولة، حفظه الله، لكل من جمهورية كوريا وجمهورية الصين الشعبية كي تضيف لبِنةً جديدة لصرح العلاقات الخليجية الآسيوية المتنامية.
وتحتل كل من الصين وكوريا الجنوبية، بالإضافة إلى الهند، مكانةً متقدمة في العلاقات الاقتصادية لدولة الإمارات، إذ أصبحت تحظى بالمراكز الأولى في التبادل التجاري للدولة، كما تتنامى الاستثمارات المشتركة، والتعاون الثنائي ومتعدد الأطراف في العديد من المنظمات الدولية، وكذلك في مجالات التعاون الحيوية، مثل الطاقة النووية والتكنولوجيا المتطورة.
لذا، فإن الدبلوماسية المكوكية وسياسة التفاعلات النشطة التي تقودها الإمارات نحو القارة الآسيوية يمكن أن يُطلق عليها استراتيجية «التوجه شرقاً»، وهو توجه أصيل ويأتي في مسار متوازي مع شراكات متنامية مع الجنوب العالمي في إطار عضوية الإمارات في مجموعة «بريكس»، كما لا ينفصل عن سياسة الدولة القائمة على بناء الشراكات عبر مسارات منفصلة. فالتعاون التقليدي مع القوى الغربية يتسق مع سعي الدولة كقوة دولية صاعدة إلى بناء شراكات وتحالفات سياسية واقتصادية موازية مع القوى الآسيوية. 
ويتسق ذلك مع التحولات التي يشهدها النظام الدولي، والتي تشير إلى تزحزح ميزان القوة تدريجياً، صناعياً واقتصادياً، من غرب العالم لشرقه، بسبب الطفرة التكنولوجية والاقتصادية والعسكرية التي شهدتها العديد من الدول الآسيوية، خلال العقود الماضية، ما أفضى إلى انخراط العديد من تلك الدول، مثل اليابان والصين والهند وكوريا الجنوبية، في الشرق الأوسط وتفاعلاته. وظهر ذلك بوضوح في تنامي أوجه التعاون بين القوى الآسيويّة ودول مجلس التعاون الخليجي.
إن المدلولات الاستراتيجية لتحركات الإمارات على الساحة الآسيوية، إنما تجسد سياسة الدولة القائمة على إعلاء قيم التعاون وبناء الشراكات وتبني استراتيجية التوازن في العلاقات الدبلوماسية بين الغرب والشرق، على نحو يخدم طموح الإمارات في الاضطلاع بأدوار عالمية تعزز فعالية أدوارها بالوساطة في الصراعات الإقليمية والدولية، وبناء الجسور مع مختلف القوى العالمية، وتأكيد المصداقية في سياسة الإمارات لتحقيق التنمية والسلام، على المستويين الإقليمي والدولي.

*صادرة عن مركز الإمارات للدراسات والبحوث الاستراتيجية