(13) قَدْ كُنتُ أُشْفِقُ مِن دَمْعِي عَلَى بَصَرِي * فَاليَومَ كُلُّ عَزِيزٍ بَعْدَكُم هَانَا
نقل الثعالبي في (الإعجاز والإيجاز) أن الخوارزمي اعتبر هذا البيت أغزل بيت للعصريين. وقال الثعالبي في (يتيمة الدهر) إن المتنبي بهذا البيت: «قالَ وأحسنَ ولطفَ وظرفَ».
يقول: في السابق كنت أخافُ على عيني العمى من كثرة بكائي لفقدكم، وأخشى أن يمنع هطول دموعي في عيني قدرتي على الرؤية والإبصار، لكن المصائب يخفف بعضها بعضا، فاليوم أصبح العمى أمراً هيناً أمام فراقكم.
قال الواحدي: «أي: أنَّه يهونُ عليه فقدُ البَصَر في البكاءِ على فِراقهم».
ونحو فكرته، قول أبي نواس في الخليفة العباسي الأمين:
وَكُنْتُ عَلَيْهِ أَحْذَرُ الْمَوْتَ وَحْدَهُ * فَلَمْ يَبْقَ لِي شَيْءٌ عَلَيْهِ أُحَاذِرُ

(14) إِذَا سَاءَ فِعْلُ المَرءِ سَاءَتْ ظُنُونُهُ * وصَدَّقَ مَا يَعْتَادُهُ مِن تَوهُّمِ
سَاءَ: قبح.
يعني: إذا كانت أفعال المرء سيئة قبيحة، أصبح القبح مناخه الذي يعيش فيه، فستكون ظنونه بالناس قبيحة سيئة، وستكون عنده حقائق لا ظنون.
يَعْتَادُهُ: أي ما يزور ذهنه من أوهام، لا تلبث أن تتحول إلى حقائق عنده، بعد أن يُصدق الوهم، ويعتبره حقيقة.
يقولُ: المُسِيءُ الظَّنِّ لا يأمَنُ مِن أسَاءَ إليه، ومَا يخطُرُ بقلبِه مِن التَّوَهُّم على أصَاغِرِهِ يُصَدِّقُ ذلك. كما قال الواحدي.
وفي حديث رَسُول اللهِ صلى الله عليه وسلم: «إِيَّاكُمْ وَالظّنَّ، فَإِنَّ الظَّنَّ أَكْذَبُ الْحَدِيثِ». وقوله: والظن: أي سوء الظن. 
يقول عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ، رضي الله عنه: «لَا يَحِلُّ لِامْرِئٍ مُسْلِمٍ يَسْمَعُ مِنْ أَخِيهِ كَلِمَةً يَظُنُّ بِهَا سُوءاً وَهُوَ يَجِدُ لَهَا فِي شَيْءٍ مِنْ الْخَيْرِ مَخْرَجاً».
ونحو، بيت القصيد، من قول أبي بكر محمد بن داود الأصفهاني (ت 297 هـ): 
وَمَا فَسَدَتْ لِي يَعْلَمُ اللَّهُ نِيَّةٌ * عَلَيكَ وَلَكِنْ خُنتَنِي فَاتَّهَمْتَنِي

(15) ومِن نَكَدِ الدُّنْيَا عَلَى الحُرِّ أَنْ يَرَى * عَدُوَّاً لَهُ مَا مِن صَدَاقَتِهِ بُدُّ
قال الثعالبي عن هذا البيت إنه: «من غرر أَمْثَال أبي الطّيب الَّذِي لَا مِثَال لَهُ».
النكد: الشر بأصنافه. 
يعتبر الشاعر أن من شر الدنيا أن يضطر الحُر أن يُصادق عدوه لدفع شروره، أو ليجلب خيراً لا يمكن تحقيقه دون صداقة العدو.
قال المعري في (اللامع العزيزي) عن البيت: «يحتمل أن يعني بالعدو هاهنا عدواً من بني آدم، لأن أكثر العالم لا يخلو من عدو يفتقر إلى أن يظهر له الصداقة، وأحسن من هذا أن يريد بالعدو: الدنيا، لأن كل أحدٍ مضطر إلى خدمتها كما يخدم صديق محب وقد علم أنها له عدوة».
وتحدث الراغب الأصفهاني، عن «الشهوة» إنها لا تكون مذمومة إذا لم تكن مفرطة، فهي إذا أُدِّبَت، كانت مبلغة إلى السعادة، فالوصول إلى الآخرة يكون بالعبادة، والعبادة تكون بالدنيا، والحياة الدنيا لا تكون إلا بتناول الأغذية، ولا تناول لها دون شهوة، فلا بد من الشهوة، «لكن مثلها كمثل عدو تخشى مضرته من وجه، وترجى منفعته من وجه، ومع عداوته لا يستغنى عن الاستعانة به، فحق العاقل أن يأخذ نفعه ولا يسكن إليه، ولا يعتمد عليه إلا بقدر ما ينتفع به. وما أصدق في ذلك قول المتنبي، إذا تُصُوِّر في وصف الشهوة، وإن قصدها فما أجود ما أراد:
ومن نكد الدنيا على الحر أن يرى * عدوّاً له ما من صداقته بد».
(الذريعة إلى مكارم الشريعة).
ويشبه بيت القصيد، قول أبي تمام:
وَقَد تَألَفُ العَينُ الدُجى وَهو قَيدُها * وَيُرجى شِفاءُ السَّمِّ وَالسَّمُّ قاتِلُ