انهمكت مراكز البحوث والدراسات الدولية في تحليل رؤية الرئيس ترامب تجاه التعامل مع قضايا العالم، ومستقبل الاستقرار في الشرق الأوسط، وإنهاء الحرب الدائرة في لبنان، والترتيبات الأمنية والاستراتيجية المتوقعة في قطاع غزة، بعد أن انتهت الأهداف العسكرية الكبرى.. إلا أن هذا التناول تم في سياقات ارتبطت برؤية الرئيس ترامب، وتصريحاته السابقة خلال الحملة الانتخابية، وهو أمر ينبغي أخذه بحذر في ظل وقائع محددة أهمها الحالة المزاجية للرئيس في ولايته الثانية، ومواقفه وتوجهاته المعروفة عنه مسبقاً، والتي قد لا تنسجم دائماً مع مواقف وتوجهات المؤسسة الرسمية.
ويعتقد بعضهم أن رؤية ترامب للشرق الأوسط ستنطلق من تأمين مصالح إسرائيل، وتركيز الشراكة الأميركية الإسرائيلية في سياق محدد، إضافةً للتجاوب مع المطالب والمواقف التي ستعمل عليها إسرائيل ضِمن الترتيبات الأمنية والاستراتيجية، بل ربما يتجه إلى تنفيذ مخطط «الشرق الأوسط الجديد» القائم على تغيير الإقليم وفق رؤية سبق أن طرحها رئيس الوزراء الإسرائيلي نتنياهو.
ومن الواضح أن الرئيس الأميركي المنتخب سيتعامل مع كونجرس مؤيد وداعم له على طول الخط، لكن الإشكالية ستكون في كيفية القفز من واقع المؤسسات الراهنة إلى تبنّي رؤية داعمة لكل التحركات في الشرق الأوسط، خاصة أن دعم إسرائيل والتجاوب مع مطالبها الأمنية والاستراتيجية ليس محل تجاذب داخل الكونجرس، إذ يؤكد «الديمقراطيون» و«الجمهوريون» معاً على دعمها، ما قد يعزز هيمنةَ الرئيس المنتخب على صنع القرار، والاتجاه إلى إتمام الصفقات من أعلى.
وبصرف النظر عن أية توجهات مطروحة في هذا السياق المضطرب، فإنه يمكن أن يمثل عبئاً على التحولات السياسية والاستراتيجية في الشرق الأوسط، وأن يحقق مكاسب حقيقية لإسرائيل.
ومما يشير إليه السياقُ العام أن الولايات المتحدة، مع الرئيس ترامب، ستعمل مباشرة على التوصل إلى حلول وممارسة أكبر قدر من الضغوط على الأطراف المعنية، من خلال العمل على إبرام اتفاقيات مرحلية وجزئية، باعتبار أن المنطقة باتت مهيأة للتوصل إلى اتفاق في غزة، ووقف للحرب في لبنان، خاصة أن إسرائيل حققت أهدافها الاستراتيجية.
ولعل هذا الأمر قد يدفع للانتقال من غزة إلى لبنان، ثم إلى سوريا ومنها إلى اليمن، مروراً بليبيا والسودان.. حيث القضايا المؤجلة التي ستعمل إدارة ترامب على إعادة النظر في مساراتها، خاصة أن الإدارة السابقة لترامب اشتبكت بالفعل داخل هذه الصراعات ونجحت في التعامل معها خلال لحظات محددة، ولديها تفاصيل هذه الترتيبات وفق رؤية يمكن العمل عليها من خلال جهد حقيقي لإتمام تسويات محددة، مع التأكيد على أن الأولوية لن تكون للشرق الأوسط فقط، بل أيضاً لجنوب شرق آسيا والصين على وجه الخصوص، إضافة إلى موضوع «الناتو» وروسيا.. مما يعني أن ترتيب الأولويات والمهام لدى إدارة الرئيس ترامب لن يكون وفق الأجندة التقليدية السابقة.
ولا شك في أنه لدى الرئيس ترامب رغبة في حسم العديد من الملفات خلال 100 يوم الأولى من حكمه، وفي ترجمة أقواله التي أطلقها أثناء الحملة الانتخابية إلى مواقف وتوجهات وأفعال حقيقية، خاصةً أن الارتدادات التي يمكن أن تجري في البيئة الدولية (ومنها منطقة الشرق الأوسط) ستتأثر بحالة عدم الاستقرار، وهي حالة قد تتحول إلى صراع ممتد ربما يثير توترات وصراعات جديدة، لا سيما أن سلوك كل من إيران وإسرائيل قد يدفع مجدداً إلى توترات محتملة ربما تذهب نحو سيناريوهات غير متحكم بها، ما يدفع الإدارة الأميركية للعامل في أجواء غير مواتية.
وفي المجمل، سيظل الرئيس ترامب في دائرة محددة للتعامل، وليس لديه خيارات كثيرة، لا سيما أن ما يجري سيكون مرتبطاً بالقدرة على الحسم والانتقال من إدارة الصراعات إلى فرض الحلول مهما كانت لمصلحة طرف على آخر.