حققت دولة الإمارات العربية المتحدة مستويات متقدمة من الاستقرار والأمن بفعل تبنيها منظومة متكاملة من السياسات التحديثية والجهود التنموية، لتمتلك واحدة من أقوى المعادلات الأمنية على مستوى العالم، الأمر الذي جعل الدولة عصية على كل مَن تسول له نفسه الإخلال بأمن المجتمع. وهو ما تطلّب حشد مقومات الدولة الشاملة لإرساء مرتكزات وطنية تعزز «المناعة الأمنية» للمجتمع الإماراتي، لتجاوز قيود البيئة الإقليمية والدولية، والتي مثلت تحدياً لإنجاز المهمة التي أخذتها الدولة على عاتقها منذ وُضعت لَبنات الاتحاد الأولى.
وقد تحققت تلك المعادلة عبر أربعة مرتكزات رئيسة، وهي: تعزيز الحصانة المجتمعية من كل ما قد يمس أمن الدولة واستقرارها، وترسيخ أواصر التضامن المجتمعي كرابطة مركزية في مواجهة مختلف التحديات، إلى جانب تطوير الجهود الاستباقية الكفيلة بإحباط التهديدات المستهدفة لمصالح الدولة ومواطنيها والمقيمين فيها وزوارها. وتتكامل هذه المعادلة ببناء قدرات نوعية ومراكمتها لدى مؤسسات الدولة كافة بما يضمن الاستجابة الفعالة لأيِّ مخاطر مستجدة لضمانة تحقيق الردع النشط.
وتؤشر أنماط التهديدات الناشئة التي طالت العديدَ من البلدان في منطقتنا العربية، وغيرها من الدوائر الجغرافية القريبة من دولة الإمارات، إلى فعالية جهود التحصين التي شهدها المجتمع الإماراتي عبر العقود الماضية، والتي جعلته منيعاً أمام حروب الإشاعات والمفاهيم المغلوطة التي عطّلت مسارات التنمية في بلدان عدة، وأنهكت بعضها الآخر لسنوات طويلة في معالجة آثارها وتداعياتها. وتعززت حصانة المجتمع الإماراتي إضافياً عبر ترسيخ قيم التضامن الوطني، ويعود ذلك إلى التفافنا جميعاً حول إرثنا الوطني وتمسّكنا بهويتنا الإماراتية، الأمر الذي يرجع الفضل فيه إلى المبادئ التي غرسها المغفور له الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان، طيب الله ثراه.
وقد ارتبط تحقيق هذا المستوى من «المناعة الأمنية» في دولة الإمارات بتبنيها مساراً عمليّاً موازياً يضمن قدرتها على معالجة المستجدات الطارئة كافة، محلياً وإقليمياً ودولياً، وفقاً لمنهجية يتحقق من خلالها عاملان رئيسان، وهما: الجاهزية الاستباقية، والاستجابة الفعالة. فعلى صعيد «الجاهزية الاستباقية»، كانت مصفوفة العمل الأمني الإماراتي بالمرصاد لأشكال التهديدات كافة التي استهدفت الدولة واستقرارها، فيما طورت أجهزة الدولة صيغة «الاستجابة الأمنية الفعالة»، لتتمكن من إتمام مهامها في «توقيتات قياسية» وبمستويات غير مسبوقة من الدقة والفاعلية.
وفي ضوء تكامل مرتكزات المعادلة الأمنية، نجد أن دولة الإمارات العربية المتحدة صارت تمتلك هيكلًا حيوياً داعماً لـ«منظومة الردع الوطني»، والذي يعكس اندماجاً فعالاً بين العوامل المعززة لقدراتها على الصعيدين الداخلي والخارجي، ما يمنحها أفضليةً لتطوير تلك المعادلة والبناء عليها كأساس لاستدامة الأمن إقليمياً وعالمياً. وهو في الواقع الهدف المركزي للدولة في سياق سياساتها الخارجية ومبادراتها الرائدة لتحقيق الأمن والسلم الدوليين، حيث تمثل جهود دولة الإمارات قاطرة داعمة للمساعي العالمية لاكتساب «هدنة» من المخاطر والصراعات التي استنزفت طاقات العالم وإمكاناته وإنسانيته.
إن الإنجاز المتحقق بالوصول إلى معادلة أمنية فعالة، هو تحدٍّ يتطلب جهوداً عملية كثيفة ومتواصلة، واستدامته هي القضية المحورية الأكثر تعقيداً، كونها تتطلب صياغة رؤية استراتيجية تستشرف التحولات المستقبلية المُحتملة، وبناء فرضيات واقعية لمعالجتها بصورة شاملة. ولذا فإن ما تعايشه الدولة من مستوى متقدم من الاستقرار والأمن يُشكل مُحصلةً إجماليةً لتضافر الجهود كافة عبر المستويات الوطنية الإماراتية على اختلافها، ما يعكس تجذُّر تلك المرتكزات الأربعة في المجال الحيوي والشخصية الإماراتية، ويجعل أمنها عصياً على كل من تسول له نفسه المساس به.
ومع وقوفنا على أعتاب إحياء الذكرى الثالثة والخمسين لـ«عيد الاتحاد»، نتفق جميعاً على أن استدامة فعالية منظومة المناعة الأمنية لدولة الإمارات العربية المتحدة، في ظل التحديات المُعقدة التي تموج بها البيئة الإقليمية والدولية، تعكس جوهر الرؤية الاستراتيجية التي أرست دعائمَها قيادتُنا الرشيدة منذ التأسيس وحتى اليوم، وأنها جعلت دولة الإمارات نموذجاً دولياً للاستقرار الراسخ والأمن المستدام، وهي المنهجية الوطنية التي تتطلع بلدان العالَم اليوم إلى استلهامها وبناء الشراكات مع مؤسسات الدولة للاستفادة منها.
*صادرة عن مركز الإمارات للدراسات والبحوث الاستراتيجية